الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من يبرر شراسة الإخوان؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يجدر الوقوف بجدية أمام التصريحات الأخيرة للدكتور محمد حبيب النائب الأول السابق لمرشد جماعة الإخوان، لأنها تتضمن إضافة نوعية إلى النقد الشديد الذى دأب على توجيهه للجماعة منذ الانفصال عنهم، وهى إضافة تنطوى على ما يمكن أن يُشَكِّل مادة لاتهامات قوية للجماعة يمكن أن يُدان فيها عددٌ من قادتهم!
يبدأ حبيب كلامه، فى مقاله فى "المصرى اليوم" قبل يومين، بما يشبه النقد الذاتى بأنه يشعر بالتقصير فى حق الرأى العام صاحب الحق فى معرفة كل ما يجرى فى الجماعة ليأخذ حذره ويُحدِّد أين يضع مواطئ أقدامه!
وقال إنه كان يمكنه أن يلتزم الصمت لو أن الجماعة لم تكذب على الرأى العام، أو لو أنها لم تحاول الاستحواذ على كل شيء!
وأضاف اتهاما خطيرا بأن الجماعة تُخرِّب وتدِّمر وتتماهى فى فصائل الإرهاب، كما أنها تتعاون مع دول أجنبية بهدف الإضرار بالمصلحة العليا لمصر! وقال إن الدولة، كشعب ووطن وحكومة ومؤسسات، أهم وأعظم من أى جماعة.
وقال أيضا إن زميله السابق محمود عزت الأمين العام للجماعة، وصهر المرشد السابق مهدى عاكف، صار هو المتحكم فى القرار رغم قدراته المحدودة المتواضعة! وقال إن عاكف كان يقف، بكل صلاحياته، حائلاً دون محاسبته ومساءلته رغم أخطائه القاتلة! ولكن الدكتور حبيب لم يذكر هذه الأخطاء!
وقل إنه وبسبب هذه الوضعية الخاصة التى كان يتمتع بها عزت، التفّ حوله مجموعة من المنتفعين مثل مرسى وبديع والكتاتنى وغيرهم!
وقال إن مرسى لم يكن يحكم كرئيس، وإنما كان يتولى المسئولية مكتب الإرشاد، أو بمعنى أدق محمود عزت وخيرت الشاطر!
بعض هذه الاتهامات هى التى بالفعل يمثُل بسببها أكبر قيادات الإخوان أمام القضاء هذه الأيام، إضافة إلى اتهامات أخرى يمكن أن يتعزز بعضُها إذا ثبت للمحكمة صحة ما يقوله الدكتور حبيب!
ليس من المطلوب، ونحن إزاء هذه الاتهامات القوية، أن نقف أمام ما يبدو تناقضاً فى الموقف الشخصى للدكتور حبيب بين ما يرفضه من الجماعة الآن وبين ما كان يقبله، أو كان، فى الحد الأدنى، يقبل بأفكاره التى ظلت عبر تاريخ الإخوان تُتداول ويجرى الأخذ بها على الأرض من آن لآخر! خاصة أن تبنى الإخوان لاختيار العنف ليس جديداً وإنما هو ثابت ضدهم، على الأقل، منذ الأربعينيات، ولا يمكن أن تخفى تفاصيله على أى متابِع للشأن العام، فما بالك بقيادى مثل الدكتور حبيب! 
وليس مطلوبا، فى هذا السياق، انتقاد هذه الشراسة فى الخصومة بين أطراف كانت تظلهم جماعة واحدة بطول عمر كل منهم، وهى شراسة متبادلة، من الجماعة ضد واحد من أبرز قيادتها مما أدى إلى انشقاقه عنهم، كما أنه أيضاً يرد عليهم بما لا يقل شراسة! وهذا يذكرنا بتاريخ من الخصومات الدامية المتبادَلة بين الجماعة وكثير مِمَن انشقوا عنها أو طُرِدوا منها!
قد تفسر هذه النقطة الأخيرة شراسة الإخوان حالياً ضد الجميع: رموز 30 يونيو، وكل المسئولين، والمفكرين، بل وعموم الشعب الذى أصرّ على إنهاء حكمهم.
وليس مطلوبا تحليل منطلق مبادرة الدكتور حبيب: هل يمرّ بتجربة وجودية مما يعصف بالإنسان المتحضر عندما يقف ويراجع الاختيارات الأساسية فى حياته، ويصارح نفسه، قبل أن يعلن للآخرين، أنه أخطأ فى كذا، وأنه لم يحسن كذا، وأنه أذنب فى كذا؟ أم أن باعثه هو الانتقام من العدوان الذى ناله قبل سنوات قليلة من إخوانه؟
على أية حال هو أدرى بدوافعه وأهدافه، وهذا جانب شخصى فى قضية عامة مهمة، يمكن أن يهتم به كثيرون من خارج إطار السياسة العملية. وأما ما يعنينا، هنا وفى هذا السياق، هو جوهر كلامه، وليس بواعثه التى يستحيل على غيره معرفتها على وجه الدقة.
المهم الآن هو: ماذا سيكون رد الفعل الرسمى تجاه هذه الاتهامات الخطيرة؟ لماذا لا يَستدعى النائب العام على وجه السرعة الدكتور حبيب لسماع ما لديه من معلومات تحصَّل عليها بحكم موقعه القيادى فى الجماعة وبالعلاقات التى كانت، ولا تزال، تربطه بأعداد كبيرة من القيادات والكوادر؟ ثم ينبغى أن تخضع كل كلمة من أقواله لفحص وتدقيق من خبراء متخصصين، خاصة فيما يتعلق بالتماهى مع فصائل الإرهاب والتعاون مع دول أجنبية بهدف الإضرار بالمصلحة العليا لمصر، وذلك حتى يُصاغ فى آخر الأمر اتهامٌ محكمٌ لكل مشتبه بالخروج على القانون وعلى المصلحة العامة، ومن ارتكب ما من شأنه أن يتسبب فى تعريض أمن البلاد والأفراد للخطر..إلخ
هذا كلام خطير لا يجوز أن يُؤخَذ بخفة، لأنه يمكن، فى حالة شهادة الدكتور حبيب أمام القضاء، أن تتحقق أكبر إدانة للإخوان!
يذكر الدكتور حبيب فى مقاله واحدة من نقاط اختلافه مع الجماعة، وهى الخاصة بالانفتاح على الآخرين، ويقول إن بعض الإخوان اعترض بمنطق أن هذا التلاقى يترتب عليه كشف أمورهم، ورفض بحجة أنه ليس من حق الرأى العام أن يُطلَع على أى من شئون الجماعة الداخلية! لأنه، كما يقول، ليس كل ما يُعرَف يُقال، وليس كل ما يُقال جاء أوانه!
وهذا مجرد مؤشر واحد على العقلية التى تعمل فى الظلام، والتى أدارت حكم البلاد وراء واجهة محمد مرسى، بقرارات تصدر دون أن يعلم أحد كيف ولماذا! 
من المطلوب أن تعرف النيابة العامة من قائل هذه العبارة، وما هو أثر هذا المنهج على الحكم فى مصر طوال العام الكئيب الذى حكم فيه الإخوان!