الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليس بالإعلانات وإنما بالقانون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرضت إحدى القنوات الفضائية منذ فترة إعلانا يشارك فيه عدد من نجوم السينما ورجال دين، يؤدون الإعلان بقوة وصرامة مكررين جملة: «النيل هنحميه هنحمى النيل»، طبعا من الهام والضرورى أن تتبنى وسائل الإعلام حملات توعية بقضايا أساسية في حياتنا، لكن في هذا الإعلان تحديدا لا بد أن نسأل مَن المقصود ومَن المطالب بحماية النيل؟ هل الإعلان موجه لذلك إلى فتيان وفتيات كانوا في زمن مضى يسيرون على كورنيش النيل أيام كان لهم الحق في رؤيته، ولهم الحق أيضا في شراء «كوز درة مشوى» يأكلونه مصحوبا بكلمات الحب البريئة، أم المقصود الفتى نفسه والفتاة نفسها وهما يلقيان بقشر الترمس في النهر، أو المقصود مواطن ألقى بعقب سيجارته بعد أن ابتلع دخانها زهقا في النيل، ووقف فوق كوبرى قصر النيل يتابع ويتأمل الدوامات التي أحدثها عُقب السيجارة، أم أن المطالب بحماية النهر فلاحة مصرية ليس في بيتها «لا مياه ولا مجارى» فحملت ثيابها للنهر لتغسلها؟
إذا كان الأمر كذلك فعلى مطلقى الإعلان أن يوفروا جهدهم، فليس هؤلاء هم من يلوثون النيل، ليسوا هم من يرتكبون الجرائم في حق نيلنا العظيم الذي لم يغن شعب له كما غنينا، وكان أجداده المصريون القدماء يقفون أمام الإله في يوم الحساب نافين عن أنفسهم ارتكاب جريمة تلويث مياه النيل.
إن الشعب المصرى الذي حرم من حقه في النيل بالرؤية وبالحماية من التلوث لم يرتكب ١٢٠ ألف مخالفة طوال الثلاثين عاما الماضية في حق نهرنا العظيم، ولم يلق المخلفات الصناعية، ولم يحجب الرؤية عنه بكتل الأسمنت.
فعشاق النيل لم يلوثوه بالملوثات الصناعية التي تصل إلى ٢٧٠ طنًا يوميا ولا مخلفات المستشفيات التي تصل إلى نحو ١٢٠ ألف طن سنويا.
هذه المخلفات التي يشكل جسمها الصلب الرصاص والمعادن والميكروبات والأوبئة التي تؤدى إلى «هرى» أكباد المصريين وتوقف كلاهم عن قيامها بتنقية الجسد من التلوث.
هؤلاء الذين يلوثون النيل لن يردعهم إعلان ولا «شخطة» من نجمة ولا «تكشيرة» من رجل دين، لن يردعهم سوى القانون وتطبيقه بحزم وقوة، فهؤلاء يعتدون على حقنا في الحياة.
منذ أكثر من ٣٠ عاما والحديث عن الاعتداء على النيل وصل إلى حد السماجة المفرطة فإذا كان متخذو القرار ومن بيدهم تطبيق القانون يعرفون حجم الجريمة فما مبرر صمتهم، فلم نسمع عن موقف حازم من المنشآت الصناعية التي تلقى بمخلفاتها في النهر أو المستشفيات التي تلقى بالمرض والموت في مياه سوف نشربها، لم نسمع عن تطبيق القانون رغم أن العقوبة فيه لا تتناسب مع حجم الجريمة، فعقوبة الاعتداء على النيل بالبناء أو الردم أو التلويث يقضى بالحبس سنة وغرامة لا تقل عن ٥٠ ألف جنيه ولا تزيد على ٢٠٠ ألف جنيه.
هذه العقوبة الهزيلة التي تمثل جريمة إبادة جماعية للمصريين، لأنهم يشربون من هذه المياه ويروون منها زرعهم ويتنفسون هواء قادما إليهم من النهر.
هؤلاء جميعا ترتكب في حقهم جريمة نكراء، ومع ذلك لا تطبق أحكام القانون على مرتكبيها بشكل رادع، وإلا كانت توقفت الاعتداءات قبل أن نصل إلى خطورة أن يتحول إلى بركة راكدة ملوثة.
إذن ليس بالإعلان وحده ولا بـ«رصة» النجوم ورجال الدين سنحمى نهرنا العظيم ولن يحمى النهر والحياة سوى تطبيق القانون وبصرامة.