الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"ابن عربي".. اسمع واسترخ.. افصل عن الكوكب

ابن عربي بعدسة بسام
"ابن عربي" بعدسة بسام إبراهيم ومحمد مدين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"فصلان عن دوشة الكوكب".. ليس تعبيرًا ساخرًا، ولا استهجانًا في المعنى، وإنما هي مجرد جملة أقل ما توصف به تلك الحالة التي تعيشها وأنت تستمع لقصائد فرقة "ابن عربي"، والتي تمزج عبق التراث بسحر الصوفية والحب الإلهى الصافي، لتترجمه في هيئة جرعة لا مثيل لها من الاسترخاء والراحة النفسية.

"سَلَبَت لَيْلَىٰ مِنِّيَ العَقْلَ، قُلْتُ يا لَيْلَىٰ اِرْحَمِي القَتْلَىٰ".. بمثل هذا الجمال الكلامي لرابعة العدوية، مؤسسة مذهب الحب الإلهي في أفق الصوفية، ونظائرها من عمالقة التصوف العرب، مثل ابن الفارض، وأخذها حجر أساسها الفكري من إمام المتصوفين وشيخهم الأكبر محي الدين ابن عربي، انطلقت فرقة "ابن عربي" في رحلتها في الساحة الفنية من رحم المغرب، لتعيد إحياء تراثيات بلاد الأندلس في عالم الروحانيات الشعرية، و تقديمها بشكل جديد ومحافظ على الأصالة في نفس الوقت للمستمع العربي.


مقدمة إياه جرعات دسمة من تعاويذ الموسيقى العربية الأصيلة الممزوجة بسحر الصوفية المغاربية، وتزرع مفاهيم الإيمان الصافي وحب الخالق الواحد غير المشروط، بطريقة فنية، حفرت طريقها في الوسط الفني والثقافي المزدحم بتراكمات "التمدين"، والمزيكا الحديثة، لتدخل كل من يسمعها في حالة من "الانفصال" التام عن الواقع "المزدحم" بتغيراته، ويعش للحظات في قوقعة الزهد عن "زحمة الدنيا" بما فيها، ويسافر إلى عالم "النقاء"، المتجسد في تذوق جماليات الحب الإلهي، ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام.


"عذب بما شئت"، "عرفت الهوى"، و"لاتقف بعيدًا عني"، من أبرز القصائد التي تغنت بها فرقة ابن عربي، وأسرت قلوب مستمعيها في ألبومها الأول "عربي أندلسي"، والذي جمع بين قصائد أئمة التصوف الكبار وبين تقاسيم الموسيقى الحية، المعتمدة على استخدام آلات تبدو للوهلة الأولى غير مألوفة،  مثل الطنبور، والبندير، المرتبطة بمفهوم التراث الصوفي، وطبعًا الناي والقانون، وغيرها من الآلات الشرقية، فلو كنت مكتئبًا أو تشعر بالضغوط اليومية، ويشغل بالك "مليون" فكرة متضاربة، وتريد الاسترخاء قليلًا فما عليك إلا فتح "الساوند كلاود" والاستماع لتراكات ابن عربي، وخاصة "عرفت الهوى"، و"سلبت ليلى".


هذا السحر الذي تعطيه الفرقة لجمهورها، لا يقارن أبدًا بالسحر "اللايف" لحفلاتها الغنائية، والتي تتجول من خلالها في أرجاء البلدان العربية في عدة جولات فنية، كانت بداياتها مع تأسيس الفرقة منذ سنوات طوال، تأتي إلى "أم الدنيا"، لكن كعادة "الروتين" وسوء التنظيم لبعض الجهات وشركات الإنتاج وتنظيم الحفلات، أدى ذلك لتأجيل زيارة الباند المغربي إلى مصر عدة مرات، إلا أن المفاجأة الكبرى التي فجرت قنبلة الفرحة في قلوب الجمهور المصري كانت بإعلان الفرقة نيتها القدوم الفعلي لأرض الفراعنة بشكل رسمي منتصف أبريل، عبر حفلات متتالية في القاهرة والإسكندرية، حملت على الفور لافتة "كاملة العدد" فور إعلان الموعد وطرح التذاكر، فجرت مفاجأة سعيدة لكل مدمني السماع في مصر، لتتلخص "الهوجة" الجماهيرية في جملة "الحقوا ابن عربي في مصر.. لقد هرمنا".


وحاز عشاق التصوف الأندلسي في العاصمة الثانية على "بركة" الزيارة الأولى لابن عربي في مصر، عبر حفلها في المسرح الكبير بمكتبة الإسكندرية، الجمعة الماضية، وأتبعتها في اليوم التالي بالإطلالة المرتقبة لقلب العاصمة في وسط البلد، على مسرح قصر النيل، بالحفل الثاني والمفترض أن يكون الخاتمة لزيارته لبلد النيل، إلا أن "هوس" الجمهور القاهري بالباند نجح في فرض حفلة ثالثة للفرقة في نفس المكان بعدها بيوم، نفدت تذاكرها بشكل فوري بدون مبالغة في الوصف في أقل من ست ساعات "بصوت السادات". 


تمكنت ابن عربي من خطف عقول الحضور وإدخالهم في حالة "الفصلان عن الكوكب"، بموسيقاها الهادئة، وأدائها الساحر، الذي امتزج بالإضاءة الخافتة، وسعة قاعة المسرح، فلو كنت من "المحظوظين" بحضور إحدى الحفلات الثلاث، لوجدت نفسك "تعوم" على سحابة من الاسترخاء والهدوء، تغمض عينيك "لا إراديًا" وتطير روحك إلى عالم "السكينة" والاطمئنان، وتعش هناك لأكثر من ساعتين هي عمر الحفلة، تمر عليك لحظات خاطفة، لن يفصلك عن تلك الحالة إلا "التصفيق الحاد" للجمهور وهتافه الحار بعد كل قصيدة.


وأبت ابن عربي أن تغادر "أم الدنيا"، دون أن تفاجيء عشاقها بتصوير أجدد فيديو كليباتها ، لقصيدة "تحيي إذا قتلت"، لتعد بمثابة آخر هدية من الفرقة المغربية لقاعدتها الجماهيرية المصرية المتزايدة، والتي انتهت من تسجيلها وتصويرها فور الانتهاء من حفلاتها بالقاهرة، والتي نظمتها شركة صوت للإدارة والإنتاج الفني، والتي تمكنت من نيل فرصة إعادة رمز الصوفية الأندلسية إلى مصر بعد طول اشتياق، كما أعادت لأرض النيل عددًا من رموز الفن المستقل العربي كالفنانة الفلسطينية ريم بنا، واللبنانية تانيا صالح، والجزائرية سعاد ماسي.


ابن عربي ببساطة حالة فريدة من نوعها، من الموسيقى والأداء والإطلالة بشكل عام، مجرد تجربتك لـ "السماع" تجعلك أحد مدمني هذا المجال، المختلف كليًا عن تيمة الوسط الفني المستقل والتجاري، رغم أن زيارة الفرقة بنت بلاد المغرب لأم الدنيا كانت خاطفة، إلا أنها بالتأكيد ستترك أثرها المحفور في قلوب المصريين، وستترك الجمهور في أحر من الجمر للزيارة المقبلة، فمتعة السماع ليس لها مثيل.