الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الطب النبوي".. تجارة "وقودها" التدليس

هل كان الرسول "طبيبًا" ولم يخبرنا؟

 صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الرسول تداوى بما راج في عصره.. وذكره لـفوائد العسل والحجامة ليس «تشريعا» 
أهل العلم: اللجوء للأطباء واجب شرعى واجتهادات النبى «بشرية».. والتجارة بالدعوة في القنوات الفضائية توفر خدمة «الديليفرى»

لماذا تلتحق بأحد أقسام الإعلان في كلية الإعلام، أو تدرس التجارة والتسويق في الكليات المتخصصة، إذا كانت هناك طريقة ترويجية «سحرية»، لن تخبرك بها الدراسة في أي من تلك الكليات، ولن تكلفك العناء أو تبذل وقتك بين القراءة والبحث، طالما يكفى أن تقرن سلعتك تلك بـ«الله» و«الرسول» لتنبهر بالنتائج، لا سيما إذا كان جمهورك المستهدف، هو الجمهور العربى خصوصًا المصرى، المتدين بالفطرة.
ولتتأكد بنفسك، امسك بالريموت كنترول، وتجول عبر قنوات النايل سات، حاول أن ترصد قنوات «الطب البديل» و«الطب النبوى» و«العلاج بالقرآن»، ستجدها بالمئات، كل يوم في ازدياد، وطبقًا للنظريات الاقتصادية، فإن أي مجال لن يجذب «مستثمرين جدد» إلا إذا كان قد أثبت أنه مربح. «الرسول ليس طبيبًا».. تخيل معى كم الاتهامات التي قد تصل إلى التكفير وهى توجه إليك إذا ما استوقفت أحدا في الشارع، وأخبرته بذلك، فهكذا نشأنا في مجتمع «التابوهات الدينية»، التي اعتبرت أن العقل إنما هو آفة يجب التنصل منها وعدم إتاحة الفرصة لها، إلا أننا في السطور التالية سنوضح كيف أن «الرسول ليس طبيبا»، و«الطب النبوى» ما هو إلا تجارة لمافيا «استغلال الدين».
أكذوبة «الطب النبوى»
«وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل».. هكذا وصف الله رسوله في كتابه، الذي لم يقتصر على إثبات صفة الرسالة، بل زاد عليها في مواضع أخرى بنفى ما روج له المشركون آنذاك، «فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون»، «وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُون»، إلا أنه لا توجد من الآيات ما يذكر بأن الرسول طبيب أو تنفى عنه ذلك، فما الحاجة لنفى أمر بديهى لا يحتاج إلى نفى، الرسول ليس طبيبا، لم ينقل أحد أنه تلقى أيا من علوم الطب - والتي كانت تشتهر بها اليمن آنذاك، أو أنه داوى أصدقاءه بأسلوب طبى «خلاف الأدعية أو ما يندرج تحت بند المعجزة النبوية» كى يطلق عليه طبيبًا.
ظل الأمر بديهيا، لم يمنع التابعين من التدارس وطلب العلم، وصياغة أول قواعد علم الطب، التي كان الفضل فيها لعلماء مسلمين وعلى رأسهم ابن سينا، الذي ولد عام ٣٧٠ م، وألف أول كتاب في الطب بعنوان «القانون في الطب»، فإذا كان الرسول طبيبًا أو أن ما ورد عنه من فضل التداوى بأشياء معينة من باب «الوحى» الذي لا يقبل الشك أو التأويل، فلماذا يكون «ابن سينا» هو من وضع القواعد الأولى لذلك العلم، فمن الأولى أن يكون الرسول هو من وضعها وأكملها وفصلها، ما دام طبيبًا.
استمرت الإسهامات في الطب والعلوم المختلفة، والأبحاث، والثورة العلمية التي استطاعت اكتشاف الأمراض في مراحلها الأولى، والأدوية الحديثة، ومع كل ذلك بدلًا من التركيز على مجال البحث العلمى، وعن النماذج المسلمة التي تشارك في ذلك، وتصديرها من قبيل أن «الإسلام دين يحث على العلم ويدعو إلى إعمال العقل»، وجعل «طلب العلم فريضة»، زادت الأصوات التي تروج إلى العلاج بالأعشاب، وادعاء أن العسل قادر على علاج ربما مئة مرض ليس لأى منها علاقة بالآخر استخفافا بالعقل وغيرها من الأشياء، بدعوى العودة إلى الهدى النبوى، والاقتداء بالرسول.
