السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الفريق الشاذلي.. العقل المدبر للعبور

 سعد محمد الحسيني
سعد محمد الحسيني الشاذلي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الفريق سعد محمد الحسيني الشاذلي قائد عسكري مصري، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، وهو مؤسس وقائد أول فرقة سلاح مظلات في مصر، وأمين عام مساعد جامعة الدول العربية للشئون العسكرية وسفير سابق لدى انجلترا والبرتغال ومحلل عسكري، يعتبر من أهم إعلام العسكرية العربية المعاصرة. 
ويوصف الشاذلي بأنه الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي بارليف في حرب أكتوبر عام 1973م.
ولد سعد الدين الشاذلي بقرية شبراتنا مركز بسيون بمحافظة الغربية في دلتا النيل في 1 أبريل 1922 لأسرة فوق المتوسطة، حيث كان والده من الأعيان، وكانت أسرته تملك 70 فدانًا، ووالده هو الحاج الحسيني الشاذلي، وأمه السيدة تفيدة الجوهري، وهي الزوجة الثانية لأبيه، وسمىّ على اسم الزعيم سعد زغلول.
كان والده أحد ملاك الأراضي الزراعية وقد تزوج مرتين وأنجب من الأولى تسعة أبناء هم: محمد وحامد وعبدالحكيم والحسيني وعبدالسلام ونظيمة وفريدة وبسيمة ومرسية. أما الثانية تفيدة الجوهري وهي والدة الفريق الشاذلي، فقد أنجبت منها: مظهر وسعد وألفت ونبيلة.
ومنذ الطفولة الباكرة ارتبط الشاذلي وجدانيًا وعقليًا بحب العسكرية، حيث كان الطفل الصغير يستمع إلى حكايات متوارثة حول بطولات جده لأبيه الشاذلي، الذي كان ضابطًا بالجيش، وشارك في الثورة العرابية وحارب في معركة التل الكبير.
ابن عم والده هو عبدالسلام باشا الشاذلي، الذي تولى مديرية البحيرة، ثم تولى بعد ذلك وزارة الأوقاف.
تلقى الشاذلي العلوم في المدرسة الابتدائية في مدرسة بسيون التي تبعد عن قريته حوإلى 6 كيلو مترات، وبعد إكماله الابتدائية، انتقل والده للعيش في القاهرة، وكان عمره وقتها 11 سنة، وأتم المرحلة الإعدادية والثانوية في مدارس القاهرة.
بدأت علاقته بجمال عبدالناصر حين كان يسكن في نفس العمارة التي يسكنها جمال عبدالناصر بالعباسية قبل ثورة 23 يوليو.
وكانت بينهم علاقات أسرية، بالإضافة لكونهما ضباط مدرسين في مدرسة الشئون الإدارية، وكانا يلتقيان بشكل يومي.
وقد فاتحه جمال عبدالناصر عن الضباط الأحرار في 1951، ورحب الشاذلي بالفكرة وانضم إليهم؛ ولكنه لم يشارك في ليلة 23 يوليو 1952 بشكل مباشر لكونه كان في دورة بكلية أركان الحرب.
سافر وهو برتبة رائد إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة تدريبية متقدمة عام 1953 في المظلات وهو من أول من حصل على فرقة "رينجرز"، وهي مدرسة المشاة الأميركية. وكان قائدًا للكتيبة 75 مظلات أثناء العدوان الثلاثي عام 1956.
وتولى قيادة سلاح المظلات خلال الفترة من 1954 - 1959.
وأثناء الاحتفالات بعيد الثورة الذي كان سيقام في 23 يوليو 1954، اقترح الشاذلي على اللواء نجيب غنيم، قائد منطقة القاهرة بإظهار سلاح المظلات بصورة مختلفة عن باقي وحدات القوات المسلحة التي كانت تمشي بالخطوة العادية أمام المنصة، كما هو معروف، واقترح بأن تقوم كتيبة سلاح المظلات باستعراض المشي بالخطوة السريعة أمام المنصة، وكان بذلك أول من اقترح المشي بالخطوة السريعة في العروض العسكرية الخاصة لقوات المظلات، والتي أصبحت مرتبطة بقوات الصاعقة والمظلات وما ميزها عن سائر القوات ونقلتها الدول العربية فيما بعد.
وفي عام 1960 (أيام الوحدة مع سوريا) أرسل جمال عبدالناصر بقيادة العقيد الشاذلي كتيبة مظلات كجزء من قوات الأمم المتحدة إلى الكونغو، بطلب من رئيس الوزراء لومومبا، وبالتنسيق مع داغ همرشولد أمين عام الأمم المتحدة، لحفظ الأمن والقانون وبهدف منع بلجيكا من العودة إلى احتلال بلاده التي استقلت في 30 يونيو 1960.
