الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

في مديح رأفت الميهي.. أمير المسخرة

المخرج رأفت الميهى
المخرج رأفت الميهى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
1- الساخر الأعظم.. يحاكى حياتنا
«مسخرة تُحاكى حياتنا»، هذا هو مفهوم المخرج رأفت الميهى عن السينما، ورغم أن النقاد أطلقوا الكثير من المسميات على ما يقدمه، فتارة يقولون إنها «سينما الفانتازيا»، وتارة أخرى يسمونها «السينما الجديدة» حينما يتحدثون عن جيل جديد كانت له رؤية تهتم بتقديم ما هو غير سائد في السينما المصرية حينما سادت أزمة سينما المقاولات، تضم مع الميهى خيرى بشارة، وداود عبد السيد، ومحمد خان، والراحل عاطف الطيب، وتارة ثالثة يُطلقون عليها سينما التجريب، أو السينما التجريبية التي يحاول من خلالها الميهى تقديم أنماط جديدة، وغير مألوفة من السرد السينمائي.
أيا كانت المُسميات التي تم إطلاقها على ما يقدمه الميهى من سينما تخصه وحده، فهى يصدق عليها مُسمى «سينما المسخرة»، والمقصود بالمسخرة هنا السينما التي تسخر من الواقع، أو التي تعلو فوق الواقع، محاولة في ذلك تأمله وتحليله، والسخرية منه؛ نظرًا لعبثية هذا الواقع.
سينما تقدم ما يدور حولنا بشكل يجعلنا نضحك حزنا. سينما المعايير المنقلبة في كل شيء، والتي تؤكد لنا أن ما يدور حولنا ليس أكثر من عبث لا يمكن احتماله، وبالتالى فلا بد لنا من تأمله؛ لمعرفة أسباب هذا العبث الذي نحياه.
رغم أن الميهى لم يبدأ سينماه بهذا الشكل العبثى، إلا أنها سيطرت عليه بعد فترة، فمن خلال الأفلام التي قدمها للسينما المصرية لم يخرج عن هذا المنحى العبثى، أو الساخر، سوى مرتين فقط، في فيلميه «عيون لا تنام» ١٩٨١، وفيلمه «للحب قصة أخيرة» ١٩٨٦، واللذين فصل بينهما بفيلمه المهم «الأفوكاتو» ١٩٨٣، الذي قدم فيه شخصية المحامى «حسن سبانخ» التي أداها الفنان عادل إمام، وهى من أكثر الشخصيات الفنية في تاريخ السينما المصرية التي ما زال يذكرها الجمهور العربى، وأكثرها أثرًا في ثقافته حتى اليوم.
إنه المخرج الذي يحاول أن يقول لنا: «لم لا تتأمل ما أقدمه لك من عبث وتحاول مضاهاته بما يدور حولك؟ أليس الواقع أكثر عبثية مما أقدمه لك»؟ عندما رأينا شخصية «حسن سبانخ» في فيلمه «الأفوكاتو» صدقنا الميهى كثيرا فيما ذهب إليه؛ فهو الواقع الحقيقى الذي يدور حولنا، وإن كان المخرج قد قدمه بشكل شديد السخرية؛ لكى ننتبه إليه أكثر، ربما من أجل البكاء على ما وصلنا إليه من فوضوية وعبثية.اتخذ الميهى قراره بأن يكون هذا أسلوبه المتميز.
2- رجل السينما.. له قصة أخرى
إحدى فوائد مهرجانات السينما في مصر إصدار كتب للسينما، حيث ارتبطت فكرة تكريم عدد من السينمائيين بالمهرجان القومى بتأليف كتب عُرفت بكتب التكريم، إحدى مشكلاتها الاحتفاء بالمكرم ومحاولة إضفاء هالة من التمجيد على الشخصية وأعمالها، قليلة هي الكتب التي تعاملت مع الأمر كفرصة للتقييم النقدى دون مجاملات.
