الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الشيطان الفارسي في القاهرة

نطق مكتب رعاية مصالح إيران فى مصر فقال كفرًا

الزعيم الأعلى الإيرانى
الزعيم الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإيرانيون يتعاملون بـ«نظرية المؤامرة» وما نشرناه حول تورطهم في «حادث العريش» تؤكده كل الشواهد والمعلومات
رد «مبعوث خامنئي» على «البوابة» حق يراد به باطل و«الشيطان» يريد أن يصدق أنه ملاك طاهر بريء

كان يمكن أن أتعامل مع الرد الذي أرسله لنا مكتب رعاية مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقاهرة - على نشرنا لاتهام صحف غربية لطهران بأنها متورطة في تفجير قسم شرطة العريش - باعتباره من بين أنشطة العلاقات العامة التي يقوم بها المكتب، فمن واجبه أن يتابع ما تنشره الصحف المصرية عن إيران، ومن حقه أن يتواصل ويرد ويصحح إذا أراد، أو إذا كان لديه ما يصحح به.
لكنني توقفت -قليلًا- أمام المنطق الذي تعامل به الإيرانيون مع ما نشر، وقد حرصنا على إثبات المصادر التي عرضت وناقشت وفندت واتهمت، فهم ينطلقون من أرضية نظرية المؤامرة، فما تنشره الصحف الغربية في هذا الإطار يأتى في سياق المؤامرة الصهيونية التي تسعى إلى إيجاد فجوة وزعزعة العلاقات بين الدول الإسلامية الكبرى، وصرف الرأى العام لهذه الحكومات والدول عن الخطة التخريبية لهذا النظام الغاصب، وهى المنبع الأصلى لضرب استقرار وأمن المنطقة.
فما يقوله الإيرانيون ليس إلا كلمة حق يراد بها باطل، فنحن نؤمن أن إسرائيل ليست بريئة مما يحدث في المنطقة، أياديها ملوثة بالدماء تقف في خلفية ما يحدث، فهى تسعى إلى إضعاف الجميع حتى تظل هي القوية، لكننا نؤمن أيضًا ولدينا شواهد كثيرة، أن إيران تمتلك نفس العقلية التآمرية الراغبة في السيطرة وبسط النفوذ ومد أياديها على كامل المنطقة.
وإذا كان كلام الصحف الغربية وفى مقدمتها الإسرائيلية لم يعجب مكتب رعاية مصالح إيران في القاهرة، فلدينا كلام آخر ردده مصريون لهم حيثية أمنية، درسوا الملف وتابعوه عن قرب، وجزموا جميعًا بأن إيران لها أيادٍ واضحة في حالة الاضطراب التي تعيشها المنطقة، ليس بداية من ٢٠١١ عندما انطلقت الثورات الشعبية تأكل الأخضر واليابس، ولكن قبل هذا بكثير.
لم تكن الثورة المصرية قد حطت رحالها بعد، الشباب كان لا يزال في ميدان التحرير، وإذا بمرشد الثورة الإيرانية على خامئنى، يدلى بدلوه يشدد على أهمية استمرار الثورة إلى أن تبلغ غاياتها، ودعا المصريين إلى متابعة نضالهم حتى إقامة نظام شعبى قائم على الدين، وبلغ به الجنون السياسي عندما قال: إن ما يحدث في مصر هو نتاج للثورة الإيرانية.
أراد خامئني مبكرًا جدًا أن يصادر الثورة المصرية لحسابه، هل كان يريد أن يوحي للجميع أن إيران ترعى جانبًا من هذه الثورة؟ يبدو أنه كان يريد ذلك بدليل أنه ألقى خطبته باللغة العربية حتى تصل مباشرة للمعتصمين في ميدان التحرير، لكن المعتصمين رفضوا ما قاله في إشارة مبكرة إلى أن هناك من يرفض الدور الإيراني الذي كان يمهده خامئنى بكلامه.
لكن إيران لم تكتف بما قاله خامئنى، أطلقت علينا على أكبر صالحى وزير خارجيتها، ليتحدث عن دعم إيران للثورة المصرية، ولم ينس في نفاق سياسي واضح أن يثنى على الشعب المصرى صانع التاريخ والثوري الكبير.
وبعد أن خرج الثوار من ميدان التحرير وتفرقت بهم السبل، أرادت إيران أن تؤكد على مشاركتها في الثورة ودعمها لها، عندما استقبلت في يونيو ٢٠١١ وفدًا من عائلات شهداء الثورة، كانت الزيارة بدعوة من الرئيس الإيرانى وقتها محمود أحمدى نجاد، وخرج عدد كبير فيما يشبه الوفد الشعبى ليحصل على البركة من مرشد الثورة الإيرانية، في خطوة لم تكن مفهومة وقتها على الإطلاق، لكنها وضعت إيران في قلب الثورة.
