السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش" يغتصب تاريخ "تدمر" السورية.. التنظيم الإرهابي يدمر آثار المدينة.. "التحالف" يفشل في حماية مجسمات تمثل عصور ما قبل التاريخ المكتوب.. والأزهر يطالب المجتمع الدولي بسرعة التحرك

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعاني مدينة تدمر التاريخية بسوريا، بعد أن تركها "العالم الكسيح" وعواصم القرار الدولي، نهبا لدمار جاء به تنظيم داعش الإرهابي ولتتحول آثارها لأشلاء تبكي تاريخا تليدا وحضارة عظيمة وتسامحا بناء.
وبعد أن عاث فسادا وتدميرا في آثار العراق، تفيد تقارير إخبارية، بأن داعش يباشر عمليات لتدمير الآثار في المدينة.
فيما قال مأمون عبد الكريم، المدير العام للآثار والمتاحف السورية: إن عناصر من هذا التنظيم المتطرف دخلت متحف المدينة وقامت بتدمير بعض المجسمات التي تمثل عصور ما قبل التاريخ المكتوب.
وفيما تقع مدينة تدمر على الطريق الدولي الذي يصل سوريا بالعراق ، يثير تقدم تنظيم داعش وتمدده في سوريا والعراق العديد من علامات الاستفهام في طروحات لمثقفين عرب اظهروا حالة من التعجب المبرر بشأن الانتصارات العسكرية التي يحققها هذا التنظيم الإرهابي الغامض على الأرض رغم تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة منذ صيف العام الماضي لمواجهة داعش.
واذ طالت هذه التساؤلات المبررة جدوى استراتيجية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق ، كان حامد المطلك عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قد ارجع سبب سقوط مدينة الرمادي العراقية في قبضة داعش الى عدم وفاء واشنطن بوعودها بحماية هذه المدينة فضلا عما وصفه بتخاذل بعض القادة العسكريين وانسحابهم من المواجهة مع مسلحي تنظيم داعش.
ومنذ أن باتت مدينة تدمر التي توصف "بلؤلؤة الصحراء" واشتهرت بمعابدها وأعمدتها الرومانية ومدافنها الملكية في قبضة تنظيم داعش ، تصاعدت المخاوف من أن يكون مصير آثارها ونفائسها التاريخية الدمار على غرار ما حدث بعد دخول عناصر داعش مناطق تاريخية وأثرية في العراق وخاصة الموصل والحضر والنمرود.
وفي هذا السياق ، اعرب الأزهر الشريف عن بالغ قلقه حيال سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة تدمر الأثرية، داعيا المجتمع الدولي لتحرك سريع يحول دون قيام عناصر هذا التنظيم بطمس المعالم الحضارية والأثرية بالمدينة، مثلما فعلوا في مواقع أثرية مماثلة بالمناطق التي خضعت لنفوذهم في العراق .
واكد الأزهر في بيانه الصادر امس "الأحد" على ان الدفاع عن المناطق الأثرية في مواجهة النهب والسلب والدمار "معركة الإنسانية بأكملها" لافتا لضرورة تكاتف الجهود من اجل حماية المدينة التي تعد احد اهم واقدم المواقع الأثرية في المنطقة من المصير المظلم الذي ينتظرها على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وتنظيم داعش الذي بات يسيطر على العديد من المناطق الشرقية في سوريا وصولا لمناطق تمركزه في العراق يعبر عن ثقافة ظلامية بالغة التطرف ومعادية بشدة للتراث الثقافي المتنوع في المشرق العربي الذي عرف تاريخيا بتنوعه الحضاري وتعدد مكوناته الثقافية.
وفي مسعى لبناء ذاكرة مناوئة للذاكرة الثقافية الأصيلة والمتسامحة تاريخيا في المشرق العربي كان تنظيم داعش قد نشر صورا لمقاتليه وهم يرفعون الأعلام الداعشية السوداء فوق قلعة تدمر التاريخية بعد أن سيطر هذا التنظيم الإرهابي على المدينة الأثرية الواقعة في ريف محافظة حمص يوم الأربعاء الماضي.
وفي شهر فبراير الماضي حرص تنظيم داعش عبر آلته الدعائية على بث صور ولقطات بالفيديو لمقاتليه وهم يدمرون قطعا أثرية في متحف الموصل تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد ، فيما يقول نيكولاس بيلهام في العدد الجديد لدورية "نيويورك ريفيو للكتب" إن الحجم الكامل للدمار الذي حل بمواقع أثرية هائلة نائية لم تكتمل صورته بعد ، معيدا للأذهان أن هناك نحو 12 الف موقع اثري في العراق والكثير منها لا يحظى بحماية أمنية كافية .