وهنا عرض لكتاب «رأفت الميهى رجل السينما» تأليف محمد عاطف. من هو المؤلف؟ وهل لديه تجربة كافية لخوض مغامرة تأليف سينمائى له سجل مع كتابة السيناريو للغير، ثم مع الإخراج كواحد من أهم مجموعة سينما المؤلف المصرية إذا جاز التعبير ومخرجى الثمانينيات أصحاب لقب مخرجى الواقعية الجديدة؟ محمد عاطف ناقد شاب لم يدرس السينما ولا النقد، ولكنه أحب هذا الفن وتابعه بشغف، وبدأ عام ٢٠٠٧ في كتابة النقد السينمائى، كما شارك بورش عمل بالعديد من المهرجانات المحلية والدولية، وساعد في إخراج عدد من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة.
لو لم أكن أعرف الكاتب لظننته رجلا شيخا فالكتاب به رصانة والتزام يليقا برجل مسن. في البداية يفتتح كتابه بمقدمة بعنوان «شكر واجب» عن حلمه بالكتابة عن الميهى وخشيته ألا يكون على قدر المسئولية، وعن نفسى أحببت الكتاب بداية من الفصل المعنون «سيد العمل» حين تحول الميهى إلى إخراج سيناريوهاته. يحضرنى وصف لتوفيق صالح «الميهى لا يُخرج إنه يكتب السيناريو، ثم يصوره» فهل هناك ما يعبر عن هذا المعنى في كتاب محمد عاطف؟ لم ألتقط أي رأى يخص الكاتب حول أيهما أهم السيناريست أم المخرج المؤلف، بل يمضى الكتاب على وتيرة واحدة في سرد المضمون باستفاضة، ثم المرورعلى طريقة الكتابة بكلمات فضفاضة «يظل السيناريو والحوار الذي كتبه رأفت الميهى هو صاحب البطولة الأولى في هذا الفيلم أو يعود السيناريو إلى السرد التقليدى، ثم ذكر لعدد من الحوادث كملاحقة القضاء للمخرج وأبطاله وخاصة في فيلمى «الأفوكاتو» و«للحب قصة أخيرة». على موقع التواصل الاجتماعى مجموعة باسم «السينما السياسية» تفرد لأفلام الميهى الصفحات في تحليل رؤيته السياسية عبر أفلام كتبها فقط، أو كتبها وأخرجها وهذا الشغف بمضمون أفلام الميهى يسبق تناول أسلوبه الفنى ومحاولة تحليله على مستوى اللغة، وهو ما وقع فيه أيضا محمد عاطف. لم أفهم العنوان «رأفت الميهى، رجل السينما» فبأى معنى هو رجلها هل هو سيدها وتاج رأسها، أم هو سى السيد له أن يوبخها لخروجها عن التقاليد بينما يرقص بالصاجات خلف الراقصات قد تكون بالنسبة له السينما السائدة، سينما المتعة والإثارة.
طوال تفكيرى بالكتابة عن الكتاب يحضرنى التناول الخلاق الذي قدمه سيد سعيد صاحب فيلم «القبطان» لكل من شخصية، وأعمال أنسى أبوسيف وأحمد متولى، وكيف جعلنا نستمتع بالعمل الذي يصعب تصنيفه فنلجأ إلى تعبيره النقدى «عابر للنوعية» في كتاب يتبارز فيه المؤلف مع بطله، ويرسم عالما فنيا ثالثا، ليس تماما حول الأفلام، وليس بالكامل عن الشخصية، ولكنه يكتمل بحضور المؤلف. أظلم محمد عاطف الناقد الشاب حين أقارنه بسيد سعيد، المبدع المقل في عمله، وأظلم مهنة الكتابة للسينما حين لا يجد من يمتهنها وقتا لكى يقوم بالعمل كما يجب أن يكون.
من النسخة الورقية