الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سامح قاسم يكتب: في نوبة من نوبات الأرق

سامح قاسم
سامح قاسم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في نوبة من نوبات الأرق تذكرتك أيها البدين الممتلئ بالفرح المشوب بالضجر، بدانتك ليست إلا تضاريس للوحدة، للحب، للجمال، للخوف من الكارهين، وعشاق السلطة والتسلط، ما زال مكتبك الواطئ، الذي كنت تجلس أمامه كطفل مسكون بالسعادة والدهشة في يومه الدراسي الأول.. ما زال سطحه محفورا بخطوطك البريئة.. ما زال يحفظ تعاويذك لجلب السعادة والسلامة من الملل والنجاة من الاكتئاب.
ما زال كل الذين أفسحت لهم العالم يحتفظون بقصاصات من عمودك "شاعر جديد يعجبني" في قلوبهم ليقدموها عند كل معبر وفي كل نقاط التفتيش ليعبروا في سلام.
الذين انشغلوا بالفقاقيع الملونة للثقة، وغفوا تحت ظلال البطولة المزعومة لن ينسوا لك إيقاظك لهم قبل أن يضيعوا عن كاملهم في صحراء التيه بـ"خلي السلاح صاحي" صرخت في الجميع لأنك تعرف قسوة الهزيمة، الهزيمة تفتح البيوت للأغراب والمعتقلات لأهل البيت، الهزيمة وضعت اسمك مرات عدة في كشوف المرشحين بقوة للغياب خلف الأسوار الشنيعة، الهزيمة قاسية يا "جاهين" تجلب العار، ووجع القلب، والاتهامات العمياء يا خفيف الظل الذي عشقته العدسات، والصفحات المسطرة، وأوراق الرسم.
أتعرف يا جاهين.. أراك في معطفك الأسود في شتاء من شتاءات يناير يغلبك النعاس على مقعدك الأثير في منزلك المطلي بالشعر والرسم والكلمات الملونة، تفوح منه روائح الثمار الرطبة للحب والحكمة يتحلق حولك المتعبون، والتائهون والذين يضيقون بالمذاق المر لليأس، أراك تفيق بين إغفاءة وأخرى وتضع يدك مربتا على رءوسهم وبابتسامة قديس تقول: "يأسك وصبرك بين إيديك وانت حر/ تيأس ما تيأس الحياة راح تمر/ أنا دقت من دة ومن دة وعجبي لقيت/ الصبر مر وبرضه اليأس مر"
أراك تمسح بكلماتك الغبار المتكدس من فوق القلوب المتعبة، فيتخيلك المريدون غارقا في السعادة.. فأنت المغني وصاحب الكلمات والفرشاة، صديق النجوم والكاميرات، لكنهم لا يعرفون أن الألم وضعك تحت الإقامة الجبرية في إحدى مغاراته المعتمة، كيف لهؤلاء لم يسمعوك وأنت تصرخ في الفضاء الرهيب : "أنا اللي بالأمر المحال اغتوى/شفت القمر نطيت لفوق في الهوا/ طلته مطلتوش - إيه أنا يهمني؟/ وليه ما دام بالنشوى قلبي ارتوى"
بلادنا يا جاهين كما تعرف مسكونة بالأشباح، تتربص بالصادقين والطيبين والحالمين فكرر نصيحتك أيها الطيب ربما تمنحهم قبسا من شجاعتك: "ولدي نصحتك لما صوتي اتنبح/ ما تخافش من جني ولا من شبح/ وان هب فيك عفريت قتيل اسأله/ ما دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح".