الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حماس في عصر ما بعد الانكماش الإيراني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عز احتدام لعبة الذراع الحديدية Bras de fȇr بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، تأسست الاستراتيجية الإيرانية على نقل ساحة التضاغط أو الصراع إلى خارج إيران، وبخاصة أن واشنطن، بل وتل أبيب كانتا تلوحان- وقتها- بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تأتي على مقدراتها النووية، وتؤدي إلى تدمير الجزء المؤثر من ترسانتها العسكرية وبالذات الصاروخية.
كانت طهران ترى أنها لو نجحت في تصنيع أو إقامة حلبة جديدة للمنازلة مع أمريكا والغرب، وتوظيف عدد من القوى السياسية وشبه العسكرية للتصارع مع الغرب بالوكالة عنها، فسوف تأمن- إلى حد كبير- التغول الغربي عليها، وتحول النظر عن مشروعها التوسعي القائم على فكرة خرقاء جدًا هي (تصدير الثورة).. بل وستنجح في تأمين ذلك المشروع كونه سيتواصل في خفوت بالمشهد الخلفي ثم تفاجأ الدول الإقليمية والقوى الدولية ذات الصلة بنتائجه لا مقدماته.. وأخيرًا فإن طهران أرادت من نقل ميادين الصراع مع الغرب إلى خارج الأراضي الإيرانية أو إلى مجال ومدى الحركة الإيرانية الإقليمية، أن تحقق وجودها كطرف أساسي ولاعب مؤثر في عدد من الملفات الإقليمية بحيث يصير وجوده - هذا - ورقة ضغط يساوم عليها ويقايض إذا وجد نفسه طرفًا في مفاوضات تحاول أن تحقق علي طاولة السياسة ما عجزت عن تحقيقه بالقوة العسكرية أو راحت تؤجله طبقًا لحسابات القوى ومعاملات الارتباط بين عناصرها.
في هذا الإطار نظرت - دومًا - إلى تعزيز العلاقة والدعم من إيران إلي كل من حركات (حزب الله) في لبنان، و(حماس) و(الجهاد) في قطاع غزة.. وهو إن تعددت ذرائعه في حالة (حزب الله) سواء من حيث توافر الخلفية المذهبية الشيعية التي تجعله مقنعًا، وكذلك الأسس التاريخية التي نشأت عليها حركة أمل في البداية، ثم تطور الوضع الهيكلي والتنظيمي لها بما أفضى إلى انفراد (حزب الله) تقريبًا بتمثيل الشيعة في لبنان، فإن الأمر في حالة (حماس) يختلف - كيفيًا - إذ أنها تشكيل سُني، وهي ذراع عضوية لجماعة الإخوان الإرهابية، ومن ثم فإن ارتباطها بإيران ليس على أسس مذهبية، وإنما ينبني على أرضية - محض- سياسية، بالضبط كما كانت حالة طهران (مع الأصل وليس الفرع) حين بدت متحالفة مع محمد مرسي وطبقة الإخوان الحاكمة في مصر عام 2012، وظهرت تجليات عديدة لذلك الحلف في زيارة الأحمدي نجاد إلى مصر، وفي تسريبات عن طلب خيرت الشاطر من قادة الحرس الثوري الإيراني أن يساعدوا الإخوان على إنشاء جيش وشرطة موازيين على غرار ما جرى في الحرس الثوري نفسه بإيران، وعلى الرغم من ذلك ظل الخلاف المذهبي حاضرًا بين الطرفين، وربما كان واحدًا من مشاهده الأكثر وضوحًا هو غمز محمد مرسي في قصة السيدة عائشة أثناء زيارته لإيران!
بنفس الصيغة أو الآلية - تقريبًا - سارت العلاقة بين طهران وحماس، وبالذات بعد يونيو 2007 حين قامت حماس بانقلابها الشهير على السلطة واستولت على الحكم في القطاع، فقررت إسرائيل فرض الحصار عليها، وضمنه عدم السماح بصرف رواتب الموظفين (42 ألف موظف)، وأتذكر كيف شهدت تلك المرحلة نقل عدد من كبار المسئولين الفلسطينيين الحمساويين لحقائب الدولارات من طهران إلى غزة ومنهم وزير الخارجية - وقتها - محمود الزهار الذي أمسكت سلطات مطار القاهرة بتلابيبه قادمًا من إيران يحمل ثلاثين مليون دولار، ثم سمحت مصر بدخوله إلى غزة بعد أن سجلت ووثقت الواقعة التي حدثت - فيما يبدو - دون معرفة أو مصادقة المخابرات العامة المصرية، التي كانت تدير ملف المصالحة الفلسطينية وتوحيد الفصائل في ذلك التوقيت.