ويقول أمير الجميلي استاذ الآثار في جامعة الموصل انه أحصى تدمير نحو 160 موقعا اثريا على يد تنظيم داعش منذ شهر يونيو الماضي ، بعد أن دخلت عناصر هذا التنظيم الإرهابي ثاني اكبر مدن العراق فيما يلاحظ نيكولاس بيلهام أن التراث الإسلامي ذاته لم يسلم من تخريب عناصر داعش الذين قاموا بتدمير اكثر من 12 مسجدا تاريخيا في الموصل.
ورغم الجنون الظاهر لعناصر داعش المنهمكة في تدمير الآثار فان خبراء في هذا المجال يؤكدون على ان هذه العناصر منهمكة ايضا في عمليات سطو وسلب ونهب لبعض النفائس الأثرية ومن بينها عشر قطع من متحف الموصل وهي قطع لم تظهر في اشرطة الفيديو التي يبثها التنظيم الإرهابي لعمليات تدمير الآثار.
وشهد متحف "فيكتوريا والبرت" في العاصمة البريطانية لندن مؤخرا تجمعا عالميا حاشد لنحو 150 خبيرا في المتاحف والآثار لبحث الاعتداءات الشنيعة التي تتعرض لها المتاحف والمواقع الأثرية في العراق وسوريا بما تشكله من "انتهاك صارخ لحرمة التراث الإنساني ومحاولة لمحو ذاكرة البشرية".
وأوضح مارتين روث مدير متحف "فيكتوريا والبرت" أن الغاية من هذا المؤتمر الحاشد " الا يقف العالم مكتوف اليدين حيال ما يحدث على ارض الواقع من تدمير وعدوان على تاريخ البشرية" ، موضحا أن المعتدين لا يدمرون الماضي فحسب " وإنما يعملون لتفريغ مستقبل الإنسانية من كل المعاني والقيم والإنجازات".
ووصف الدكتور جون كيرتس المدير السابق لقسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني التدمير الذي يمارسه الإرهاب الداعشي ضد التراث الإنساني بأنه "غير مسبوق في شراسته وطابعه الشامل" داعيا لوضع مزيد من التشريعات الفاعلة للحيلولة دون تهريب الآثار والاتجار غير المشروع بها.
ونقلت دورية "نيويورك ريفيو" عن الأستاذ الجامعي العراقي امير الجميلي قوله إن احد أهداف تنظيم داعش في تصوير عمليات تدمير الآثار زيادة الطلب على الآثار المهربة من العراق ورفع سعرها بشدة في السوق السوداء لهذه التجارة غير المشروعة.
وحسب هذه الدورية الثقافية الأمريكية فقد اكد احد مستشاري الحكومة العراقية أن تنظيم داعش حقق مكاسب تقدر بمئات الملايين من الدولارات جراء انخراطه في عمليات تهريب الآثار الأشورية والاتجار بها ، موضحا أن هذا التنظيم الإرهابي انخرط في هذا النشاط "سعيا لتنويع مصادر تمويله خاصة بعد استهداف قوات التحالف للمنشآت النفطية التي يسيطر عليها".
وكما حدث فى العراق من قبل-تتواتر تقارير حول تهريب قطع أثرية سورية للخارج وبيعها فى السوق السوداء ، بينما أوضح مأمون عبد الكريم المدير العام للمتاحف والآثار السورية أن مئات القطع الأثرية نقلت لدمشق على دفعات قبل دخول عناصر تنظيم داعش المدينة ، غير انه اكد في الوقت ذاته على انه لم يكن بالوسع نقل قطع ضخمة مثل المدافن الجنائزية داعيا المجتمع الدولي لتقديم الدعم "من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه".
وتحدث مأمون عبد الكريم عن ضرورة البحث عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع الوضع القائم في تدمر "وإجراءات تحول دون تدمير التراث الثقافي السوري" في الوقت الذي أفادت فيه أنباء أن طائرات حربية تابعة لنظام الرئيس بشار الأسد القت ببراميل متفجرة طالت مناطق أثرية في "لؤلؤة الصحراء".
ومع تعاظم قوة تنظيم داعش الإرهابي فان التراث الثقافى التاريخى لسوريا بات على المحك فى ظل تطورات مخيفة تهدد الثقافة والمكان والذاكرة والهوية وتشكل عدوانا على الإنسانية كلها بقدر ما تثير هذه التطورات خوف كل المثقفين الحقيقيين في هذا العالم.