ويعد كتاب ابن القيم الجوزية «الطب النبوى» الكتاب الأول الذي يعتمد عليه من يروج له من التجار وبعض رجال الدين خصوصًا من الجماعات السلفية، التي حاولت العودة بالمجتمع إلى زمن السلف، في كل شيء، وهو ما جعلهم يعيدون طبع الكتاب بملايين النسخ، ويوزعونها على مستوى العالم، بالتزامن مع تصاعد تلك التجارة، وانتشار مراكز «العلاج البديل»، رغم أن ابن القيم لم يؤلف الكتاب بذلك الاسم، وإن ما ألفه عبارة عن مجلد بأربعة أجزاء تحت عنوان «زاد المعاد في هدى خير العباد»، والذي نقل فيه كل شيء عن الرسول، سواء فيما يتعلق بالأمور الدينية أو الدنيوية، فعمدوا إلى طباعة الجزء الرابع ككتاب منفصل تحت عنوان «الطب النبوى»، متجاهلين أن ابن القيم الجوزية توفى عام ٧٥١هـ، أي منذ أكثر من ٧٠٠ عام، وأن خلال عصره لم يكن الطب قد وصل إلى ما وصل إليه الآن.
يقول الكتاب في تعريفه لـ«الطب النبوى»: وقد أتينا على جُمَلٍ من هَدْيه في المغازى والسير والبعوث والسرايا، والرسائل، والكتب التي كتب بها إلى الملوك ونوابهم، ونحن نُتْبع ذلك بذكر فصول نافعة في هَديه في الطب الذي تطبَّب به، ووصفه لغيره، ونبيِّنُ ما فيه من الحِكمة التي تَعْجَزُ عقولُ أكثرِ الأطباء عن الوصول إليها، وأن نسبة طِبهم إليها كنِسبة طِب العجائز إلى طِبهم، فنقول وبالله المستعان، ومنه نستمد الحَوْل والقوة المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن، ومرض القلوب نوعان: مرض شُبهة وشك، ومرض شَهْوة وغَيٍّ، وكلاهما في القرآن، قال تعالى في مرض الشُّبهة: «في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا»، وقال تعالى: «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا».
لقد بدأ الترويج للطب النبوى إعلاميًا من خلال بعض البرامج على القنوات الإسلامية الشهيرة مثل «الناس» و«الرحمة» و«اقرأ» و«المجد»، وغيرها من القنوات ذات الجمهور العريض، وكان على رأس تلك البرامج برنامج «العلاج الربانى» لعادل عبدالعال على قناة الناس، والذي كانت له العديد من المشاركات في قنوات فضائية عامة كـ«المحور» و«دريم» وغيرهما، ثم بعدما ذاع صيته أنشأ قناة خاصة به تحت مسمى «الصحة والجمال»، تتركز كل برامجها على الطب البديل والنبوى، وعظم فقراتها عبارة عن إعلانات للترويج لمنتجاته، وبعدها تم اكتشاف تزوير الشهادات التي ادعى «عبدالعال» الحصول عليها.
لم يتوقف الأمر عند «عبدالعال»، فبعده ذاع صيت سعيد حساسين والذي سار على نهج «عبدالعال» وفتح قناة خاصة به تحت مسمى «حساسين»، إضافة إلى العديد من العيادات التابعة له على مستوى الجمهورية، وبعد صدور قرار القبض عليه هرب خارج مصر.
كما تنتشر الإعلانات التي تروج لمركز معين أو منتجات بعينها على كل المواقع التي تتخذ من أسماء «الطب النبوى والبديل» ستارًا لها، فتصدر الآيات والأحاديث ثم تبدأ في الترويج، ليس فقط بل إنها تدعى علاج صنف واحد لأمراض عديدة ليس لها صلة ببعضها البعض، ففى أحد المواقع تتحدث عن فوائد شمع النحل، في علاج انسداد الأنف والزكام والتهابات الجيوب الأنفية وتورم أنسجة الأنف، وعلاج حمى (الدريس) الشديدة ووقف أعراضها مثل (وقف تدميع العين - فتح الأنف المزكوم - وقف رشح الأنف - وقف شرقة الحلق)، والتخفيف من الحساسية تدريجيًا، إضافة إلى أنه مفيد في علاج الأمراض الجلدية مثل علاج القروح وخاصة الملوثة منها، ويعتبر مادة ملينة وملطفة ومهدئة ومضادة للالتهابات ومانعة لنمو البكتيريا، ومفيد لالتهابات اللثة وتسوس الأسنان وينظف الأسنان من الرواسب ويقوى اللثة، يستخدم في حالات التهابات الزور وصعوبة البلع، ويدخل شمع النحل في صناعة الكريمات والمراهم وأدوات التجميل.
النبى واجتهاداته البشرية
يقول محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الرسول لم يكن طبيبًا، وإنما كان رسولا من الله لهداية الأمة للطريق الصحيح، أما وصفه لبعض الأدوية فهى اجتهاد شخصى وليست وحيا منزلا من السماء، ومن هنا فلا يجوز التعامل معها بالطريقة التي نتعامل بها مع التشريعات الخاصة بالدين، فما نقل عن الرسول ينقسم إلى نوعين الأول الخاص بالفقه وأمور الدين كالصلاة والزكاة والتشريعات السماوية في أمور الزواج والميراث وغيرهما، وتلك الأحاديث تأخذ كما هي، كتشريع، أما الجزء الآخر فهو خاص بحياة الرسول الدنيوية غير الملزمة لنا، حيث إن الرسول كان يتعامل بما هو رائج في عصره، والذي عبر عنه بحديث «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، أي ترك لنا الفسحة لمجاراة تغيرات العصور، والتطورات، ورأيه في بعض الأمور الطبية يندرج تحت ذلك البند.
