الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة في واقعنا الكنسىي.. أزمة الريان نموذجًا "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
(9) الإكليريكية والتجريف
لم تتوقف ارتباكات الإكليريكية عند هذا الحد، بالمخالفة للتوقعات التى بنيت على رسامةأاسقف متفرغ لها ولمنظومة التعليم، يتمتع بمواهب الحضور والتواصل تخرج فى كلية ذات صلة بالتعليم ـ كلية الآداب ـ وتكونت خبراته المعرفية فى واحدة من أكبر المكتبات الوثائقية الآبائية بدير السريان، التى تولى مسئوليتها وإدارتها منذ عودته إلى دير السريان بعد أيام قليلة من خروجه مؤيداً للأب متى المسكين، كانت العودة تأسيساً على نصيحة أسداها له صديقه ورفيقه فى اللجنة العليا لمدارس الأحد وهيب عطا الله فى زيارة خاطفة لدير أنبا صموئيل المعترف، وكمكافأة من رئيس دير السريان "الأنبا ثيئوفيلوس"، الذى اعتبر عودته انتصاراً له، اسند اليه الإشراف على مكتبة الدير التراثية لسنوات حتى إختياره فى سكرتارية البابا كيرلس السادس، وهى فترة التأصيل الفكرى لرؤية تشكلت وتبلورت على امتداد سنوات طويلة فى احتكاك مباشر بمدارس الأحد بدأت مع اقترابه من مؤسسها الارشيدياكون حبيب جرجس 1948، الذى ضمه الى اللجنة العليا لمدارس الأحد، ليصبح واحداً من قادتها، فضلاً عن حركته المكوكية بين الجمعيات القبطية والكنائس فى خدمة تعليم الشباب بلا توقف.
كانت رسامة الأب أنطونيوس السريانى أسقفاً التعليم باسم الأنبا شنودة عام 1962، ثم لأسباب مختلف عليها يقوم البابا كيرلس السادس برسامة القمص باخوم المحرقى ـ وهيب عطا الله ـ أسقفاً للدراسات العليا اللاهوتية، والثقافة القبطية والبحث العلمى باسم الأنبا غريغوريوس فى 1967، كان كثيرون يرونها خطوة فى استكمال بناء منظومة التعليم، بينما كانت الغرف المغلقة تمور بالصراعات، فقد رأى أسقف التعليم أنها إفتئات على صلاحياته واقتطاع منها، وشبهها باقتتطاع جزء من ايبارشية فى حياة اسقفها ومنحها لآخر، وفى خطاب مسهب أكد على أن أسقفية التعليم ليست أسقفية عامة بل هى إيبارشية مكتملة ومن ثم لا يجوز رسامة أسقفين عليها فى وقت واحد وتتشكل بوادر الصدام بين الأسقفين، اصدقاء الأمس القريب والبعيد، وتتسارع الأحداث ليعود أسقف التعليم إلى ديره بتعليمات مباشرة من البابا البطريرك، بعد أن شهدت صفحات مجلة الكرازة تصعيداً متوالياً فى مواجهة البطريركية فيما يتعلق بالإكليريكية وميزانيتها، وقد حسبه الأسقف تضييقاً متعمداً، بسبب تمسكه بقول الحق، فيكتب افتتاحية مجلة الكرازة ـ مارس / أبريل 1967 ، بعنوان "كلمة الحق لها ثمن"، ثم تخرج مجلة الكرازة ـ اكتوبر 1967 ـ محملة بالكثير من الرسائل فى اتجاه التصعيد، يكتب الأسقف فى نهاية مقاله سطوراً كاشفة عن عمق الأزمة بعد ان استعرض ابعادها برؤيته، تقول:
"لقد اضطررت يا إخوتى القراء أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا فى مصير كليتكم الإكليريكية.. أما أنتم يا إخوتى الإكليريكيين، فإن كان بسببى قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد أن أبتعد لكى تهدأ الأمور، أنا مستعد أن أرجع إلى الدير، إلى مغارتى المحبوبة فى الجبل، إقضى بقية أيام غربتى هناك، وأريح واستريح "ويكفى اليوم شره" أما الإكليريكية فهى كأى عمل من أعمال الله ـ لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأى عمل من أعمال الله لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات].
