الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حكومة ومعارضة ومواطن لقيط فى مجتمع إباحي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من زاوية محددة ترى الحكومة، ومن ورائها النظام كله، أن جماعة الإخوان بكل ما تمثله الآن فى الحياة السياسية المصرية سبب البلاء الذى نعيشه، فهى جماعة خائنة، تلعب بالدين من أجل الدنيا، فشلت فى الحكم فلفظها الشعب، لكنها تريد أن تعود ولو اضطرت إلى قتل الجميع.
ومن زاوية محددة أخرى ترى جماعة الإخوان أنها تعرضت لمؤامرة كبرى، استخدم الجيش فيها الشعب للإطاحة بمحمد مرسي، والاستيلاء على السلطة، ولأنها تعتقد أنها صاحبة حق، فكل ما تقوم به ليس إلا جهادا فى سبيل الله، تحاول أن تقنعنا بذلك، رغم أنها فى الحقيقة تقتل أولاد هذا البلد ممن ينتمون إلى الجماعة أو يعارضونها.
وبدون أى زوايا، لا محددة ولا غير محددة، تقف فئات الشعب الحائرة تنظر إلى الجميع بريبة، فالكل يعمل من أجل الوطن، والكل يتغنى بمصلحة البلد، والمواطن الذى لا يطمع إلا فى طعامه وشرابه ودوائه يتابع ما يجرى بخوف، فلو راح ضحية المواجهة بين النظام والإخوان، فهو يموت ميتة غير متفق عليها، فلو كان إخوانيا فهو إرهابى لا شك فى ذلك من وجهة نظرنا، ولو كان معارضا للإخوان فهو كافر.
فى واحدة من أكثر الفترات حمقا وانحطاطا فى تاريخ مصر، يجد المواطن نفسه لقيطا، يشعر أنه مضحوك عليه من الجميع، فهو ليس إلا أداة فى صراع لن يستفيد منه شيئا وهو على قيد الحياة، وعندما يموت على هامش هذا الصراع، أو حتى فى متنه، لن يجد سببا معقولا أو منطقيا لموته، فالموت- كما الحياة تمامًا- أصبح بلا سبب.
ورغم حالة العبثية الشديدة التى تحيط بالمشهد العام فى مصر، إلا أن المواطن لا يريد أكثر من أن يفهم فقط ما يحدث من حوله، ليس لديه مانع على الإطلاق فى أى يموت، لكن أن يفهم لماذا يموت، فليس معقولا أن تصبح الحياة بلا قيمة إلى هذه الدرجة.
لا يهتم المتصارعون فى مصر الآن بتقديم مبررات لما يفعلون، يمضون فى طريقهم بلا عقل، فالدائرة الجهنمية تلتهم الجميع، ومن يلتفت وراءه مقضىّ عليه لا محالة، ولذلك فليس أمامنا إلا أن نكمل فى طريقنا، مهما كان مظلما وموحشا.
ولأن الثوب الذى قررنا أن نرتديه اتسعت ثقوبه، فقد وجدنا أنفسنا أمام حالة من الانفلات والتخبط لا أحد يعرف نهايتها.
ليس عليك إلا أن تتأمل ما وصلنا إليه، تأمل فقط سلوك الناس، لا أتدخل فى سلوك أحد، ولا أعيب على أحد ما يفعله، فأنا أؤمن بالحرية بلا حدود، لكننا خرجنا من مرحلة الحرية إلى السقوط التام، لم يضرب ما جرى فى مصر منذ ٢٥ يناير حياتنا السياسية فقط، بل أصاب حياتنا الاجتماعية ومنظومتنا الأخلاقية فى مقتل.
طلاب يحاولون اغتصاب مدرسة اغتصابا جماعيا لأنها قاومت محاولتهم للغش، إنهم يعتبرون الغش حقًا من حقوقهم، علّمهم المجتمع الذى أدمن الغش ذلك، عليه فالمدرسة التى قاومتهم لابد أن تعاقب، لأنها هى التى خرجت على أصول وقواعد اللعبة التى فرضت نفسها على الجميع.
لقد اندهشت بشدة من حالة التوتر الأخلاقى التى بدت على الجميع بسبب أغنية «سيب إيدى» وهى أغنية بورنو كاملة، شعرت بحالة من النفاق الاجتماعى لدى من هاجموا وانتقدوا واحتجوا، وكأنهم لا يشعرون أن الأباحة هى اللغة المسيطرة على كل شىء فى حياتنا، فعندما تسقط المعايير، لا تسأل عما يحدث، لأنه مهما بدا غريبا ومهجورا، فإنه فى النهاية هو الطبيعى.. والطبيعى جدا، فلم تخرج هذه الأغنية- إذا جاز أن نطلق عليها كذلك - إلا لأن السياق العام الذى نعيشه مناسب لها، بل هو الذى أنتجها ومهد لها الأرض.
هذه هى أزمتنا إذن، فنحن نعيش بلا معايير، وعندما نعيش بلا معايير، فلا تسأل ما هو الحقيقي؟، لأنه لا شىء حقيقى على الإطلاق.
لو سألتنى ما هو الحل؟ سأقول لك: قبل أن تسأل عن الحل حدثنى عمن يقدر عليه، فقد بدأنا طريق الأهوال، وليس أمامنا ولا فى مقدرونا إلا أن نكمله مهما كانت معاناتنا، فالشىء الحقيقى الذى أمتلك يقينه- رغم أنه لا يقين - أن المعاناة قدرنا، فاللهم ألهمنا القدرة على تحملها.