السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الدراسات العليا بمصر.. سهر الليالي وإنفاق آلاف الجنيهات والنتيجة "عاطل مع مرتبة الشرف".. الطلاب: نحمل لقب عاطلين ونسعى للتعيين في وظائف مناسبة وتعويض ما فقدناه من عمرنا.. وخبراء: القطاع الخاص هو الحل

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت الوقفات الأخيرة لحملة الماجستير والدكتوراه أمام مجلس الوزراء ومطالبتهم بالتعيين أسوة بزملائهم من الدفعات 2003-2013 النقاب عن الواقع "المرير" الذي يعيشه طلاب الدراسات العليا في مصر، على اختلاف درجاتهم بداية من الدبلومة وحتى الدكتوراه وقد تنتهي رحلتهم الشاقة في طلب العلم والدرجات العلمية الأعلى إلى حمل لقب "عاطل مع مرتبة الشرف"، ما دفع "البوابة نيوز" لإجراء هذا التحقيق الاستقصائي لإجلاء الحقيقة الغائبة عن المسئولين الذين يتعاملون مع طلباتهم باستخفاف وربما يعاملوهم على أنهم "كم مهمل"، والدليل على ذلك رفض كثير من مديري ورؤساء المصالح الحكومية استلام خطابات الترشيح لحملة الماجستير بالتعيين في الهيئات والمصالح الحكومية والتي صدرت من جهاز التنظيم والإدارة.
وأول ما وجدناه في بحثنا عن أحوال هذه الشريحة من الشباب المصري، أن هناك نحو 271 ألف مقيد في مرحلة الدراسات العليا في الجامعات المصرية في عام 2013 بحسب النشرة الدورية الصادرة عن وزارة التعليم العالي 2012-2013 بزيادة 86% عن عام 2009، وهو ما يؤكد إقبال هؤلاء على الحصول على درجة علمية أفضل وأعلى قد تساعدهم في حياتهم العملية والحصول على وظيفة مناسبة.
كما أشارت النشرة السنوية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي من حصل على الدبلومة أو الماجستير أو الدكتوراه يقدرون بنحو 68، 500 شاب وفتاة مصرية، في مجالات التربية والعلوم الاجتماعية والأعمال التجارية والقانون والصحة والخدمات الاجتماعية بالترتيب، كما وجدنا أيضا أن جامعة القاهرة وعين شمس يتهافت عليها الطلاب بعد التخرج نظرا لمكانتهما بين باقي الجامعات حتى خارج مصر.
وأيا كانت الأرقام ومؤشراتها وأعداد هؤلاء الذين يشقون على أنفسهم، فالمؤكد أنهم ينفقون مبالغ طائلة ويضيعون أحلى سنوات عمرهم ما يتسبب لهم في كثير من الأحيان في تأخر سن الزواج ولا يحصدون إلا المرارة والأسف في ظل عدم استفادة معظمهم بالشهادة العليا التي حصلوا عليها، وهذه شهادة بعضهم التي أصروا على نشرها بدون حذف أو مونتاج لعل أحد يجيبهم عن سؤال طرحوه "كنا بنتعب نفسنا ليه؟" وقد ينتفع غيرهم من المقبلين على تلك الخطوة المهمة في حياتهم فيتراجعوا عنها.
بدت "مي إبراهيم" يائسة في حديثها عن عمرها الذي أفنته في الدراسات العليا قائلة "أنا خريجة أداب وعمري 34 سنة ولم أتزوج حتى الآن وكنت أرفض أي عريس بسبب الدراسات العليا فإما أنه لم يكن مناسب لطموحي العلمي أو أنه لم يكن موافق على استكمالي طريقي للدكتوراه، وبعد ما يزيد عن 10 سنوات، اكتشفت أني أضعت عمري هدرا، فلا العريس المناسب جاء ولا الوظيفة الميري في الجامعة جاءت، حتى أني توقفت عند الماجستير ولم أكمل رغم أني أنهيته منذ عدة سنوات بعد أن حصلت في البداية على دبلومة في التربية".