اتهام إيرانى بالعبث في مصر ووقوفها وراء الإرهاب تدريبًا ودعمًا وتمويلًا لم يكن شأنًا غربيًا فقط، وهنا أعيد نشر ما قاله فيصل العتيبى المحامى الكويتى، الذي كان أحد أعضاء هيئة الدفاع عن مبارك في قضية قتل المتظاهرين.. فقد قال نصًا: «إن ثورة ٢٥ يناير كانت مخططًا تم إعداده من حزب الله وحركة حماس وإيران بغرض تقسيم مصر إلى ٣ دويلات، وتم إسقاط نظام مبارك لمحاولته الكشف عن هذا المخطط ونجح بالفعل في إجهاضه».
بصرف النظر عن قصور وجهة نظر العتيبى، فقد كانت هناك أسباب داخلية كثيرة للثورة، فلم تكن بفعل التدخلات الأجنبية فقط، لكن كلام العتيبى لابد أن يوضع في سياقه تمامًا، فقد ساهمت هذه القوى وغيرها في تغذية الثورة بهدف التخلص من نظام مبارك بشكل كامل.
والآن هل يعتبر مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة ما قاله المحامى الكويتى محاولة لإيجاد فجوة وزعزعة العلاقات بين الدول الإسلامية الكبرى.
يمكن أن يحتج مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة بأن فيصل العتيبي في النهاية ليس إلا محامٍ لمبارك، ومن الطبيعي أن يقول ذلك، وهنا أقف مع ثلاثة من خبراء الأمن المصريين، الذين تحدثوا عن رغبة إيران في أن يكون لها دور في مصر بعد الثورة.
الأول هو اللواء أحمد عبدالحليم، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، التي قال في مايو ٢٠١٣ عندما كان محمد مرسي يحتل قصر الرئاسة: إن إيران نجحت في الحصول على معلومات من حركة حماس تتعلق بثورة ٢٥ يناير، وهذه المعلومات تُسيء لجماعة الإخوان المسلمين، وبدلًا من أن تنشر إيران هذه المعلومات، لتفضح الإخوان فإنها تستخدمها كورقة ضغط على النظام في مصر، وهو ما أدى إلى عودة القائم بالأعمال المصرى إلى دمشق مرة أخرى في موقف غريب يتناقض مع موقف النظام في سوريا فيما قبل.
الثانى هو اللواء حسن عبدالرحمن، مدير جهاز أمن الدولة في عهد مبارك، والذي قال في شهادته أمام المحكمة في قضية الهروب من السجون: إن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، سلم مسئول الحرس الثوري الإيراني ١١ جواز سفر مصريًا مزورًا لتسهيل دخول عناصرهم إلى مصر خلال ثورة ٢٥ يناير، وذلك أثناء مؤتمر دمشق الذي حضره المستشار السياسي لخامئنى.
لم يكن المتسللون إلى مصر في ٢٥ يناير من أعضاء حركة حماس فقط، ولكنهم كانوا من أعضاء الحرس الثورى الإيرانى، وطبقًا لشهادة عبدالرحمن، فإن المتسللين تمكنوا من اختراق حاجز قناة السويس ودخول الأراضى المصرية بمساعدة العناصر الإجرامية من بدو سيناء وتجار المخدرات والسلاح، حيث تم الاتفاق معهم على الإعفاء عن عدد منهم في حالة وصولهم إلى الحكم.
وأضاف عبدالرحمن أن المتسللين للحدود المصرية احتلوا شريطًا حدوديًا في مدينة رفح المجاورة لغزة بطول ٦٠ كيلو مترًا، وتراجعت عناصر التأمين بتلك المنطقة لأن تسليحهم وفقًا لاتفاقية السلاح محدود، وكان المهاجمون يستخدمون أسلحة ثقيلة وسيارات دفع رباعى وتعدت بشراسة عليها، مما أدى إلى تراجع القوات الحدودية، وبعد ذلك انطلقت مجموعات من تلك العناصر إلى مدينة الإسماعيلية، وتوزعت إلى مجموعات اتجه بعضها إلى محافظة البحيرة نحو سجن وادى النطرون، وبعضها إلى محافظة القليوبية نحو سجنى أبوزعبل والمرج وبعضها إلى مدينة القاهرة للمشاركة في التظاهرات.
هذه شهادة من مسئول أمنى مصرى، صحيح أنه كان متهمًا في عدد من القضايا، ومن الطبيعى والمنطقى أن يدافع عن نفسه، ويلقى بالاتهامات على الآخرين، لكن في النهاية نحن أمام معلومات موثقة، ولم ينكرها أحد إلا بكلام إنشائى عقيم، مثل الذي أرسل به مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة إليه، في معرض دفاعه عن إيران والتأكيد على عدم مشاركتها في دعم الإرهاب في سيناء الآن، دون أن يدرى من كتب هذا الكلام التافه أن من فعلها مرة، مؤكدًا أنها يمكن أن يفعلها مرات.