ولم يكن الجانب الإيراني- فقط - هو الذي يقوم بتمويل حماس، وإنما اشترك حليف طهران القطري في نفس العملية.
وإضافة للمال فقد كانت إمدادات السلاح الإيرانية إلى غزة مؤثرة جدًا في بناء مواقف أكثر تشددًا لحماس سواء في مناكفة إسرائيل أو لإزعاج مصر وهما هدفان إيرانيان بامتياز.. وفي هذا الإطار يذكر وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط في مذكراته (شهادتي) أن مصر لفتت نظر الرئيس عمر البشير إلى ضرورة قيامه بالسيطرة علي حدوده مع مصر التي صارت بوابة رئيسية للتطرف، فأجاب بأنه يعرف أن سفنًا إيرانية تتقاطر على السودان تحمل سلاحًا، ولكن المشكلة أن الساحل السوداني كله عبارة عن خلجان صغيرة تسهل تمكين السفن القادمة من الرسو وتفريغ حمولات كبيرة من السلاح يتم نقلها - بعد ذلك - بريًا عبر الصحراء الشرقية المصرية، وعبر خليج السويس وسيناء والأنفاق إلى غزة.
وهنا - ربما - يلزم أن نضع هامشًا على موضوع الأنفاق، والتي أثبتت السنوات الأربع الماضية منذ عملية يناير 2011 وحتى الآن مدى خطورتها على الحالة المصرية من خلال اقتحام وحدات من حماس (وكذلك حزب الله) للحدود المصرية، والاشتراك في أحداث ميدان التحرير والهجوم على السجون وأقسام الشرطة وقد كانا ممثلين في تلك العملية لإيران (تمويلًا وتسليحًا)، بالتعاون مع جماعة الإخوان المصرية الإرهابية.
موضوع الأنفاق - كذلك - ينبغي التوقف أمامه باعتباره يصف مؤسسة (مالية) ذات علاقة وثيقة بأدوار سياسية لمنظمات شبه عسكرية، وتلك المؤسسة المالية تدير الأنفاق لصالح طبقة من أمراء تلك المنظمات أو عناصر نخبتها القائدة، ومن جهة أخرى فإنها طريق نقل الأموال المهربة إلى القطاع كما ذكرنا.
...................................................
إذن (حزب الله) و(حماس والجهاد) كانوا وسائل إيران لنقل ساحة التضاغط مع الغرب إلى خارج إيران، وهكذا كانت طهران تحرض عميلها حسن نصر الله- مثلًا- في يوليو 2006 ليهجم على إسرائيل فتخفف عبء الضغط الغربي عليها، وتظهر كآمر مسيطر يستطيع وحده أن يوقف مرءوسه حسن نصر الله، وبالتالي يساوم ويتفاوض ويحقق مكاسب سياسية أولها صرف انتباه الغرب بعيدًا عن إيران ودفع حماس وحزب الله إلى خوض المعارك بالوكالة عن طهران وهكذا جرى الوضع حين قامت حماس (كذلك) بإطلاق صواريخها وشن هجماتها على إسرائيل.
اليوم.. نحن أمام واقع جديد تم تشكيله بعقد اتفاق لوزان بين إيران ودول (5+1) حول الملف النووي الإيراني، وفي تقديري أن ذلك الاتفاق سيكتمل وتتم المصادقة عليه في آخر يونيو الوشيك، لأن الأمريكان يريدونه لأنهم يرغبون في استخدام ورقة ضغط على الخليج، وبالذات بعد هزيمة واشنطن المروعة وانهيار الموجه الأولى من مشروعها للشرق الأوسط الأوسع في أعقاب انتصار ثورة 30 يونيو المصرية التي هزت الحضور الأمريكي في منطقتنا إلى حد بعيد.
