الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فضيحة.. هدم 3 مبانٍ تاريخية بالقاهرة لصالح "مافيا الآثار"

القرار صدر بتوقيع مسئول "القاهرة التاريخية" ومحافظ القاهرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«تجار» نقبوا عن الآثار أسفل المنازل حتى اقتربت من الانهيار.. ورئيس حى «الدرب الأحمر» قدم «رخصة الإزالة» مقابل «رشوة»
«البيوت» تعود إلى «عصر المماليك» وأسقفها «مذهبة» وعائلة فؤاد المهندس آخر من سكنها

مسلسل الإهمال في وزارة الآثار بات يهدد تاريخ مصر، فالمقابر الأثرية تنهب، والمتاحف تفتقر الحماية والتأمين، والقطع النادرة تهرب، بينما وزير الآثار، الدكتور ممدوح الدماطى، يؤكد أن الأمور تسير بشكل طبيعى.
الكارثة جديدة تتلخص في إهدار التاريخ، ومحو ذاكرة الأمة، وسرقة جزء من الجسد المصرى بقرار رسمى من الوزارة - المختصة بالحفاظ على الآثار في الأساس، لا هدمها – فقد ارتكبت «جريمة هدم مبانٍ أثرية» دون اعتبار للقيمة التاريخية والمادية والفنية التي تمثلها.
القضية في قرار بهدم ٣ منازل أثرية بمنطقة «الدرب الأحمر» في القاهرة تحمل أرقام: ١٣ «منزل مدكور»، و٦٧ وهو ضريح الشيخ الخريبى والخواص، و٦٨ وهو بيت المهندس، الذي صدر قرار بإزالته عام ٢٠١١ برقم ٣٥، ورقم ٩٦٠، ورفع المنازل من المبانى ذات الطراز المعمارى الخاص، وصدر بتوقيع الدكتور محمد عبد العزيز، رئيس مشروع القاهرة التاريخية، والدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة، وبالفعل تم هدم المنازل.
لا يمل أهالي منطقة الدرب الأحمر من تكرار ذكر الأسباب التي أدت إلى هدم المبانى الأثرية لصالح مقاول «مسنود»، استطاع عبر علاقات غامضة، الحصول على قرار من محافظ القاهرة، جلال السعيد، لهدم المبانى.
الأهالي يرددون أيضا، أن الهدف هو التنقيب عن الآثار عن طريق الحفر، لكن بين الاتهامات والعبث بالتراث، تظل قضية اللامبالاة في الجهاز الإدارى للدولة، هي الأساس في كل ما يحدث من مشاهد الخراب في هذا البلد.
خميس روما، سائق من حى الدرب الأحمر، يقول إن سبب انهيار العقار هو المقاول «ع. ش»، الذي قام بالحفر تحت بيت «آل المهندس» ثم توسع حتى وصل للمنزل رقم «٦٨» وهو ضريح الشيخ الخريبى وبيت الخواص، مما تسبب في سقوط وانهيار أجزاء من البيوت، مشيرًا إلى وجود محاضر رسمية تثبت ذلك.
ويكشف «روما»، عن الدليل على ذلك هو القبض على رئيس حى الدرب الأحمر، اللواء صلاح عبد المعز، لأنه تلقى رشوة، واستصدر رخصة هدم البيت.
وحصلت «البوابة» على عدد من البلاغات التي تقدم بها أهالي الدرب الأحمر يتهمون فيها المقاول، وجمعية الأغا خان، بالتنقيب عن الآثار، والحفر تحت المنازل دون مراعاة للقيمة التاريخية والفنية لها، مما تسبب في سقوط المنازل وانهيارها، مشيرة إلى أن وزارة الآثار لم تضع الضوابط الحاكمة، ولا الإجراءات ضد من وصفوهم بـ «المخربين».
لم يؤد انهيار المبانى الأثرية لضياع القيمة التاريخية فقط، لكنه تسبب في تشريد ٤ أسر في الشارع، يقيمون بدار مناسبات الدرب الأحمر، منذ أكثر من عامين، لأن المحافظة ورئيس الحى لم يوفرا لهم أي مساكن بديلة، وهي أسر: محمد محمد الصابر، وحسن بدر الدين حسين، وحامد عبد الستار، وسومة مكاوى محمود.
عم أحمد حسن السادات، رجل في العقد الثامن من العمر، علت وجهه التجاعيد، واشتعل رأسه شيبا، يقول: المنزل رقم ٦٧ كان يعرف باسم منزل المهندس أو منزل الشيخ، وكان يقطنه ٣ أفراد من أسرة المهندس، هم سميحة وإجلال ونبيل، وكلهم ماتوا عدا السيدة إجلال، فهى الوحيدة التي مازالت على قيد الحياة، ولكنها لم تستطع مقاومة ضغوط بعض الأشخاص الطامعين في البيت لذا باعته ورحلت عن المنطقة، كما أن سينما محمد على كان يوجد عليها علم مصر، وفى حرب ٦٧، قامت إسرائيل بضربها اعتقادا منها أن هذه هي القلعة ولكنها أصابت جامع المردانى والبيوت التي تجاوره، ومازالت آثار الضرب موجودة حتى هذه اللحظة.
لم يتوقف الأمر عند هدم بيت ورثة فؤاد المهندس، حيث يضيف السادات، أن المنزل رقم ٦٨ تم هدمه رغم ضمه للعمائر الجنائزية أو الجبانات الإسلامية، وذلك لأنه يحتوى على ثلاثة أضرحة للشيوخ «الخريبى والخواص والمغربي»، حتى أن الربع أطلق عليه في فترة «ربع الساداتية» نسبة لآخر عائلة سكنت هذا البيت، وهو يتبع وزارة الأوقاف، وكانت هي التي تتقاضى الإيجار البالغ ١٠ جنيهات ونصف كل شهر منه، وكان العقد مكتوبا باسم جدته نفيسة السادات.
