الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مها آباد.. وسردشت.. وإيران مشهد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام ٢٠١٤ تم إعدام ٧٥٣ إيرانيًا بينهم ٢٥ امرأة و١٣ قاصرًا، هكذا أفاد تقرير الأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان.
ورغم أن المنظمة الدولية لم تعلق على تلك الأرقام المروعة إلا أنها (كارثية)، فإن منظمات أهلية أخرى ملأت أوربا وأمريكا ضجيجًا، مما حول قرارات الإحالة إلى فضيلة مفتى الجمهورية كأوراق أعضاء وجماعة الإخوان الإرهابية في قضيتى «التخابر» و«الهروب في وادى النطرون»، وكان أن استخدمت منظمة العفو الدولية أوصافًا من طراز «أن المحاكمة كلها كانت تمثيلية تستند إلى إجراءات باطلة».
المعايير المزدوجة باتت كلمة تتواضع كثيرًا عن وصف الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة والغرب مع مصر، وبخاصة أن أمريكا، بالذات التي قدمت نفسها مؤخرًا إلى العالم باعتبارها دولة عنصرية بامتياز سواء من خلال مقتل فريدى وأحداث بلتيمور في ولاية ميريلاند، وقبلها مقتل براون وأحداث فرجسون في ولاية ميسوري، أو على الشاطئ الآخر للأطلنطى، فإن العنصرية باتت حاضرة جدًا في نشأة أحزاب موغلة في يمينيتها تمددت وانتشرت على امتداد القارة، وقد صارت سلوكياتها وخطابها معاديين لمنطق حقوق الإنسان والطقس الذي يفضى إليها.
إيران- الآن- باتت طفلًا مدللًا للولايات المتحدة الأمريكية، برغم الخطاب المفعم بالإدانة والكراهية الصوتيين، والذي انحسر كثيرًا عن أي موقف عملى يتعرض موضوعيًا للنزعات العدائية المخيفة التي تثيرها إيران في المنطقة تحت غطاءات، أحيانًا ثورية، وأحيانًا مذهبية، وأحيانًا عرقية.. يعنى هي تحاول تصدير الثورة، والتشييع، وتحقيق انتصار تاريخى طال انتظاره من الفرس على العرب.
واشنطن تبغى تأمين الاتفاق حول الملف النووى الذي تم إقرار الإطار فيه بلوزان منذ أسابيع، وهي-من جانب آخر- تريد أن تستثمر إيران عنصر تخويف لدول الخليج يحقق لها ابتزاز تلك الدول، وتنفيذ ملمح أساسى من مشروع الشرق الأوسط الأوسع البائد والمهزوم بعد ثورة ٣٠ يونيو، وبحيث تتحقق زاوية أخرى من مشروعها والمتمثلة في الهلال السنى الذي تقوده تركيا، في مواجهة الهلال الشيعى الذي تقوده إيران، وبما يفضى بالمنطقة كلها إلى بيئة تساعد على التقسيم والتفت.
أمريكا تريد إيران مصانة، وتكتفى إزاءها بالشخط والنطر في خطابات شفهية ليس لها أي مردود على أرض الواقع.
وأمريكا تشعر أن مصر عقبة- فعلية كئود- أمام مشروعها، وأنها تنتصر لصالح مفهوم الأمن القومى العربي، ومن ثم فإن واشنطن تدين القاهرة فيما لا يستوجب الإدانة، وتترفق بإيران وتربت على كتفيها فيما ينبغى أن يلقى أوسع الإدانات.
لم نر في الولايات المتحدة من يتحدث عن الاعتقالات العشوائية ضد الأكراد في مها آباد (٣٠٠ معتقل) خلال الأيام التي تلت محاولة ضابط مخابرات إيرانى أن يغتصب فتاة كردية بما دفعها إلى الانتحار من أعلى فندق كبير، وقد ترافق مع ذلك اعتقالات أخرى في مدينة سردشت (مائة معتقل)، وبالمناسبة فإن عددًا لا بأس به من النساء كن ضمن المعتقلين، يعنى الاضطهاد الممنهج اشتمل على تمييز ضد الجنس (المرأة) وضد العرق (الكرد).
لا أحد يتكلم عن ذلك في الولايات المتحدة أو أوربا، ولكنهم يشقشقون ويزقزقون عن أحكام قضائية أصدرتها هيئة قانونية رفيعة في محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار الجليل شعبان الشامي.
لا بل وأقول ما هو أكثر عن السفينة الإيرانية (إيران مشهد) التي حاولت اقتحام الحصار البحرى على اليمن بحجة توصيل مواد إغاثة، وتقدم رتل من القطع البحرية الإيرانية لحمايتها، في حين راحت الولايات المتحدة ودول التحالف العربى تدفع- هي الأخري- بقطعها البحرية للمراقبة أو للتعامل، ووافقت إيران تحت ضغط على أن تخضع المركب (إيران مشهد) للتفتيش الأممى في جيبوتي، ولكنها- فجأة- زاغت من التفتيش وقفلت المركب راجعة إلى ميناء بندر عباس، وبما يثير أكثر من الشك حول طبيعة الشحنة التي كانت تحملها، إذ يرجح أنها شحنة سلاح من تلك التي درجت إيران على توصيلها (بحرًا وجوًا) منذ أن بدأت فصول الأزمة في اليمن، وبما يؤدى إلى مذابح ضخمة هي واحدة من أغزر عمليات استلاب الحق في الحياة، وهو أحد حقوق الإنسان الرئيسية.
هذا الازدواج البشع في المعايير يدعونى إلى مخاطبة المجتمع السياسي والحقوقى في مصر بضرورة إسقاط تلك الورقة، وعدم الاكتراث في قليل أو كثير بما تردده واشنطن أو العواصم الغربية في لندن وبرلين، فضلًا عن المنظمات الحقوقية الدولية المشبوهة.
إذ إن كثير التحسب من كل تلك الأطراف صار لا معنى له، وينبغى علينا أن نسمى الأشياء بمسمياتها، فنحن في حرب يعتبر عنصر الضغط باسم حقوق الإنسان فيها أحد الأسلحة التي تستخدم لشل حركتنا وإرباكنا ووضعنا- باستمرار ومن دون مبرر- في موقف الدفاع.