كما كان الإيرانيون يرغبون في الاتفاق النووي لأنهم ما كانوا مضوا في هذا الطريق إلى النقطة التي وصلوا لها إلا لو كانوا يريدون الاتفاق، وخاصة أنهم لم يقوموا بتخصيب اليورانيوم طوال السنة الأخيرة التي بدا فيها أن اتفاقًا يلوح في الأفق.. فضلًا عن أن الاتفاق سيتيح لإيران الخروج من ضائقتها المالية والتخلص من العقوبات الغربية، والإفراج عن الأموال المجمدة التي تبلغ 200 مليار دولار والتي تظهر من الإلحاح الإيراني للإفراج عنها، الأولوية التي تعطيها طهران لتلك المسألة دون غيرها.
وما دمنا وصلنا إلى نقطة اتفاق يريده الطرفان جدًا.. جدًا، فإن محاولة قراءة المواقف الإيرانية من تلك القوى التي - لطالما - حركتها بالريموت كنترول تظل من أوجب الواجبات في هذا الإطار وهو ما أوجزه في نقطتين:
• هناك احتمال أن تأخذ إيران الاتفاق بوصفه تعبيرًا عن قوتها ومن ثم تعربد في المنطقة محققة خطوة أو بعض خطوات في طريق يفضي إلى اكتمال مشروعها للهيمنة أو لتصدير ثورتها، وهكذا فعلت قبل توقيع اتفاق لوزان واستبقته بمحاولة لبسط كامل سيطرتها على سوريا ولبنان والعراق واليمن، الأمر الذي ضربته (عاصفة الحزم) وزجرت إيران عن التمادي فيه ولو مرحليًا.
• التصور الثاني هو أن تنكمش إيران وترى أن الوقت قد حان لتتمتع بـ"الثروة" بعد أن عانت لخمس وثلاثين عامًا من "الثورة"، وإن كانت تتخوف من أمرين أحدهما هو أن اللجوء لذلك الخيار سيؤدي إلى تشكيل ونمو طبقة وسطى جديدة في البلد سوف تدير رأس المال وثروة المجتمع، وسوف تقف تلك الطبقة - بحكم التعريف - لتتحدى مؤسسة المسجد أو الحوزة التي لطالما قادت المجتمع وتحكمت فيه منذ 1979.
ومن جهة أخرى فإن الالتجاء إلى ذلك الخيار سيضيف وضع الشيعة كونيًا، وربما إلى عدة أجيال قادمة، وبالذات مع ظهور موجات أكثر تشددًا من التنظيمات السنية في المنطقة (وهي خرجت- على أية حال- من سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي، وانفلتت من تحت أيادي قياداته وبالتالي لم يعد لمنظمات مثل حماس تأثير يذكر عليهم).. وفي هذا السياق ألاحظ تخلي التنظيمات السنية المتشددة الجديدة عن المرجعيات غير الجهادية، وعنايتها بتقديم التنظير الشرعي للاغتيال، ونزوعها من جديد إلى الضربات ذات الطابع المعولم (كما في حادث تشارلي إبدو للأخوين كوارثي أو الكنس اليهودي في بلجيكا للمهدي نينموش).
وإذا كنا نسجل - هنا - أن إيران ستضعف إذا لجأت للخيار الانسحابي أمام موجة التشدد السُنية الجديدة، (والتي تغذيها عمليات استفزاز مشبوهة مثل معرض الرسوم البذيئة ضد الحبيب النبي في تكساس وقيام داعش بمحاولة تخريبية)، فإننا - كذلك - ينبغي أن نشير إلى أن إيران سوف تضعف إذا راحت تنكمش في أعقاب اتفاق الملف النووي أمام خصمها الذي يقارعها علي المستوى التاريخي والمذهبي وبناء الدولة القوى المؤسس على قوانين وقواعد العمل، واقتصاد يتوافر له الكثير من عناصر القوة.. إذ أن تركيا - بانتهازيتها الحقيرة - تركب الآن المنظمات المتشددة في داعش وجبهة النصرة وغيرها، كما ركبت الإخوان وقت اندلاع المؤامرة الكبرى في يناير 2011 وزاوجت بين مشروعها الأهيل لإحياء الخلافة العثمانية مع مشروع الإخوان المتخلف للخلافة مع المشروع الأمريكي الأخرق للشرق الأوسط الأوسع.
.................................................
ورغم كل ما سبق فإن الاحتمال الأكثر أرجحية هو التجاء إيران لخيار الانكماش والانسحاب، لأن الدولة الإيرانية الحالية سياسيًا لا تحتمل الصبر على مزيد من الضغوط، كما أن تململ الناس وانفتاحهم - عبر الوسائط الإلكترونية - على ما يحدث في العالم، سوف يجبر طهران على أن تصبح كائنًا سياسيًا جديدًا أكثر عصرية وأقل عدوانية، وأكثر انكبابًا على شئونه الداخلية، وجهد التنمية والتطوير.
