الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سامح قاسم يكتب: بين ميلينا وفرمينا داثا

سامح قاسم
سامح قاسم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأحد
"ثمة جديد اليوم لعله يفسر عديدا من الأشياء، يا ميلينا (يا له من اسم، غني، له وقع ثقيل، حتى ليصعب التقاطه، لم أكن أحبه كثيرا في البداية، ذلك أنه كان يبدو لي اسما يونانيا أو رومانيا قد ضل طريقه إلى بوهيميا، فاغتصبه التشيكوسلوفاكيون، ولفقوا نطقه، لكنه قد تحول شكلا، ولونا، إلى امرأة، امرأة يحملها المرء بين ذراعيه إلى خارج العالم، وخارج النيران، لست أدري أية نيران، بينما تضغط هي نفسها، راضية، مطمئنة، إلى ذراعيك،... اللكنة القوية فقط في الـ(ي) سيئة، ألا يواصل ذلك الاسم قفزاته مبتعدا عنك؟ أو لعلها فقط تلك القفزات التي قفزتها أنت نفسك بكل العبء الذي يجثم فوق كاهلك؟).
ميلينا له جرس خاص في القلب يا كافكا ربما حجب وقعه عنك الخوف المهول من "المحاكمة"، أو الرغبة الملحة في الفرار من "مستعمرة العقاب"، لكن ردده مرات عشر يا رجل، ستجد له لحنا يطرب له المحبين.
ميلينا.. ما أحلاه. ميلينا يا كافكا، تلك البعيدة التي انتشلتك من الصمت، وحررتك أمام صفحاتك، التي ظلت بيضاء بفعل الملل.
لم تكن تدرك، ولا هي، أن ترجمتها لقصصك إلى التشيكية ستقودك إلى السهر طويلا، لتكتب لها عشرات الرسائل عن أوهامك وأحلامك وآلامك وعالمك المضطرب، المليء بالخوف والإزعاجات والمسوخ.
ميلينا يا كافكا تمتلك طاقة سحرية ، بها تنتزعك من براثن الخوف والتردد والكآبة والسل، ورسائلها القادمة من بعيد تحمل البشارة ففسرها جيدا.
أتعلم يا كافكا أنها تسهر كثيرا، لتخط لك ما تطالعه كل صباح، لتثلج قلبك المشتعل بالهزائم والمكائد؟
أتعلم أنك لها الملاذ الأخير، وأنها مثلك مترددة، خائفة، محملة بالتجارب السيئة والملعونة؟!
توقف عن الخوف والكآبة والتردد يا كافكا ولا تتوقف عن مراسلة ميلينا، ولا تتجنب لقاءها.. كيف لا تشعر بالحرج إذا ما فعلت ذلك وأنت الذي قلت لها: "أنتِ تكدحين في الترجمة وسط أجواء فيينا الكئيبة، وهذا ـ إلى حد ما ـ محرج بالنسبة لي".
من أين ستأتيك القوة لتتوقف عن نطق "ميلينا".. كيف ستحرم أذنيك من جرس هذا الاسم؟! ألم تقل بنفسك" ميلينا، أي اسم غني وكثيف، غني، ممتلئ، مفعم لأي درجة يشق عليّ حمله".
عليك أن تدرك يا كافكا أن ميلينا التي تقتلها المسافات، ستحتفظ بيومياتك ومذكراتك ورسائلك، بينما اعتقدت فرمينا داثا أن فلورنتينو إريثا رجل أحمق ومصاب بالهوس، لا لشيء، إلا أنه ظل يلاحقها خمسين عاما طمعا في نظرة.
فرمينا تخلصت من كل رسائل فلورنتينو يا كافكا بينما هو احتفظ بجديلتها... وميلينا احتفظت برسائلك ويومياتك لنعرف كم كنت عظيما أضناه السل والهوى.