الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محمود درويش مرفوض بأمر أئمة فلسطينيين!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا يُصرّ كثير من رجال الدين، ومن رافعى الشعارات الإسلامية، على تشتيت الجماعة الوطنية بالخروج على القضايا التى يتركز حولها الاهتمام، بطرحهم مسائل هى أبعد ما تكون عن النفع؟! بل كثير ما يكون التورط فى التعامل مع مقترحاتهم تبديداً حقيقياً للطاقة، كما أنه غالباً ما يكون مجرد طرحها باعثاً على الفُرقة والتفريق!
هناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الناس وبعضهم البعض فى داخل مصر وخارجها، تجمع بينهم نفس العقلية، ونفس الأداء، وعادة ما يكون ضدهم نفس ردود الأفعال!
الانطباعات الأولى للموضوع هذه المرة يمتزج فيها الدهشة والحزن! فكيف يعترض بعض الفلسطينيين على تسمية أحد الشوارع فى مدينة فلسطينية باسم محمود درويش؟ ثم من أين تأتى الجسارة لهم بأن يأخذوا خطوة إلى الأمام ويتقدموا بعريضة رسمية إلى الجهات المسئولة فى إسرائيل بطلب تغيير الاسم؟ ولماذا يتصدر عدد من أئمة المساجد هذه المبادرة؟
كانت بلدية إحدى المدن الفلسطينية، الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى منذ اتفاقية الهدنة عام 1949، قررت إطلاق اسم الشاعر الكبير على أحد الشوارع، ولكن الأئمة لم يعجبهم الاسم، وزعموا أنه وصلتهم اعتراضات كثيرة من أبناء المدينة، ممن لجأوا إلى المسجد للشكوى، ومن رواد المواقع الإلكترونية، ومن غيرهم! وادعى هؤلاء الأئمة أنهم يمثلون الأغلبية وأنهم يعترضون على إطلاق اسم درويش!
وقالوا فى عريضتهم إلى المسئولين: "إننا نتقدم بشكل حضارى لحوح ومرموق... حتى نتمكن بمعيتكم من أن نحافظ على الممتلكات والنظام العام ورفض الفوضى.. إلخ"
دَعْ عنك التلويح بالتهديد، وانظر إلى أنهم يقترحون بدلاً من اسم درويش أن يُختار الاسم من أسماء تحمل معاني إسلامية، إما شارع "الأقصى"، أو القدس"، أو "مكة"، أو "الخلفاء"! وقالوا: إن هذه أسماء تحمل الكثير من المعانى والذكرى الدينية والسياسية، وإن حبها عقيدة فى نفوس المسلمين.
ليست المسألة، إذن، إطلاق اسم يحبونه على أحد الشوارع، وإنما هى إلغاء إسم درويش! ولكن، لماذا لا يطالبون بإطلاق هذه الأسماء على شوارع أخرى مع الإبقاء على شارع درويش؟
ثم أنهم لم يقدموا أى تفسير عن هذه العلاقة الشرطية الغريبة التى تسعى لإلغاء اسم درويش وهم بصدد فرض الاسم الذى يريدونه؟ ولماذا درويش بالذات؟ ألا يعرفون أن له ملايين من المعجبين والمتحمسين، وأن طرحهم سوف يفتح باباً للخلاف لا يمكن أن يتغير فيه موقف المؤيدين له؟ ومن هو المستفيد من تلك المعارك التى تشغل الناس عن واقع الاحتلال، ويتعمد فيها البعض أن يشعلوا الخلاف على رمز فلسطينى وعربى وعالمى للقضية الفلسطينية؟ هل هناك خلاف عن أن إسرائيل هى المستفيد الأكبر؟
جاءت التفسيرات فى تعليقات كثيرة على الموضوع فى الموقع الفلسطينى الذى نشر الخبر، ليس من مؤيدى درويش، ولكن ممن يمثلهم أئمة المساجد، فقد وجّه عدد منهم لمحمود درويش سباباً مقذعاً حتى يبدو وكأن كثيرين منهم لا يعرفون أنه رحل عن عالم الأحياء!
قال أحدهم: إنه لا يقبل أن يُطلَق اسم أحد الكفار على شارع فى مدينتهم! وقال آخر: إن درويش ماسونى، وقال ثالث: إنه عاش ومات تاركاً وراءه ثروة الكفر والضلال والحرام، واستنكر آخر ما يقال عن نضال درويش وقال: إنه لا يُعرَف عنه إلا الكلام والكلام والكلام، وطالب آخر بوجوب شطب اسمه لأنه لم يشارك فى أى من الفتوحات!!
هذه التعليقات تثبت تدهور التعليم، إلى درك ضعف مهارة التعبير عن الفكرة، والتهور فى البت فى موضوع ليس للمتحدث أدنى دراية به، ثم الجسارة فى الافتئات على الحقيقة، قبل أن يكون عدواناً على شاعر كبير بقامة استثنائية!
ويمكن لباحث أن يقوم بتحليل مضمون هذه التعليقات ويتتبع هذا التكرار فى الألفاظ مع محدودية الفكرة.
من حق كل إنسان أن يعلن رأيه فى موضوع ما أو فى شخص ما، قبولاً أو رفضاَ، ولكن المعرفة بالموضوع شرط أساسى. فهل، حقاً، قرأ هؤلاء شعر درويش؟ هل استمعوا لتسجيلاته؟ هل قرأوا مقالاته وحواراته؟ هل عرفوا شيئاً عن سيرته ومسيرته؟ هل عرفوا آراء الشعراء والكتاب من ثقافات مختلفة فيه؟ هل عرفوا تاريخه السياسى قبل مغادرته الأرض المحتلة وهو فى عز الشباب؟ هل تابعوا مواقفه بعدها؟ هل هم على إطلاع بعلاقاته بالمنظمات الفلسطينية؟
ألا يُذكِّرك هذا بما فعله بعض السلفيين فى عزّ زهو ثورة يناير بعد أيام من النجاح فى الإطاحة بمبارك، عندما خرجوا من مخبأهم الاختيارى منذ دهر، وقرروا فجأة أن يشاركوا فى العمل العام، ليس برأى فى الحدث الجلل غير المسبوق فى حياة المصريين، ولكن بالمطالبة بعودة "أختى كاميليا"؟ ولم يستشعر أحد منهم الحرج أنه يدخل ميدان الثورة الذى يرفع شعار "مسلم ومسيحى إيد واحدة"، ليقول هو رأياً آخر!
وقبلها، وبينما كانت الثورة تعيش أكثر لحظاتها حرجاً، إذا بالإخوان، جماعتهم الأم، يدخلون فى مفاوضات لينالوا بها مكاسب لجماعتهم مقابل أن يبيعوا الثورة ويتركوا الميدان!
لماذا يصر هؤلاء الناس على أن يكونوا فى خندق مواجه لاختيارات الشعب؟
لقد حكى جمال عبد الناصر عن حديث بينه وبين مرشد الجماعة فى الخمسينيات، صرح له المرشد بأن للجماعة حساباتها الخاصة التى لا تلزمهم أن يشاركوا فى معركة وطنية ضد قوى الاستعمار، وأنه من الوارد أن تختلف الأولويات!