الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطورة ما يدعو إليه إسلام البحيري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق تعرضنا لخطأ رأيناه فى كلام الدكتور الأزهرى فى حلقته مع الأستاذ خيرى رمضان واليوم نعرض خطورة دعوى إسلام البحيرى بهدف التراث وأنه قمامة يجب حرقها..إلخ من ألفاظ تدل على أمر نفسى عند الأستاذ إسلام البحيرى، أكثر من أمر علمى وكتابة التراث لها منهج إما يقوم الكاتب بكتابة كل ما يحدث حوله للمحافظة على "الأحداث" للأجيال القادمة التى لم تشاهد الحدث كيوميات الجربى ويوميات التاريخ للأمام الطبرى وإما يقوم الكاتب بكتابة ما يثق فيه من أخبار وأحداث يظن فيها الدقة والصدق فيحاول أن يكتب بطريقة التوثيق والأول لا يهمه التوثيق وصدق الحدث ويترك ذلك لمن يأتى بعده فهو يكتب فقط للمحافظة على الحدث لمن لم يشاهده من الأجيال القادمة ولا يوجد أمة فى تاريخ العالم اهتمت بكتابة تراثها وتاريخها كأمة الإسلام ربما سبقنا إلى هذا التوثيق الفراعنة ولولا الحروب المستعمرة على مدار ثلاثة قرون من الزمان بين الإغريق تارة والفراعنة وبين الرومان تارة والفراعنة وبين أصحاب الدعوة المسيحية تارة والفراعنة وهذه الصراعات التى امتدت على مدار 300 سنة وأكثر أدت إلى اندثار كم مهول من الآثار ويكفى حرق مكتبة الإسكندرية التى كانت تحتوى على عشرات الآلاف من أوراق البردى التى تحكي قصة الحضارة الفرعونية ولعل العالم حتى الآن يعيش فى حيرة شديدة من فهم نظرية التحنيط عند القدماء وكيف تم المحافظة على جثث الموتى لآلاف السنين وكذلك الانبهار بالهندسة وبناء الأهرام المعجزة حتى الآن. وسبب هذه الحيرة هو تعرض هذه الحضارة الفرعونية للدمار والاندثار "فهدم الترث" هى دعوة أو محو تاريخها حتى هى دعوة لهدم ذاكرة الأمة تاريخها حتى يسهل التزيف والتشويه للأجيال القادمة ولعلنا جميعا نعلم تمامًا أن دعوة (هدم التراث) هى رغبة لكل الأمم الاستعمارية فالتتار عندما احتلوا بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية فى ذلك الوقت اتجهوا إلى مكتبة بغداد التى كان لا مثيل لها فى العالم وتحتوى على مئات الآلاف من الكتب المختلفة النادرة والوثائق التاريخية وقاموا بحرقها وألقوا بعشرات الآلاف من الكتب فى نهر دجلة وكذلك عندما سقطت الأندلس عاصمة الخلافة فى غرب أوروبا أحرقت مكتبات الأندلس الذاخرة بالعلوم والكتب التى لا مثيل لها مما جعل تاريخ الأندلس يندثر رغم حداثته إلا أننا لا نملك إلا قليل ليس عن تاريخ الأندلس التى عاش فيها المسلمون ثمانية قرون كانت حضارتهم مزدهرة أنارت لأوروبا طريقها حتى اليوم، وعندما دخل التتار الجدد "الأمريكان" بغداد عمدوا إلى متحف بغداد وتم سرقة 15 ألف قطعة أثرية وقامت فرقة مدربة تابعة للمخابرات الإسرائيلية بسرقة كل ما يتعلق بتاريخ اليهود فى العراق والمعلوم أن ملوك العراق قبل الميلاد لهم صولات وجولات مع اليهود فهناك ما يسمى بالأس الأشورى، حيث إن ملك أشور أضل بلاد فلسطين وتسمى بحادثة الأسر الأشورى ثم قام نجت نصر بغزو فلسطين مرة أخرى قرابة 525 سنة قبل الميلاد وساق اليهود إلى أرض بابل وعملوا فى السخرة وعاشوا عبيدًا لشعب العراق ويسمى ذلك بالأسر البابلى الثانى فقامت فرقة الكوماندوز الإسرائيلية بسرقة لوحات الأسر الأشورى ولوحات الأسر البابلى وهكذا على مر العصور كل من يريد أن يزيف