وأوضحت "نجوى عمر" هي الأخرى أنها تتابع ما ينشر عن طلاب الدراسات العليا والحصلين على الماجستير والدكتوراه ورغم ذلك مستمرة في الدراسة لأن الغيب عند ربنا، ومن الممكن أن يأتي الدور عليها في التعيين، مشيرة إلى أنها في مرحلة التمهيدي وأمامها مشوار مع الماجستير، مؤكدة أنه بلا شك الجو العام يدعو لليأس والإحباط لكن لا مفر لأنها تريد تحقيق ذاتها من خلال الدراسات العليا، فهي أفضل من "قاعدة البيت وانتظار العريس"، وتتيح أمامها فرص عمل في القطاع الخاص في مجال المحاسبة وهو مجال تخصصها، رغم ما في ذلك من مشقة في الوقت والجهد وإنفاق المال، فالمرتب كله تقريبا يضيع على الأبحاث والكتب، ويبقى الدور على الوظيفة الحكومية التي لا يعرف أحد شروط القبول فيها.
وجاء رأي أسامة محمد حاصل على ماجستير في الحقوق دفعة 2010 ليؤكد أنه في النهاية تساوى مع أي زميل له خريج حقوق لأنه وبعد انتظار لم يدم طويلا تم تعيينه في الشئون القانونية في إحدى الجهات الحكومية، ليتوقف طموحه عند الماجستير ويتخلى عن حلم الدكتوراه، قائلا: "تحولت من عاطل مع مرتبة الشرف إلى موظف درجة خامسة"، مضيفا أنه فضل أن يستكمل حياته الأسرية ويتزوج قبل أن يفوت الأوان ويتعسر عليه الزواج في ظل زيادة تكلفة الدراسات العليا وكذلك ضعف المرتب.
واعترفت "كريمان صالح "أنها تدرس في مرحلة التمهيدي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهدفها الأساسي أن تحصل على منحة للدراسة خارج مصر وتشترط في الغالب الحصول على التمهيدي، مبدية شكواها من زيادة تكاليف الدراسات العليا والتي من وجهة نظرها يجب أن تتكفل بها الحكومة أسوةا بالدول الأخرى التي تنفق على طلاب الدراسات العليا، قائلة:" كفاية إني بتعب علشان أفيد بلدي.. المفروض يقدرونا أكتر من كدة"، وأشارت إلى أن الحكومة تنظر إلى طلاب الدراسات العليا والحاصلين على الماجستير والدكتوراه على أنهم مجرد حاملين لشهادات "آلاف بلا جدوى" والتعيين يكون بالصدفة أو بالمعارف والمحسوبية كما هو متعارف عليه، فليس شرط التعيين لأنك حاصل على دكتوراه، مطالبة بخفض التكاليف وكذلك أعداد المتقدمين للدراسات العليا لأن ما يهم إدارة الجامعة هو تحصيل الرسوم وفي النهاية الموضوعات التي يمنح عليها الماجستير والدكتوراه تكون بلا هدف أو قيمة علمية حقيقة.
وأوضحت "أية الله عصام" طالبة في التمهيدي ماجستير في كلية الإعلام أنها بدأت الدراسات العليا طمعا في التعيين في الحكومة لأن المؤهل العالى أكيد له فرصة أحسن في ظل انخفاض فرص التعيينات بين المؤهلات العليا، منوهة إلى أنها تطلب العلم للفائدة الشخصية ثم لتفيد بلدها والبشرية كلها، ولا تنظر كثيرا إلى ما يحدث لحملة الماجستير والدكتوراه ولا تعرف كثيرا عن مصيرهم لأن هذا قد يسبب لها الإحباط.
كما أقر "مصطفى أمين" حاصل على ماجستير في الاقتصاد وتم تعيينه منذ أشهر قليلة في أحد الأحياء كموظف بدرجة "باحث" وهو ما اعتبره تعويضا مناسبا "أحسن من مفيش" بعد سنوات من التعب والانتظار لفرصة طال غيباها، مشيرا إلى أن سيفكر طويلا قبل أن يقرر أن يكمل للحصول على الدكتوراه فالمرحلة القادمة في الغالب الاستعداد للزواج حتى لا يضيع العمر، في ظل عدم وضوح معايير ثابتة للاستفادة من الماجستير والدكتوراه في الجهاز الحكومي.