كانت الكتيبة العربية مكونة من 5 سرايا (4 سرايا من مصر وسرية من سوريا) والتي أصبح اسمها الكتيبة العربية في الكونغو، وتمركزت الكتيبة في أقصى الشمال على بعد أكثر من 1200 كيلو من العاصمة.
وكانت أول قوة عربية ترسل للقيام بمهام خارجية تحت قيادة الأمم المتحدة.
تطورت الأحداث وقاد رئيس هيئة الأركان الجنرال موبوتو سيسيسيكو انقلابًا عسكريًا سيطر به على البلاد، وتمكن لومومبا من الهرب إلا أنه اعتقل وقتل في يناير 1961.
حينئذ أرسل جمال عبد الناصر لجنة عسكرية برئاسة العميد أحمد إسماعيل على إلى الكونغو لدراسة ما يمكن لمصر أن تقدمه للنهوض بالجيش الكونغولي، ولكن الوضع كان قد تغير فالحكومة الجديدة كانت تناصب العداء لجمال عبدالناصر وتطالب بإعادة القوات العربية. وفي تلك الفترة وقع الخلاف بين العقيد الشاذلي والعميد أحمد إسماعيل على.
وبعد مقتل لومومبا أحس الشاذلي بالخطر، وقرر بشكل منفرد تسريب جنوده من مواقعهم، كما أمن تهريب أبناء لومومبا إلى مصر قبل انسحاب الكتيبة المصرية.
ظهر الفريق الشاذلي تميزًا نادرًا وقدرة كبيرة على القيادة والسيطرة والمناورة بقواته خلال نكسة 1967، عندما كان برتبة لواء ويقود مجموعة مقتطعة من وحدات وتشكيلات مختلفة (كتيبة مشاة وكتيبة دبابات وكتيبتان من الصاعقة) مجموع أفرادها حوإلى 1500 ضابط وفرد، والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء (بين المحور الأوسط والمحور الجنوبي).
وبعد ضرب سلاح الجو المصري وتدميره على الأرض في صباح 5 يونيو، واجتياح القوات الإسرائيلية لسيناء، اتخذت القيادة العامة المصرية قرارها بالانسحاب غير المنظم والذي أدى إلى إرباك القوات المصرية وانسحابها بشكل عشوائي بدون دعم جوي، ما نتج عنه خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وانقطعت الاتصالات بين القوات المتواجدة في سيناء وبين القيادة العامة المصرية في القاهرة، ما أدى إلى حدوث حالة من الفوضى بين القوات المنسحبة، والتي تم قصفها بواسطة الطيران الإسرائيلي.
في تلك الأثناء، انقطع الاتصال بين الشاذلي وقيادة الجيش في سيناء، وكان عليه أن يفكر في طريقة للتصرف وخصوصًا بعد أن شاهد الطيران الإسرائيلي يسيطر تمامًا على سماء سيناء، فاتخذ الشاذلي قرارا جريئا حيث عبر بقواته شرقًا وتخطى الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو واتجه شرقًا فيما كانت القوات المصرية تتجه غربًا للضفة الغربية للقناة)، وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوإلى خمسة كيلومترات شرقًا داخل صحراء النقب، ومن خلال شريط ضيق بعيدا عن مسار الطيران الإسرائيلي، بقي الشاذلي في النقب لمدة يومين 6 يونيو و7 يونيو، واتخذ موقعًا بين جبلين لحماية قواته من الطيران الإسرائيلي، إلى أن تمكن من تحقيق اتصال بالقيادة العامة بالقاهرة التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورًا.
استجاب الشاذلي لتلك الأوامر وقام بعملية مناورة عسكرية رائعة، حيث قام بعملية الانسحاب ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، ورغم هذه الظروف لم ينفرط عقد قواته، كما حدث مع وحدات أخرى، لكنه ظل مسيطرًا عليها بمنتهى الكفاءة.
وقد استطاع الشاذلي بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوإلى 200 كم) في عملية انسحاب عالية الدقة، باعتبار أن الشاذلي كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، إلى أن وصل الضفة الغربية للقناة، وقد نجح في العودة بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالمًا، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%. وكان بذلك آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء قبل أن تتم عملية نسف الجسور المقامة بين ضفتي القناة.
بعد عودة الشاذلي إلى غرب القناة، اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات في الفترة (1967 - 1969)، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصرى يتم فيها الجمع بين القوات الثلاث.