ويضيف «الشحات»، أن ذلك لا يجوز أن يستخدم الآن كبديل للطب في ظل التقدم العلمى، فاللجوء إلى الأطباء عند المرض واجب شرعى حثتنا عليه الآية الكريمة «واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وفى المرض الأطباء هم أهل الذكر، فضلًا عن أحاديث الرسول التي حثت على التداوى وعلى رأسها قوله «ما خلق الله من داء إلا وجعل له دواء».
وفيما يتعلق باستغلال البعض لتلك الأحاديث ووصفات النبى وتصديرها كبديل عن الطب، يرى عضو مجمع البحوث الإسلامية أن ذلك ليس إلا عمليات نصب مشرع باسم الدين، والدين منه براء، حيث يعتمدون على بعض الأحاديث الضعيفة للترويج لسلع معينة، وقد تجد أحدهم يضع على عبوة عسل فاسدة أو سيئة الجودة آية «فيه شفاء للناس» لجذب الناس للشراء، مؤكدًا على ضرورة مواجهة تلك القنوات والمراكز التي تبيع الوهم للناس، فالنبى لم يكن يومًا داعمًا للخرافات التي يحاول البعض إلصاقها به لتحقيق مكاسب تجارية.
ويقول سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: لا يوجد شيء اسمه الطب النبوى، فهذا ليس سوى خرافة روج لها أصحاب المصالح لتحقيق مكاسب مادية، كما فعل البعض عندما ركزوا على الحج كونه أحد أركان الإسلام، وخرجت مئات الكتب والبرامج التي تدعو إلى الحج وتحبذ تكراره، لصالح شركات السياحة والفنادق التي تستفيد من ذلك وغيره، بدلًا من الحديث عن كفالة اليتيم أو غير القادرين أو الصلاة بصفتها ركنا من أركان الإسلام هي الأخرى.
ويضيف «الهلالى»، الحجامة والعسل وغيرهما من الأشياء التي يروج لها صانعو تجارة الطب النبوى ما هي سوى أساليب كانت موجودة في عهد الرسول، ولم تكن توجد تلك النظريات العلمية، ولم يكونوا قد وصلوا إلى ما وصلنا إليه الآن من العلم، ومن ثم فلا يجوز تصدير «أسلوب الحياة» على أنه «دين» يأثم من لا يتبعه.
الحجامة.. علاج فرعوني
في الوقت الذي دُشنت فيه مئات المراكز العلاجية بالحجامة، بصفتها هدى نبوى وسنة يجب اتباعها، معتمدين على الأحاديث التي قالها الرسول، حيث ورد في المسند، وسننِ أبى داود، وابن ماجة، أن الرسول قال: ﴿إنْ كان في شيءٍ مما تداويتم به خيرٌ فالحجامة﴾، فضلًا عن الحديث الذي ذكر في الصحيحين، عن أنس رضى الله عنه: أنه سُئلَ عن أُجرةِ الحجَّامة، فقال: احتجم رسول الله، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال: ﴿إنَّ أَمْثَلَ ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري﴾، كما أخرج أحمد في المسند والترمذى وابن ماجة في السنن والحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله: «ما مررتُ بملأ من الملائكة ليلةَ أسرى بى إلاّ كلهم يقول لى: عليك يا محمد بالحجامة».
إلا أن أحدًا لم يذكر أن تاريخ الحجامة يعود إلى الإغريق واليونان والفراعنة، فكانوا أول من تداوى بها، فورد في دراسة حديثة أن الحجامة التي تعرف باسم «كابنج ثيرابي» استخدمت عند الفراعنة ووجدت رسوم تدل عليها في مقبرة الملك توت عنج آمون، وعرفها الإغريق القدماء واليونان وانتشر استعمالها في عهد أبو قراط، كما عرفت في فرنسا، وأكدت الدراسة أن الحجامة ازدهرت في العصر الإسلامى حيث وردت في أحاديث الرسول حينما قال «إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة»، وكان الصينيون يستخدمون تقنية الحجامة في بعض أنواع العلاجات حيث يتم تقسيم الجسم إلى خطوط ونقاط طاقة، حيث توضع كئوس الهواء على هذه النقاط لشفط الدم الفاسد وبالتالى تنشيط المنطقة المتصلة بالعضو المصاب.
وأكدت الدراسة أهمية إجراء هذه التقنية تحت إشراف طبى كامل وألا تجرى من قبل أشخاص لا يشرف عليهم أطباء، لأن الكثير من المخاطر يمكن أن تحدث للشخص الذي تجرى له الحجامة، ولا يستطيع الحجام غير المؤهل طبيًا التصدى لها.
من النسخة الورقية