وخيار الانسحاب والانكماش هذا سوف يؤثر على الزوائد التنظيمية لإيران إقليميًا، وبالذات حزب الله وحماس.. فإذا كان أمر الأولى سيحسم - غالبًا - في المعركة الوشيكة على جبهة القلمون بين الجيش السوري النظامي وحزب الله من جهة وجبهة النصرة من جهة أخرى، فإن الثانية (أي حماس) راحت تتكفأ متراجعة أمام كل من السعودية ومصر، وقد ظهر ذلك - جليًا - في خطبة الجمعة الماضية التي ألقاها رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية في جامع الحي السعودي برفح، وهي نص سياسي فاضح بأي معيار، حاول فيها تهدئة الأوضاع مع مصر بتأكيد أن حماس تقف على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب المصري (محاولًا تهدئة الآثار الناجمة عن انكشاف تبعيته للإخوان فضلًا عن تورط حماس في مؤامرة يناير 2011 عبر اختراق الحدود كما ذكرنا).
ومن جهة أخرى ذكر إسماعيل هنية أن حماس تتخذ إجراءات مشددة لضبط الشريط الحدودي مع مصر سواء بقوات الأمن الوطني أو قوات عز الدين القسام (وتلك الأخيرة كانت متهمة بارتكاب أعمال إرهابية في مصر، والتورط في مذابح الجنود المصريين بسيناء، كما صدر ضدها حكم قضائي مصري يعتبرها منظمة إرهابية)
وفي هذا الإطار - المهرول في تراجعه - طرح إسماعيل هنية حزمة من المغالطات الساذجة قال فيها إن حماس تسعى للحفاظ على الأمن من جانبها على الحدود، وينبغي حفظ الأمن على الجانب الآخر (وتلك بالذات إشارة ذات مغزى ويبدو أنها تعكس مخاوف لدى حماس من اقتراب ساعة الثأر والانتقام المصرية سواء قامت بها قوات نظامية أو تجمعات عشائرية وقبلية مثلما قامت به قبيلة "الترابين" مؤخرًا بمطاردة فلول أنصار بيت المقدس في قرية المهدية برفح، وهو ما قد يتطور إلى عبور الحدود ومواصلة المطاردة).
إسماعيل هنية راح - في خطابه - يتمرغ تحت أقدام المملكة العربية السعودية ويؤكد أنها الوحيدة المؤهلة لتحقيق المصالحة الفلسطينية استكمالًا لما كانت بدأته في اتفاقية مكة (يناير 2007)، وبالطبع الغرض من تلك الزاوية هو الوقيعة بين مصر والسعودية أو خلق فجوة بينهما، إذ كان من المعروف اضطلاع مصر بالجهد الرئيسي للمصالحة.. وبالتالي فإن خطاب هنية يدعي أن حماس ليست لها أي نوايا عدوانية تجاه مصر، وفي ذات الوقت يسعى إلى تجريدها من دورها، وإعادة تدويره في ماكينة أقرب حلفاء مصر (السعودية)، والذي تواصلت - مؤخرًا محاولات الإخوان وذيولهم لتسميم علاقته بمصر.
وبالطبع فإن إحساس حماس بأن إمدادات المال الإيراني لها ستنقطع هو ما دفع هنية إلى مطالبة السعودية - بالذات - بإعانته للاتفاق مع حكومة التوافق الفلسطينية للحصول علي رواتب الموظفين الحمساويين التي امتنعت عن دفعها لإحجام حماس عن تنفيذ ما يخصها في اتفاق المصالحة.
الفلوس.. والسلاح، هما العنصران اللذان سربا الخوف إلى حماس من أن إيران لن تستطيع أو لن ترغب في المضي قدمًا نحو الوفاء باحتياجات حماس منهما، وذلك في عصر الانكماش الذي أعقب الاتفاق النووي.
ومن ثم فإن موقف حزب الله (في جبهة القلمون) واستمرار حماس في السيطرة على غزة هما سؤالان إجباريان ونهائيان في امتحان شكل المنطقة الجديد وقد يكونا علامتين لنهاية التمدد الإيراني وعصر تصدير الثورة.