وبعد كل تلك الآهات المكتومة والتي لمحناها في شهادات طلاب الدراسات العليا وحملة الماجستير، يأتي كلام رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، د. جيهان عبد الرحمن، للرد على السؤال حول معايير اختيار وقبول الحاصلين على الماجستير والدكتوراه وتعيينهم في الجهاز الإداري للدولة، وقد ظهر واضحا في الآراء السابقة، حيث أفادت أن هناك لبسا يحدث عند كثيرين منهم لأن القانون عند تحديد الوظائف الشاغرة يشترط المؤهل العالي وليس المؤهل الأعلى، فلا يوجد إلزام على الحكومة في تعيينهم وحتى إذا حدث استثناء يكون في شريحة أوائل الدفعات من الخريجين الجدد، لكن رغم يتم تعيينهم على مراحل تقديرا لتعبهم وجهدهم.
وبينت "عبد الرحمن" أن قانون الخدمة المدنية الجديد ينظم المسائل المتعلقة بالتعيينات الحكومية وكيفية التقدم للوظائف حسب مسابقات عامة منعا للشكوك في نتائجها أو ما يثار من تدخل المحسوبية في التعيينات سواء للخريجين أو حملة المؤهلات الأعلى.
وبحثا عن تداعيات وأثار الدخول في معترك الدراسات العليا على الشباب قالت خبيرة علم النفس وصاحبة الدراسة الشهيرة عن ظاهرة العنوسة في مصر د. "إيمان البطران"، أنه وبكل أسف نجد أن نسبة كبيرة ممن يجتهدون في طلب العلم والحصول على المؤهلات الأعلى من دبلومة ماجستير ودكتوراه يلحقون بقطار العوانس من الإناث كما يشغل ذلك أيضا الذكور من الشباب عن الزواج قبل سن الـ 30 سنة، لأنها تأخذ الوقت والجهد والمال، ويجد الشباب نفسه قد وصل لسن الثلاثين ولم يأخذ أي خطوة في الاستقرار والزواج، مما قد يسبب لهم بعض التوترات النفسية، ناهيك عن الإحباط الذي قد يكون مصاحبا للجو العام في البلد والذي يصعب فيه الحصول على الوظيفة الحكومية على وجه التحديد.
وأشارت خبيرة علم النفس إلى أن طالب الدراسات العليا في الغالب يتجه إلى استكمال المشوار العلمي إحساسا منه بأن الحصول على درجة أعلى قد يسهل عليه التعيين في الحكومة خاصة في بعض التخصصات، وهناك من يحرص عليها من المعينين بالفعل في الحكومة مثل الأطباء للاستفادة العلمية والعملية، وبهدف إرضاء الغرور العلمي وهو عامل مشترك عند أغلب الخريجين في مصر فرغم الصعوبات التي يواجهونها فما زالت العبارة الشهيرة أننا "بلد بتاع شهادات" سارية وراسخة في الوجدان.
وطالبت "البطران" الشباب من تلك الفئة بعدم انتظار التعيين الحكومي والبحث عن بدائل في القطاع الخاص فربما تكون الفرصة أفضل من حي الاستفادة العملية من الدرجة العلمية التي حصلوا عليها، وعندما يأتي التعيين يكون هو صاحب الاختيار أما القبول أو الاستمرار في القطاع الخاص.
ومن وجهة النظر الاقتصادية أكد الخبير الاقتصادي والمحلل المالي "إبراهيم عبد الغني" أن الجهاز الإداري للدولة متخم بملايين الموظفين الذين لا يستفاد منهم كما ينبغي، وهو ما يجعل الحكومة تفكر 1000 مرة قبل إجراء أي مسابقة للتعيينات وتكون الحاجة ماسة إليها فعلا، منوها إلى أن قطار الخصخصة ماض في طريقه وإن تأخر في بعض المحطات، لأن الاقتصاد العالمي يفرض ذلك خاصة على الاقتصاديات الضعيفة والنامية التي تريد لنفسها أن تنهض، لأنه ليس من المعقول أن تلتزم الحكومة بتعيين عشرات الآلاف من الخريجين كل عام ولا وظائف حقيقة لهم ما يمثل عبء وحمل زائد على الموازنة العامة للدولة، لذلك عليهم بالسعي للوظيفة في القطاع الخاص.