تاريخ أمة ويشوه ماضيها فعليه بهدم التراث أولاً وما تواجد إسرائيل فى فلسطين إلا نتيجة تزيف تاريخ الشعب الفلسطينى الذى عاش آلاف السنين قبل دعوة النبى موسى عليه السلام ولم يعش الشعب الإسرائيلى على أرض فلسطين إلا قرابة المائة عام فى مملكة "داود وسليمان" واعتبروا أنفسهم أحق بهذه الأرض من أهلها الذين عاشوا على هذه الأرض قرابة ستة آلاف عام ثلاثة قبل دعوة موسى وثلاثة بعد دعوة موسى "فتزييف التاريخ" يبدأ بهدم التراث وتدميره وهذه دعوة استعمارية قديمة الأزل أقدم عليها كل الغزاة ولعل ما حدث لشعب الجزائر إبان الحكم الفرنسى خير شاهد على ذلك فى محاولة محو ذاكرة الشعب الجزائرى حتى مُحيت لغته العربية التى تربطه بهذا التاريخ وهذه الحضارة التى ينتمى إليها فتدمير الأمم يبدأ بتدمير ذاكرة الأمة المتمثلة فى تراثها وتاريخها وتراث الأمة ليس حديثا مكذوبا فقط فى صحيح البخارى أو فتوى لم تعجب الأستاذ إسلام أو حتى كتابات مدسوسة وضعت فى التراث بسبب التعصب المذهبى والانحراف الفكرى والعقائدى أو بسبب التعصب السياسى والانتصار لمذهب سياسى على مذهب آخر فكل ذلك ربما يكون موجودًا فى كل كتب التراث فى جميع الحضارات ولكن التراث أعمق من ذلك وأكبر.. التراث سياسى وثقافى وأدبى وعلمى ودينى وفنى وتراث معمارى والسيّر والغزوات وتراث الكفاح ضد الاستعمار والاحتلال وتراث يسجل العادات والتقاليد السائدة فى كل عصر والتى تتغير بتغير العصور والأزمنة وهكذا فالأمم التى تفقد ذاكرتها فلا ضمان لمستقبلها فالانقطاع عن الماضى لا يضمن لنا المستقبل فالتراث للأمة هو مستقبلها فلا مستقبل لأمة بلا تراث تحفظه وبلا تاريخ فالذاكرة هى التى تحفظ للإنسان تجاربه بما يسمح له بالاستفادة بهذه التجارب بالبناء عليها في ما يتعرض له فى المستقبل وبهذه التجارب التى تحفظها ذاكرة الإنسان يأتى تقدم الجنس البشرى فالتقدم ما هو إلا محصلة تجارب سابقة استوعبها العقل البشرى فتراث الأمم هو ذاكرتها التى تحفظ لها تجاربها السياسية والثقافية والعلمية وهو أمن قومى لكل دولة فلولا الوثائق التاريخية ما استطاعت مصر استعادة بلدة طابا الحدودية فى نزاعها مع الكيان الصهيونى الغاضب فذاكرة الأمة هى تراثها الذى تكون عبر آلاف السنين وهو الأمن القومى للأمم لأنه يحفظ هويتها وتاريخها من الضياع ويكفى أنك تعلم أن هناك رحلات سياحية تنظمها بعض الشركات الإسرائيلية لزيارة الأهرامات بالجيزة وتزعم للسياح بأن بناة الأهرام هم اليهود الذين استخدمهم فرعون فى أعمال السخرة لبناء الأهرامات ولكن عندما يوضح التاريخ والمرشدون السياحيون المصريون بأن بناء الأهرامات كان منذ ما يزيد عن خمسة آلاف عام قبل الميلاد أى قبل ميلاد إبراهيم أبوالأنبياء وقبل ميلاد يعقوب حفيده وهو المسمى (إسرائيل) وقبل ميلاد موسى بأكثر من 2000 عام وبذلك يحفظ هذا التاريخ نستطيع أن نقف بالمرصاد لتزييف التاريخ وتزيف ذاكرة البشرية كلها فدعوى الأستاذ إسلام البحيرى تتوافق مع الدعاوى الاستعمارية الخطيرة التى استعرضناها فى هذا المقال الموجز جيداً فنرجوا من الأستاذ إسلام الانتباه لخطورة ما يدعو إليه وخاصة أنه يتعرض للتراث الدينى فيجب أن تكون الدعوة لتنقية التراث مما علق به من أحاديث موسوسة وفتاوى انتجتها الصراعات السياسية والمذهبية هذا هو المطلوب أما هدم التراث فهذه دعوة مشبوهة نربأ بالأستاذ إسلام أن يكون من دعاتها.