الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بدل السكوت.. جحيم الكتبة فى بلادنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مَن منكم يعرف كاتبا عربيا يأكل من مبيعات كُتبه ؟ مَن يكسب قوت يومه بالكتابة ؟ بالإبداع ؟ بالكُتب ؟ من يعش بالقلم ؟
أقول ذلك بعد قراءة قائمة وضعتها جريدة "صنداى تايمز" عن أغنى الكُتاب فى العالم . هل تتصورون أن إى إيل جيمس مؤلف رواية "خمسون درجة من الرمادى" والذى يبلغ عمره 52 عاما حقق من رواياته ثروة قدرها 75 مليون جنيه استرلينى أى ما يقارب المليار جنيه ؟
الأجمل من ذلك جى كى رولنغ مؤلفة سلسلة روايات "هارى بوتر" والتى اعتبرت أغنى كاتبة حيث وصلت ثروتها 580 مليون جنيه استرلينى . باربارا برادفورد كاتبة أخرى ربحت من كتبها 149 مليون جنيه استرلينى .
فى بلادنا يكتب الكُتاب كثيرا ولا يربحون . يكتبون ربما أكثر إبهارا لكن دون عائد . يكتبون بأعصابهم بعرقهم بدمائهم وقائع أكثر إدهاشا لكنهم يبقون فقراء .
من المحيط إلى الخليج لا حقوق حقيقية للكاتب فى عالمنا العربى سوى الرواج والصيت . وفى بلادنا يقولون الصيت ولا الغنى ، لذا فقد كُتب على معشر الكُتاب ألا يربحوا من رواياتهم أو قصصهم أو دراساتهم الفكرية ، إلا فيما ندر .
أعرف كاتبا عظيما ألف سلسلة تاريخية عظيمة تجاوزت ثلاثين كتابا ، ومات فى حجرة مُستأجرة فى حى شعبى رغم أن كُتبه كانت تباع فى كل المكتبات .
أعرف آخر ترك الطب وانخرط فى الكتابة التاريخية وتدوين السير حتى بلغ عدد كُتبه ثمانين كتابا، وعرفه الناس فى كل مكان ، لكن أوضاعه المالية ظلت سيئة، واضطر إلى الهجرة من مصر ليقبل العمل فى فضائية تناصر الإخوان طلبا للمال .
أعرف شاعرا كان ولازال رائدا لجيله فى الشعر النثرى ، كتب عنه نقاد عالميون، وأعدت جامعات عن إبداعه دراسات ورسائل ماجيستير ودكتوراه، لكنه مازال فقيرا ، مُعدما ، يعمل ثلاثة أرباع يومه ليحصل على "ملاليم " تفى بالحد الأدنى لحياة أسرته الصغيرة .
ليست المشكلة فى ضعف القراءة فى عالمنا العربى ، بقدر ما هى احتقار السلطة ــ أى سلطة ــ لمهنة الكتابة ومهمة الإبداع . لا توجد منح تفرغ للمبدعين لإنجاز أعمال خالدة ، لا توجد هيئات حكومية تمنح الكاتب أجرا يستحق عناء الكتابة ، ولا حتى دور النشر الخاصة التى غالبا ما تستهلك المؤلفين وتستدرجهم لدفع أموال لنشر ما يكتبون . وحتى الجوائز التى تُقدم للبعض تخضع لسياسات وحسابات "الشللية" بعيدا عن أى قواعد أو معايير فنية ، رغم أن قيم تلك الجوائز هزيلة .
أى فضيحة تمر بها الثقافة العربية ! أى مأساة أن يموت الشعراء والمُبدعين قهرا وهم يتسولون العلاج على نفقة حكام مُستبدين يحسبون أنفسهم أنصاف آلهة !
لقد أوجعنى تقرير صنداى تايمز . أوجعنى كثيرا .