الثالث هو الصقر تامر الشهاوى، الذي عمل لسنوات طويلة في جهاز أمنى حساس، وكنت قد أجريت معه حوارًا مطولًا، ومن بين ما قاله في حواره المنشور هنا في «البوابة»، إن لدى الأجهزة السيادية اتفاقًا واضحًا على أن هناك عدة مشروعات في المنطقة منها التركى والإسرائيلى والإيرانى والأمريكى، وهى مشروعات رغم ما بينها من تناقضات ظاهرة، إلا أنها تتفق جميعًا في أن الملتقى لابد أن يكون في القاهرة، وبعد ٢٥ يناير وجدنا أن القائم بالأعمال الإيرانى يتحرك تحركات مريبة في مصر، وعلى الفور تم رصد تحركاته، وتم التنبيه عليه أن يلتزم بدوره ولا يتجاوزه، إلا أنه في الأغلب لم يستجب لهذه التحذيرات، لأنه كان يعتقد أن مصر أصبحت أرضًا طيعة ومناسبة للتمدد الإيرانى، ويبدو أنه كان على ثقة بأن الوقت أصبح مواتيًا لتكشف إيران عن أهدافها في مصر.
وكانت المفاجأة -والكلام لا يزال لتامر الشهاوي- أن محمد مرسي عندما أصبح رئيسًا رسميًا قرر أن يدخل ٢٠٠ ألف سائح إيراني إلى مصر، هذا رغم أنه كان هناك تقدير موقف مرفوع له من المخابرات الحربية يحذره من التقارب الإيرانى، لكنه أصر على رأيه، وجاء بالفعل وفد سياحى إيرانى إلى مصر، واستلزم هذا أن تكون هناك إجراءات أمنية غير عادية، وتأمين على أعلى مستوى، لأننا كنا نعرف أن هؤلاء ليسوا سياحًا فقط، فقد كان من بينهم أعضاء في الحرس الثورى الإيراني، جاءوا للاستكشاف ودراسة الأوضاع على الأرض، ويمكن أن نقول بصراحة إن محمد مرسي سمح بدخول جواسيس إيرانيين إلى مصر تحت الرعاية والحماية الرسمية.
ما الذي يمكن أن يقوله مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة عن كلام الشهاوى وغيره من المسئولين الأمنيين المصريين، هل هو أيضًا محاولة للإيقاع بين مصر وإيران، إننا ننقل شهادات من عملوا في أجهزة أمنية وكانوا على دراية واطلاع بما جرى، ثم لماذا يجتهد المكتب ويتحدث عما تردده الصحف الصهيونية؟، هل لأنها تحدثت عن وقائع بعينها، وأشارت إلى متهمين بأعينهم، ثم لماذا يتجاهل كاتب الرد العلاقات الواضحة بين إيران وإسرائيل؟، أم أن نظام الملالى يريدنا أن نغمض أعيننا، وأن نصدق كل ما يقولونه لنا، لمجرد أنهم يجيدون كتابة الكلام الإنشائى الذي لا قيمة له على الإطلاق.
يدرك من حرر رد مكتب رعاية مصالح الجمهورية الإيرانية بالقاهرة أن بلاده تقف موقفًا معارضًا -تماما- لمصالح الدول العربية في اليمن، ولذلك فهو لا يتخلى عن هذا الموقف عندما يقول نصًا: «وتؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على موقفها الثابت والواضح بمعارضتها لكل فعل من شأنه أن ينتهك سيادة اليمن وسلامة أراضيها، وعلى وجوب وقف جميع العمليات العسكرية، وتصر على أن التحرك العسكري لن يكون حلًا لمشكلات اليمن، بل سيزيد الأمور تعقيدًا، لذا يجب العودة إلى طاولة المفاوضات على أساس التوافقات السابقة».
لم نكن نتحدث عن قضية اليمن من الأساس، لكنهم أقحموها في ردهم علينا، ابتعدوا عن صلب القضية، أرادوا أن يشوشروا على الاتهام الأساسى، اعتبروا ما قالته الصحف الغربية عنهم كذبًا، ورغبوا في تصحيحه، دون أن يجتهدوا لتأكيد صدق موقفهم، ولا ما يؤكد أنهم بعيدون عن الإرهاب الذي يضرب مصر منذ ٣٠ يونيو.
مرة أخيرة كان يمكن أن أتعامل مع رد إيران على ما نشرته «البوابة» بشكل عابر، فما قالوه لا يستحق عناء الرد، فهو كلام أجوف، لا يخرج إلا ممن يتعمدون الكذب علينا، لكن ولأن هناك ما يشير إلى تورط إيران في زعزعة استقرار مصر منذ ٢٥ يناير، فكان لابد أن نثبته، ونواجه من يريدون منا أن نتحرى الدقة عنهم، ونطلب منهم أن يردوا على كل هذه الاتهامات والوقائع، فالشعوب المكلومة لا يكفيها الكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع.. إننا نأوى شيطانًا بيننا، وهذا الشيطان لا يكتفى بما يفعله في الخفاء، بل يريدنا أن نصدق أنه ليس إلا ملاكًا طاهرًا وبريئًا.
من النسخة الورقية