الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إصلاح الأزهر مهمة فوق أزهرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أقرّت مشكورة الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، بأن التراث لابد أن يتغربل وأن يأتى مغسولاً من القضايا التى لا تماثلَ لها فى هذا العصر، وقالت إن تجديد الخطاب الدينى هو أن نأخذ من التراث ما يُلائم أحوالنا وقضايانا العصرية، أى أن نأخذ الثمين ونترك غير المتلائم مع عصرنا، لأن كل التراث له وعليه، ولنا أن نستدعى منه ما يُصلح أحوال عصرنا وما يتصالح مع عصرنا، وقالت إن علينا ألا نغالى فى الحمية والغضب ممن نختلف معهم، فالاختلاف إرادة إلهية، وهو من طبيعة البشر، وأكدت على أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المنفردة، وقالت إن العمل الدعوى خافت ولا يقوى على مواجهة مستجدات الحياة، سواء الجديد فى العلم والفكر والمخترعات، وقالت إن تراث العداء الذى كان منتشراً بين الشعوب، خصوصاً فى قرون الحروب الصليبية، أفرز كراهية وأحكاماً فقهية وآراء مريرة يجب ألا نستدعيها الآن بعد أن أخذت البشرية بوسائل الرقى والوثائق الدولية وما يحمى حقوق البشرية إلى حدٍ ما.
هذه بعض مقتطفات من حديث مهم أجراه الزميل بدوى طه مع الدكتورة آمنة نصير فى "الأهرام" أمس، وهى مشارَكة إيجابية فى المعركة الدائرة الآن والتى تبدت فيها، على الناحية الأخرى بعقلية أخرى، بعض أصوات تتعامل بقداسة مع اجتهادات بشرية مرّت عليها قرون عديدة، ولا تقبل أى مساس بما توصل إليه القدماء، بل وتسعى إلى تطبيقه حرفياً على واقع حياتنا الذى هو أبعد ما يكون عن الظروف والملابسات التى أحاطت بهؤلاء الفقهاء وهم يفكرون فى كيفية حل مشاكل عصرهم.
على خلاف مضمون حديث الدكتورة أمنة نصير، وبعض الأصوات القليلة التى تعترف بضرورة الإصلاح والتجديد، تصطف الأغلبية الساحقة من رجال الأزهر التى تؤمن بأنه ليس هناك أى مبرر للتغيير، وكانت تتصدى، علناً وبكل شراسة، لكل من يدعو إلى الإصلاح، حتى أطلق الرئيس السيسى نداءه مطالِباً بثورة دينية، فإذا بهم يرفعون الصوت متسابقين تأييداً للدعوة الرئاسية!
هذه الحماسة التى تشكل تغيراً حاداً فى موقف هؤلاء الدعاة لا تدعو إلى الاطمئنان لأنها تأتى غير متسقة مع مواقفهم الثابتة عبر سنوات، بل وتصطدم مع هذه المواقف!
بل إن هذه الحماسة الفجائية تعطى انطباعاً قوياً بأنها مناورة منهم، حيث لا قبل لهم بمواجهة الرئاسة، حتى تنقضى ما يعتقدون أنه هوجة لحظية، يعقبها انشغال بأشياء أخرى.
أصحاب هذه العقلية المتشبثة بالأفكار البالية التى مر عليها قرون من الزمان، هم الذين يسيئون بالفعل للإسلام، بتصديهم للأفكار الجديدة ومعاداتهم للفنون والآداب، من السينما إلى الرواية والشعر إلى البحث العلمى، وكان التكفير الذى يبيح هدر الدم هو أسهل سلاح يواجهون به صاحب الرأى الآخر!
نقطة البدء فى أى إصلاح دينى هى مناهج التعليم والتكوين العلمى للمدرس، وهى مسائل معقدة لا ينبغى أن يفترض أحد أنه يمكن انجازها فى سنوات قليلة، حتى بفرض أن مؤسسة الأزهر أخلصت فى الالتزام بما وعدت به!
وهذا أدعى إلى حسم مسألة يصر عليها الأزهريون وهى أنهم، هم وحدهم، المنوط بهم هذه المهمة، فى حين من المفترَض أن تبسط الدولة يدها على كل المؤسسات التعليمية فى البلاد، واعتبارها مسألة أمن قومى، وهى كذلك، على أن تضع المقررات الدراسية لجان متخصصة من وزارة التعليم، وعلى أن تخضع عملية التعليم الأزهرى لتفتيش من الإدارات التعليمية شأنها شأن غيرها من المؤسسات التعليمية.
الحقيقة التى لا ينبغى الموارَبة فى طرحها هى أن المقررات المدرسية الأزهرية حتى هذا العام تتضمن دروساً على الطالب أن يثبت استيعابه له طول العام الدراسى، وأن يجيب فى امتحان آخر العام بمضمونها وإلا رسب، وقد أثبت الكثيرون، حتى من بعض رجال الأزهر، أن هذه الدروس ذاخرة بما يؤجج الفتنة الطائفية، كما أنها مملوءة بالخزعبلات والخرافات التى تسيئ نسبتها إلى الإسلام!
فكيف يمكن الاطمئنان إلى أن يُكلف بإصلاح هذه المناهج من أقروها، أو وافقوا على استمرارها عبر سنوات ممتدة، بل إنهم، هم أنفسهم، درسوها وحفظوها عن ظهر قلب أيام الطلب، وباتت جزءاً أصيلاً فى عقيدتهم.
وللإنصاف، فإن الإصلاح التعليمى المأمول يجب أن تتسع دائرته وأن لا يجرى قصرها على الأزهر وحده، وذلك حتى تكتمل المهمة، لأنه يجب على الدولة أن تضبط هذه الفوضى التى تسمح لأصحاب البيزنس الخاص بإنشاء مدارس خاصة تعطى شهادات معتمدة من الدولة، وهى الثغرة التى نفذت منها جماعة الإخوان وصار لها عدد من المدارس بعضها بأسماء أعضاء فى خلايا نائمة، وهى المدارس التى تبث سمومها فى عقول الأطفال حتى الآن!
أضف إلى ذلك المدارس الأجنبية بلغات شتى، التى تستقبل أطفالاً مصريين، وبعضها يخضع لإشراف أجنبى، وهو ملف آخر يستحق معالجة خاصة.