الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما يحرم مفتي الحكومة شهادات قناة السويس!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أستطيع ادعاء صحة هذا الخبر وعدم إمكانية التشكيك فى مصداقيته، بعد أن أضيف توضيحًا مفاده أن دولة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، هو صاحب فتوى تحريم شهادات قناة السويس التى أودع المصريون فيها مدخراتهم.
نعم "محلب" هو الذى جعل من نفسه مفتيًا لمعاملات حكومته الاقتصادية ولم يعد ينقصه سوى ارتداء العمامة، فقد أضحى لسانه ينطق بلغة أهلها مصنفًا إجراءاته الاقتصادية والأوراق المالية التى يطرحها بالإسلامية وغير الإسلامية؛ حدث هذا عندما أعلن وزير ماليته هانى دميان اعتزام الحكومة إصدار صكوك وصفها بالإسلامية لاستثمارها فى تمويل بعض الأنشطة الاقتصادية وكأنه يقول إن باقى الأوراق المالية التى يتعامل بها بما فى ذلك شهادات الاستثمار الخاصة بتمويل مشروع قناة السويس الجديدة غير إسلامية وهذا يعنى أن عوائدها غير شرعية ومالًا حرامًا.
لا أريد تمثل مسلك الحكومة فى التبذل، وأقول إن الوزير دميان أضحى هو الآخر أحد أئمة مشيخة محلب، وإن كان قدم نفسه فى هذا الثوب عندما صرح أنه جارٍ تعيين هيئة شرعية تضع ضوابط تلك الصكوك.
هل نحن مجتمع من المجانين، نرفض الحكم الديني ونثور ضد خلط الدين بالسياسة واستخدامه لتسويق بعض القرارات والإجراءات، ثم نعود نستخدمه بنفس أسلوب الذين ثورنا ضدهم؟!
هل من المعقول أن ينص دستورنا على أننا جميعًا سواء دون تمييز بيننا على أساس ديني أو عرقى، ثم نميز بين ما تتخده الحكومة من إجراءات باعتبار بعضها إسلامى ومتوافق مع الشريعة، ونصمت عن وصف بعضها الآخر بما يعنى ضمنيًا أنها غير إسلامية وتقع فى دائرة الحرام؟!
يبدو لى أننا تخلصنا من حكم جماعة الإخوان الإرهابية لكننا بعد لم نتحرر من منهجها ورؤيتها التى تهيمن على الجميع فكرًا ولغة، بالأمس كان الأزهر يستخدم نفس اللغة والإطار الفكرى فى حربه الشرسة وغير المفهومة ضد محاولة الباحث المجتهد إسلام بحيرى، واليوم تستخدم الحكومة ذات اللغة فى التسويق لما أسمتها بالصكوك الإسلامية، وهو ما قد يشى بفساد تلك الصكوك لذلك تحاول الحكومة تقديمها فى ثوب إسلامى.
أظن أن التخوف من فساد تلك الصكوك مشروع لاسيما أنه قد سبق رفضها مرتين عند طرحها وكانت المرة الأولى فى زمن الدكتور أحمد نظيف، والثانية فى زمن الإخوان، والغلاف الإسلامى كان أنسب عنوان لإخفاء حقيقتها الفاسدة، تمامًا كما تستخدم مؤسسة الأزهر ما تسميها ثوابت الدين فى مواجهة كل مجتهد لتخفى خلفها حقيقتها من حيث كونها مؤسسة كهنوتية تشبعت بالسلفية الوهابية، وكلنا يعلم أن الحرب على البحيرى ليست الأولى من نوعها فقد سبقها الحرب على فرج فودة ونصر حامد أبو زيد، وآخرين مثلهما وتحت ذات الراية ثوابت الدين.
قبل سنوات أفتى الدكتور علي جمعة بأن الذى لا يلتزم بقواعد قانون المرور آثم ومذنب، وكان حينها مفتيًا للديار المصرية، وقد عكس حديثه ذلك مدى اهتراء العلاقة بين الدولة ومواطنيها، إذ أصبحت هيبة القانون والدستور تكتسب من هيبة الفتوى وكأن دولة الفتوى هى التى تحكم دولة القانون، على الرغم من أن دار الإفتاء ليست إلا واحدة من مؤسسات الدولة، التى ينظم الدستور والقانون علاقتها بمواطنيها وليس أى شيء آخر وهى العلاقة التى نجح الإسلام السياسى فى الانتصار عليها بإعلائه ما أسميها دولة الفتوى.
تصنيف الصكوك على نحو ما جرى يؤكد أن المهندس إبراهيم محلب ووزير ماليته الدكتور هانى دميان من المنتمين لمنهج وفكر جماعة الإخوان وما دونهم من حركات الإسلام السياسى، وهذا بالمناسبة ليس تعبيرًا مجازيًا بل توصيفًا لأمر واقع والسكوت عن مواجهته يعكس حالة من الجهل العام رغم أننا وعينا أثناء حكم المرشد ليس شعار الإسلام هو الحل، ووهم ادعاءات كل مَن يتمسحون بعباءة الدين بأن هناك ما يسمى بالاقتصاد الإسلامى والسياسة الشرعية الإسلامية والحل الإسلامى لمشكلات الصحة والتعليم والسكان والزراعة والصناعة.
هذا المناخ المنافق للتسلف والتشدد يجعلنى أتخوف من أن نرى فى البرلمان القادم عندما ينعقد مَن يدخل حاملًا المصحف وكتب التراث ليخرج منه نصوصًا لقوانين وتشريعات ليفرض وصاية ليس لصالح الدين وإنما لصالح تياره أو حزبه أو أزهره.
أخيرًا، هل لى أن أتهم محلب ودميان بإثارة الفتنة الطائفية، أو على الأقل غرس بذورها فى التربة المصرية من خلال وصف بعض إجراءاتهم بالإسلامية؟ أيضًا هل لى أن أفهم تلك الصفة التى أطلقت على الصكوك باعتبارها دعوة للمواطنين المسلمين فقط لشرائها، ومن ثم دعوتهم أيضًا إلى سحب إيداعاتهم من البنوك واستخدامها فى شراء الصكوك لأن عوائدها شرعية وحلال؟!