آخر أسرة سكنت المنزل رقم ٦٧ هي عائلة الفنان فؤاد المهندس، والبيت رقم ٦٨ كان عبارة عن ضريح للشيخ «الخواص والخريبى والمغربي» يتبع وزارة الأوقاف، والبيت رقم ١٣ آخر من سكنته كانت عائلة مدكور.
وبخصوص المنزل يقول الدكتور مختار الكسباني، أمين عام المجلس الأعلى للآثار سابقا، أستاذ التاريخ الإسلامي، إن المنزل رقم ٦٧، يرجع تاريخ بنائه لعصر المماليك، وكان يقطن به أحد أمرائهم، وانتقلت ملكيته في العصر العثمانى إلى بعض الأشخاص من ذوى النفوذ، إذ كان يقع على مساحة كبيرة من الأرض بلغت قرابة الفدان، وتم تجديده في عصر محمد على، وكانت تزين واجهته بعض النقوش الإسلامية، وتميز المنزل بالداخل بالأسقف الملونة والمذهبة؛ كما يمتد من شارع سوق السلاح حتى حدود بيت السلطان قايتباى أو بيت الرزاز – كما يطلق عليه الآن-، لكن تقلصت مساحته بعد استقطاع جزء منه لعمل سينما محمد على والتي تحولت فيما بعد لمصنع بلاط.
وأضاف الكسباني، أن آخر عائلة سكنت البيت كانت عائلة تمتد جذورها وتتفرع لبيت «المهندس»، وهى نفس عائلة الفنان فؤاد المهندس، ولكن في عصر محمد على كان يقطنه أحد البكوات ويدعى صالح بك، حتى وصل لعائلة المهندس.
وطالب «الكسباني»، بضرورة وضع قانون يجرم تلك الافعال، موضحا أنه يجب على المسئولين تحمل عاقبة أفعالهم وتقاعسهم عن المسئولية، كما اتفق الكسبانى مع الأثريين، فيما ذهبوا إليه من تقصير وزارة الآثار في تسجيل المبانى الأثرية وعدم وضوح دور القطاعات داخل الوزارة، وأن عدم تسجيلها للأثر هو نوع من التبرير ليس إلا.
وفى الوقت نفسه يقول الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الإسلامى والنقوش الإسلامية، إن رجال الأعمال هم المتحكمون في وزارة الآثار، فكل الإدارات تقع تحت أيديهم، فهم جميعا خريجو شركات عثمان أحمد عثمان، ولا شأن لهم بالآثار، ولا يعرفون قيمة الفن والتذوق الجميل، واصفا رجال ومسئولى وزارة الآثار بـ«المهملين»، إذ إن المال هو المتحكم الرئيسى في كل قطاعات الوزارة الخاضعة لسيطرة أصحاب الشركات ورجال الأعمال.
وتساءل الدكتور محمود إبراهيم، أستاذ الآثار والنقوش الإسلامية، عن دور وزارة الآثار تجاه حماية التراث، موضحا أنها لا تقوم بدورها على الإطلاق، وأنها شوهت التاريخ المصري، ولم تستخدم ما لديها من أجل الحفاظ على مقدرات وتاريخ الأمة التي تحملت مسئوليتها.
وأضاف أستاذ النقوش الإسلامية، أن البيوت والمنازل في الدرب الأحمر ومناطق القاهرة التاريخية مبنية بطريقة الحوامل، لذا فإن أي تسرب مائى أو خدش أو تغيير في صفات المبنى، من شأنه أن يؤدى لهدم المنازل وتدمير المنطقة التاريخية بأكملها، فضلا عن عدم وجود الرقابة من قبَل وزارة الآثار على المناطق التاريخية، كما أن وجود سكان يقطنون داخل هذه المنازل، أدى لحدوث إهمال كبير داخل المباني، مما مكن وزارة الآثار من افتعال حجة عدم ضمها للسجلات الرسمية لوزارة الآثار، وهذا دعا الكثيرين لهدم المبانى التاريخية والأثرية بدعوي انهيارها، وبيع الأرض للحصول على المكسب المادي، أو بعمائر إسمنتية لا تحمل طرازا معماريا ولا شكلا في البناء، فالعشوائية أضحت سلوكا عاما تخضع له كل المؤسسات الرسمية. وعن دور وزارة الآثار أوضح إبراهيم، أن الوزارة ليست لديها رؤية مستقبلية، ولا تضع خططا لتطوير الأداء والعمل على ترميم الآثار، فهى تملك قطاعا كبيرا يسمى قطاع المشروعات، يخضع له أعداد هائلة من المرممين والمهندسين، ولا يقومون بدورهم، متهما الكثيرين منهم ببيع ضمائرهم بالأموال، كما أن كثيرين منهم يعملون مستشارين للشركات الخارجية التي ترمم الآثار، متهمًا المجموعات والجمعيات التي ترمم الآثار، بأنها صاحبة أجندات خاصة وتنفذ سياسة معينة، فصاحب رأس المال هو المتحكم في الترميم، وأن وزارة الآثار ترتبط بـ «اتفاقيات مشبوهة» وغير مفهومة مع جمعية الأغا خان، ذلك لأنها تترك لها الآثار الإسلامية وخاصة تلك التي تقع في العصر الفاطمى دون رقابة مما كان سببا في تغير ملامح الكثير من الآثار، مضيفا أنه على الدولة التدخل لحماية آثارها وترميمها، ولا تعتمد على المعونات الخارجية.
النسخة الورقية