الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"شادي عبدالسلام".. الفلاح الفصيح

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم قِلة أعماله السينمائية قياسًا إلى آخرين في عصره، استطاع المخرج الراحل شادي عبدالسلام أن يحفر اسمه في تاريخ السينما المصرية كما حفر الفراعنة ذكرياتهم على جدران المعابد، وكان ارتباطه بالفراعنة ومصر القديمة هو مفتاح الحياة لـ"المفكر شهيد الفن" الذي أراد إظهار الإنسان المصري يستعيد أصوله التاريخية وينهض من جديد، فأخرج أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما "المومياء".
أعوام طويلة فصلت بين مولد شادي عبدالسلام في 15 مارس 1930 في مدينة الإسكندرية، ودراسته في كلية فيكتوريا التي تخرج منها عام 1948، وبين سفره إلى لندن ليدرس المسرح، ثُم عودته ليلتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ويتتلمذ على يد المعماري الشهير حسن فتحي، الذي تميز بالفنون الإسلامية، وهو ما أفاده بشدة فيما بعد، وحتى تخرج عام 1955، بتقدير امتياز في تخصص العمارة، ليبدأ حياته العملية.
لم تكن لدى عبدالسلام الرغبة بالعمل كمهندس معماري، فبدأ يفكر بالعمل في السينما، وبعد أن قضى مدة الخدمة العسكرية استطاع الوصول إلى المخرج صلاح أبوسيف وعمل معه في فيلمه "الفتوة"، وكان عمله وقتها يقتصر على تدوين الوقت الذي تستغرقه كل لقطة، ولم يستصغر هذا العمل لإيمانه بأنه بداية الطريق، بعدها عمل كمساعد للمهندس الفني رمسيس واصف، ثُم عاد ليعمل مساعدًا لصلاح أبوسيف في أفلام "الوسادة الخالية"، "الطريق المسدود"، "أنا حرة"؛ وأثناء عمل عبدالسلام مع المخرج حلمي حليم في فيلم "حكاية حب"، تغيب مهندس الديكور، فقام هو بعمل الديكور، والذي لفت الأنظار بشدة، وهو ما دفع المنتجين للتعاقد مع شادي على تصميم وتنفيذ ديكور عِدة أفلام، كان من أهمها ديكور فيلم "وا إسلاماه".
عمل عبدالسلام خارج مصر كمصمم للديكور والملابس في الفيلم الأمريكي "كليوباترا" للمخرج جوزيف مانكوفيتش، وفيلم "فرعون" البولندي مع المخرج كافليرو فيتش، ثُم مع المخرج الإيطالي الكبير روبرتو روسيلليني في فيلم "الحضارة"، والذي أثّر بشِدة في عبدالسلام بعد أن شاهد عبقريته المُتمثلة في بساطة التفكير السينمائي مع العمق في الوقت ذاته، وكان الباب الذي انطلق منه عبد السلام إلى مهنة الإخراج.
"يا من تذهب سوف تعود
يا من تنام سوف تصحو
يا من تمضي سوف تبعث"..
كانت فكرة الفراعنة دائمًا ما تشغل ذهن المخرج الذي عمل في أفلام أجنبية تتناول الموضوع ذاته، وكان يرى أن الحضارة المصرية القديمة هي تجربة إنسانية وفكرية عميقة، تستحق أن تُدّرس وتُستلهم لتكون مصدر لنهضة وتقدم مصر؛ فقدّم للعالم فيلمه الأشهر "المومياء.. يوم أن تحُصى السنين" الذي يُعد من أهم الأفلام في تاريخ السينما؛ ويُعالج قضية الهوية والحفاظ على التراث الحضاري لمصر، وفي حديثه عن الفيلم قال " أريد أن أعبر عن نفسي وعن مصر.. أريد أن أعبر عن شخصية الإنسان المصري الذي يستعيد أصوله التاريخية وينهض من جديد"؛ وقد نال الفيلم العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية، منها جائزة سادول، وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج، واحتل المرتبة الأولى في استطلاع الأفلام الأجنبية في فرنسا عام 1994؛ وتم اختيار عبدالسلام ضمن أهم مائة مخرج في تاريخ السينما في العالم من رابطة النقاد الدولية في فيينا.
https://www.youtube.com/watch?v=jpy-jV4Wjcc
فقدّم عبدالسلام للسينما المصرية عددًا من الأفلام القصيرة التي تدور حول الفكرة ذاتها، مثل "الفلاح الفصيح"، الذي استوحى فكرته من بردية فرعونية عمرها أربعة آلاف سنة، تتناول قصة قصيرة عن موضوع العدالة عن فلاح يستصرخ السلطة ليسترد حقه المسلوب، وتقيم الدولة ميزان العدل، وقد فاز الفيلم بجائزة السيدالك في فينسيا.
https://www.youtube.com/watch?v=9IPL9MDASa0
كذلك قدّم أفلام "آفاق" وهو نموذج لأوجه النشاط الثقافي المختلف في مصر.
https://www.youtube.com/watch?v=L7krijDVpSk
"جيوش الشمس" ويتناول العبور وحرب أكتوبر 73.
https://www.youtube.com/watch?v=zxko8JYzG0A
وأفلام أخرى هي "كرسي توت عنخ آمون الذهبي"، "الأهرامات وما قبلها"، و"رع مسيس الثاني"؛ وفيلم عن إحدى القرى الصغيرة التي تقع بالقرب من معبد أدفو في أسوان، كذلك قام بعمل فيلم مدته ثلاث دقائق ونصف عن ترميم واجهة بنك مصر؛ ولم يهمل بوابته الأولى للسينما، فترك بصمته على ديكور وملابس جميع الأفلام التي شارك فيها، ومنها "عنترة بن شداد"، "ألمظ وعبده الحامولي"، "شفيقة القبطية"، "رابعة العدوية"، "أمير الدهاء"، "بين القصرين"، وفيلم "الناصر صلاح الدين".
عمل شادي عبدالسلام مديرًا لمركز الأفلام التجريبية بوزارة الثقافة، وقام بالتدريس بالمعهد العالي للسينما، قسم الديكور والملابس والإخراج، ولكنه عكف بعد الانتهاء من "المومياء" على مشروعه الثاني، والذي لم ير النور، وهو فيلم "مأساة البيت الكبير"، والمعروف كذلك باسم "إخناتون" نسبة إلى شخصية الفرعون المحورية فيه، واستغرق في كتابته عشر سنوات، وقام بإعداد تصميمات وديكورات الفيلم، إضافة إلى الأزياء والإكسسوارات؛ ورفض عدة عروض لإنتاج الفيلم لأنه كان يرفض المنطق التجاري؛ وظل يسعى أن تقوم وزارة الثقافة بإنتاج الفيلم الذي يتطلب تكلفة إنتاجية عالية، لكن جهوده باءت بالفشل؛ حتى توفي في الثامن من أكتوبر عام 1986.
https://www.youtube.com/watch?v=XiwpMKqUw4E