الجمعة 07 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

من هم الإرهابيون (1-2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتجدد في بلادنا هذه الأيام الحديث عن الإرهاب و الإرهابيين؛ و يحاول الكثيرون محاولة النظر إلي من يتهمون بالإرهاب باعتبارهم “,”مرضي نفسيين“,” أو علي الأقل باعتبارهم يختلفون عنا في بنيتهم و تكوينهم النفسي. و لقد كتبت شخصيا و من واقع دراسة للمجتمع المصري ما يفند ذلك الطرح. و لكن بدا لي أن أجاري ما هو سائد في كثير من أوساطنا الأكاديمية بل و السياسية من اعتبار الغرب أمريكيا كان أو أوروبيا بمثابة المرجع المعتبر في شئون العلم؛ فرأيت أن أحاول أن أشرك القراء معي في النظر إلي ما يقول به ثقاة علماء النفس الأمريكيين في هذا الصدد.
يشير جيرولد بوست Jerrold Post في دراسة له عن الجذور النفسية للإرهاب إلي أن ثمة فكرة منتشرة تقوم علي أن الإرهابيين ليسوا سوي أفراد يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة، و أنه لا يمكن لشخص علي درجة من السواء النفسي أن يقدم علي قتل ضحايا أبرياء باسم قضية ما، و أن يتحول بملء إرادته إلي قنبلة بشرية، و لكن الحقيقة العلمية التي يخلص إليها بوست - و هو واحد من أبرز المتخصصين في علم النفس السياسي و خاصة في مجال الإرهاب- هي أنه لا جدوي من البحث في علم الأمراض النفسية الفردية لفهم سبب انخراط الناس في الإرهاب، و يخلص إلي أننا لن نكون مبالغين إن نحن جزمنا بأن الإرهابيين أشخاص “,”طبيعيون“,” نفسيا، بل أن الجماعات والمنظمات الإرهابية تعزل من بين صفوفها الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية باعتبارهم يمثلون مخاطرة أمنية.
و يشير بوست إلي أن اختيار الأفراد لطريق ممارسة الإرهاب يضرب بجذوره في تنشئتهم الاجتماعية المبكرة التي غرست فيهم البذور الفكرية الأساسية اللازمة لتلك الممارسة و وفرت لهم ممارسة “,”القتل باسم الله“,” و إعطاء أعمالهم مغزى مقدساً من قبل رجل الدين المتطرف، سواء كان شيخا أو آية الله، أو حاخاما، أو قسيسا. وبما أنهم “,”مؤمنون حقيقيون“,” يتقبلون تفسير رجل الدين المتطرف للكتب المقدسة بدون جدال، فيقدمون علي التضحية بأنفسهم و هم علي يقين من أن ما يقدمون عليه ليس انتحارا.
و يتفق ذلك مع ما قال به جون هورجان John Horgan و هو من أبرز علماء النفس السياسي المتخصصين في دراسة ظواهر الإرهاب و العنف السياسي، و له كتاب صدر عام 2008 بعنوان “,”الابتعاد عن الإرهاب: روايات عن التحلل من الارتباط بالحركات الراديكالية و المتطرفة“,” اهتم فيه برصد و تحليل ملامح أولئك الذين انغمسوا في العمل الإرهابي ثم انسحبوا منه و أولوا ظهورهم له، معتمدا في ذلك علي مقابلات متعمقة أجراها مع عدد منهم، و خلص فيه إلي أن الانضمام إلي الشبكات الإرهابية و كذلك الخروج منها إنما يتأثر بالظروف المحيطة بالفرد بأكثر من تأثره بملامح شخصيته، و هي النتيجة التي سبق أن أبرزها في مقال له نشر عام 2007 اختار له عنوانا مركبا بالغ الدلالة: “,”تلمس المنابع بدلا من محاولة التعرف علي ملامح الشخصية الإرهابية: الطريق إلي التجنيد“,” يشير فيه إلي تقرير صدر عن مجلس العموم البريطاني بعد مرور أقل من سنة على وقوع أربعة تفجيرات انتحارية استهدفت مترو الأنفاق في لندن في 7 يوليو، 2005، ورد فيه أن المعلومات المتوافرة عن مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة المتحدة لا تكشف عن وجود سمات مشتركة نمطية ثابتة تساعد في تحديد من يمكن أن يكون معرّضا لأن يصبح إرهابيا، فهم ينحدرون أصول عرقية متباينة، وقد حصل البعض على مستوى جيد من التعليم، في حين حصل البعض على قدر أقل من التعليم، والبعض فقراء جدا، في حين أن البعض الآخر أقل فقرا. و قد كان البعض مندمجا بصورة ملحوظة في نمط الحياة الانجليزي، ولكن البعض الآخر لم يكن كذلك. و معظمهم من غير المتزوجين، ولكن البعض متزوجون ولهم أولاد. و تاريخ البعض يخلو من أية مخالفة للقانون، في حين أن للبعض تاريخاً في ارتكاب الجرائم البسيطة. و يلاحظ هوجان ما انطوي عليه التقرير من إحساس بالإحباط بسبب الفشل في التوصل إلى تحديد سمات مشتركة ثابتة بين شخصية الأفراد الذين تم تجنيدهم لارتكاب تلك الأعمال الإرهابية التخريبية.
و للحديث بقية