ثم ترد عبارة {ربنا موجود} فى برواز كبير، عقب هذه الكلمات وقبل توقيع الكاتب "شنودة أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية".
وتتوقف المجلة عن الصدور ولا تعود مجدداً إلا بعد تجليس الأنبا شنودة بابا وبطريركاً، وكان العدد الأول من الإصدار الثانى يناير مارس 1972، وتتعمق الفجوة بين قداسته وبين اسقف البحث العلمى خاصة بعد قبول الأخير عضوية اللجنة الخماسية التى تشكلت لإدارة العلاقة بين الكنيسة والدولة بعد أحداث سبتمبر 1981 التى انتهت باعتقال قداسة البابا تحت مسمى "التحفظ" واغتيال الرئيس السادات فى حادث المنصة أكتوبر من نفس العام، بفارق زمنى ثلاثون يوماً، فقرار الاعتقال 5 سبتمبر بينما واقعة الاغتيال 6 أكتوبر (ورغم اغتيال الرئيس السادات وتولى نائبه مهام الحكم لحين تنصيبه رئيساً إلا أن قداسة البابا بقى رهن التحفظ ـ الاعتقال ـ ثلاث سنين وبضعة أشهر، حتى عاد إلى كرسية بصدور قرار جديد بتعيينه فى 7 يناير 1985، فى حين تم الإفراج عن العديد من الرموز السياسية الذين شملتهم قرارات سبتمبر، بعد تولى الرئيس الجديد مهامه بأربعين يوماً واستقباله لهم فى القصر الرئاسى، كان من أبرزهم السيد فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد، الدكتور ميلاد حنا، والكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، والنائب جمال أسعد).
وتنعكس توترات العلاقة بين أسقف التعليم وأسقف البحث العلمى على الإكليريكية ومنظومة التعليم بجملتها، ومنتجها، وتزداد توتراً بعد أن يصبح أسقف التعليم بطريركاً، وتبقى العلاقة بين قطبى التعليم محملة بأسئلة تحتاج لإجابات موضوعية، وقد انتقلت من الحميمية فى شرخ الشباب، والنضال المشترك فى اللجنة العليا لمدارس الأحد، وتجلت لحظة رسامة أسقف التعليم، وكلمته المفعمة بالحب تجاه رفيق عمره، ثم الشرخ العميق الذى تصدر العلاقة بعد رسامة الأخير أسقفاً للبحث العلمى، ثم محاولات التوفيق التى تكسرت على صخرة قبوله عضوية اللجنة الخماسية، ثم كم الأنين الذى تحمله مذكراته التى دونها فى أوراقه (موسوعة الأنبا غريغوريوس ـ السيرة الذاتية ـ الجزء الثانى (مجلد 39) الأنبا غريغوريوس والإكليريكية، والجزء الثالث (مجلد 40) الأنبا غريغوريوس منذ اللجنة الخماسية حتى نياحته ـ 2012 اعداد الإكليريكى منير عطية).
وعلى الرغم من إدراك القائمين على التعليم ـ آنذاك ـ لكون الإكليريكية معهداً علمياً أكاديمياً، إلا أنهم لم يستكملوا هيكلة هيئة التدريس وفق المعايير الأكاديمية، فيما يتعلق بالدرجات العلمية الأكاديمية المتخصصة التى يتوجب توفرها فيمن يقوم بالتدريس، الأمر الذى انعكس بالتبعية على مستوى خريجيها، ويقف وراء تدهور التعليم الكنسى، الذى يتولاه هؤلاء من خلال مواقعهم الكنسية التى صاروا فيها فيما بعد.
وازداد الأمر تعقيداً عندما شرع كثير من الآباء الأساقفة فى إيبارشياتهم بافتتاح إكليريكيات محلية، أعادت إنتاج نفس انساق الإكليريكية الأم، فحملت نفس السلبيات وعمقت من أزمة التعليم الكنسى.
وتقفز الأسئلة الحائرة كيف ولماذا وإلى أين؟.
ومازال التنقيب فى الجذور مستمراً فإلى الأسبوع القادم.