وتعد سوريا من الدول الغنية حقا بالآثار حتى أن المقولة الشائعة هناك :"يمكن للمرء أن يحفر فى اى مكان ويجد آثارا" فيما توضح اشرطة فيديو ومقاطع على موقع "يوتيوب" الالكترونى عمليات نهب الآثار فى خضم المواجهات الدموية الراهنة .
وكان مارك جريشماير رئيس قسم الآثار فى المعهد الفرنسى للشرق الأدنى فى بيروت قد أوضح أن "الآثار السورية تكتسب اهمية استثنائية كونها شاهدة على التطور البشرى وتشهد على نشوء البلدات الأولى فى التاريخ".
واعتبر الكاتب الشهير روبرت فيسك فى صحيفة الاندبندنت البريطانية أن تاريخ سوريا عرضة لمخاطر يومية ، مؤكدا على أن بعض المعالم الأثرية السورية تعرضت لأضرار مدمرة لا يمكن إصلاحها فيما طال الدمار مناطق أثرية رومانية ولا يتردد المتحاربون فى تفجير القلاع التاريخية.
وكانت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" قد أعربت عن قلقها البالغ حيال مصير المعالم التاريخية فى سوريا فيما قالت ايرينا بوكوفا مديرة المنظمة :" تثير قلقن بصورة خاصة الأنباء الواردة عن المعارك العنيفة فى مدينة حلب التى ادرج الجزء القديم منها ضمن قائمة التراث العالمى منذ عام 1986".
والى جانب حلب ، تضم هذه القائمة لمنظمة اليونسكو الجزء القديم من العاصمة السورية دمشق والتى توصف بأنها اقدم مدينة فى العالم فضلا عن المعالم التاريخية لتدمر وبصرى والبلدات القديمة فى شمال سوريا فيما ، أعربت اليونسكو عن مخاوف بشأن عمليات سرقة للتراث السورى .
ومنذ بداية الاحتراب في سوريا تعرض متحف حماه للسرقة واختفى تمثال مكسو بالذهب يحمل اسم "بعل" ويرجع للقرن السادس الميلادى ونهب متحف حمص كما تعرض متاحف "افاميا ودير الزور ومعرة النعمان " للسلب والنهب وسرقت لوحات ذات قيمة عالية فى وضح النهار.
كما تعرض " مسجد عمر" فى مدينة درعا للقصف الى جانب قلعة افاميا ونهبت مدينة "ايبلا" الأثرية فى محافظة ادلب فضلا عن قلعة "شيزر" المطلة على نهر العاصى فيما اعترفت مديرة المتاحف السورية هبة الساخل بتسجيل الكثير من عمليات نهب الآثار والقطع التاريخية فى الآونة الأخيرة.
واذ شدد الأزهر الشريف في بيانه على ان تدمير التراث الإنساني والحضاري أمر محرم شرعا وكذلك التعامل بالتهريب والبيع والشراء في الآثار المنهوبة وهو ما تمارسه الجماعات المتطرفة لتمويل انشطتها الإرهابية فقد أشار الى أن تدمير الآثار هو تنفيذ لأجندة معادية للأمة تستهدف تفريغ منطقتنا من مكوناتها التراثية والثقافية والتاريخية.
وكان المؤتمر الذي عقد مؤخرا "بمتحف فيكتوريا والبرت" في لندن برعاية منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وبالتعاون مع معهد حماية التراث الحضاري التابع لجامعة ييل الأمريكية قد تطرق لدور منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الانتربول" في منع الاتجار غير المشروع بالآثار المسروقة واسترجاع هذه الآثار لبلدانها.
وفي هذا المؤتمر قال الدكتور ايكارت فرام استاذ الآشوريات والمتخصص في تاريخ بلاد الرافدين بجامعة ييل الأمريكية إن هناك حاجة لتوثيق المسروقات من الآثار العراقية وطالب الحكومة التركية بالتعاون لمنع تهريب الآثار العراقية المنهوبة عبر أراضي تركيا.
واذا كان الأضرار بتراث بلد هو " إضرار بروح الشعب وهويته" كما اعلنت منظمة اليونسكو فى سياق تناولها للأوضاع فى سوريا فان القصف المروع لمدن عريقة تختزن التاريخ فى فضاءاتها ويكون المدرك منها باللاشعور اكثر مما يبدو للحس يشكل جريمة لا يمكن أن تمر بلا عقاب..فمتى يتحرك العالم بجدية لسحق قطعان التتار الجدد؟