الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فإنه سيحرق البشر في النهاية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكدت مديرة تعليم الجيزة التي أشرفت على جريمة حرق الكتب بإحدى المدارس أنه في الطريق عشر مدارس أخرى سوف يتم حرق الكتب التي تزعم المسئولة التربوية أنها كتب مخالفة، والكتب المخالفة من بينها الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق 1925، وهو الكتاب الذي دفع كاتبه ثمن هجومه على فكرة الخلافة التي حلم وسعى إليها الملك فؤاد.
ونحن الآن في انتظار محارق جديدة كما صرحت ووعدت المسئولة التربوية التي أشرفت بنفسها على حرق الكتاب، وفي ظلال النيران كانت تصدح موسيقى أغنية يا أغلى اسم الوجود يا مصر، ومصر تلك صاحبة أغلى اسم في الوجود مسكونة بالجهلة الذين يقدسون جهلهم ويحترمونه، ويعدوننا بمزيد من الحرائق كما حددت المسئولة التربوية بل أنها أكدت على سلامة موقفها وأشك أن تكون قد قرأت صفحة من الكتب التي أعدمتها ولا الكتب التي تنتظر الإعدام، فلو كانت قرأت هي أو غيرها من المتحلقين حول النيران لأدركت خطورة ما فعلته، خطورة تصل لمستوى الجريمة تربويا وأخلاقيا، فقد تم وقائع الإعدام والانتشاء بالسنة اللهب وطقطقة أوراق الكتب أمام أطفال في سن تشكل الوجدان والوعي.
إن جريمة إحراق الكتب في عام 2015 ،ينذر بالكارثة التي تنبأ بها في عام 1823 الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" في مسرحية مأساة المنصور :" لم يكن ذلك الحريق سوى التمهيد.. فأينما حرق المرء الكتب فإنه سيحرق البشر في النهاية"، أن الجريمة التي ارتكبت في رحاب مدرسة لتربية الأجيال وتعليمهم وإعدادهم لقيادة هذا الوطن هي جريمة تمهد بدم بارد وعقل مغلق لإحراق هذا الوطن.
هي نفس النيران التي أحرقت كتب بن رشد في القرن الثاني عشر، والتهمت مع كتبه همة وعزم وعقل هذه الأمة، وأغلقت نوافذ النور، وألقت بنا منذ ذلك الزمن وحتى الآن في غياهب الظلمات نتخبط عميانا، ولا نجد سبيلا للخروج منها.
وماذا بعد الرقص البربري حول رفات الضحايا، وماذا بعد كل هذا الغثاء الذي لن ينتج إلا مزيدا من التعصب والتطرف ثم الإرهاب، هل عجزت مصر العريقة عن الخروج من مأزقها الوجودي، وهل ستظل مكبلة الأقدام بسلاسل الجهل وكبر الجهلة!.
جريمة تضاف لبقية الجرائم المسكوت عنها والتي تعالج بترسانة المواءمات الانتهازية الراسخة، جريمة تضاف إلى جرائم لم يتخذ حيالها موقف قانوني، جريمة سبقها وصف الحضارة الفرعونية بالحضارة العفنة وتم السكوت عن الواصف، جريمة سبقها جريمة تحطيم تمثال طه حسين في المنيا وتشويه تمثال عروس البحر في الإسكندرية جريمة سبقها جريمة تصريح فاجر ووقح لأحد من يشكلون العقل والوجدان بهدم الأهرامات والتماثيل الفرعونية .
مستقبل هذا الوطن مهدد، ودولة تتعامل مع هذا الواقع البغيض ورموزه برخاوة تستدعي آلاف الأسئلة دونما إجابة، ودونما فعل إلا السكوت على مزيد من الجرائم.