الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل التعايش ممكن مع إيران؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
والإجابة على السؤال هى بالتأكيد نعم، التعايش ممكن مع إيران بل وضرورى، ولو لم تكن هناك إمكانية للتعايش لوجب خلق هذه الإمكانية وتطويرها، ذلك إن إيران قائمة فى الإقليم كحقيقة جغرافية وتاريخية وثقافية وسياسية، وستظل كذلك، ولا يمكن للعالم العربى تجاهل ذلك لا فى الحال ولا فى الاستقبال، ومن الضرورى الاحتفاظ بكل الخيوط للتواصل والحوار رغم المشكلات القائمة التى تسبب فيها التمدد الإيرانى فى بعض الدول العربية، بل يبدو هذا التواصل والحوار مفتاحا إضافيا لحل ومعالجة المشكلات.
ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر حول أى إيران هذه التى يمكن التعايش معها؟ هل هى إيران الحالية ذات الطموحات الإمبراطورية التى تتمحور حول المذهب والطائفة وإعادة إنتاج التاريخ لتسويغ التمدد الإقليمى فى العالم العربى، أم إيران الدول الأمة التى تكتفى بحدودها الموروثة والمعروفة والتى يقرها المجتمع الدولى والعالم العربى معه؟
التعايش غير ممكن مع إيران ذات الطموحات والتطلعات الإقليمية والتمدد فى الإقليم العربى واستثمار وجود طوائف شيعية صغيرة فى بعض الدول العربية فى بحر من العرب السنة، ذلك لأن هذا التعايش غير ممكن أصلا بسبب تداعيات وآثار هذا التمدد ومن بينها تفكيك الدول وتسويغ الصراعات المذهبية وانتشار الإرهاب والسلاح فى أيدى جماعات تستهدف السيطرة على الدول الوطنية وتفكيكها إلى إمارات مذهبية وطائفية أو فرض سيطرة القلة على الأغلبية، هذا التعايش يعنى الاعتراف بالأمر الواقع ويعنى كذلك الموافقة الصريحة عليه، وفوق ذلك وبالإضافة إلى ذلك فهو يعنى الضعف والاستسلام أمام هذه النزعة الإمبراطورية الإيرانية، وأخيرا وليس آخرا فإن هذا وذاك يصب فى محصلة استمرار هذا التحول وشرعنته وفتح الباب واسعا أمام الرغبة الإمبراطورية الإيرانية فى التوسع والتمدد على حساب وحدة العالم العربى ووحدة دوله وهويتها العربية ومصالحها الاستراتيجية والسياسية.
على النقيض من ذلك فإن التعايش مع إيران الدولة الوطنية الأمة ممكن وضرورى باعتبارها جارًا حضاريا وإسلاميا رغم اختلاف المذهب، إيران الدولة الأمة لا بد وأن تدرك أن عالم اليوم لا يعترف إلا بالدولة الوطنية والحدود الوطنية الدولية المعترف بها وذلك منذ معاهدة ويستغاليا وأن المجتمع الدولى المعاصر لا يعترف بالامبراطورية دينية كانت أو سياسية أو استعمارية، فجميع الدول الوطنية أعضاء فى المجتمع الدولى على قدم المساواة صغيرها وكبيرها ولهم ذات الحقوق والواجبات فى هذا التعايش المشترك الإنسانى أى حفظ السلم والأمن الدوليين وتقاسم وتبادل المنافع وفقا لقواعد الاتفاق والتراضى بين الدول.
داخل إيران كدولة يوجد الاتجاه نحو التوسع والإمبراطورية والتمدد الإقليمى كما يوجد الاتجاه نحو تعزيز مقومات الدولة الوطنية الأمة التى تستطيع التواصل مع العالم بلغته وآلياته المعاصرة، لكن الاتجاه المسيطر على صناعة القرار هو الاتجاه الأول أى الاتجاه المسكون بالتوسع والأحلام الإمبراطورية، والعالم العربى بصرف النظر عن نتائج المواجهة بين التحالف العربى وين الحوثيين فى اليمن مطالب اليوم أكثر من أى وقت مضى بالتواصل والحوار مع ممثلى الاتجاه الآخر أى الذى يمثل الدولة الأمة المكتفية بحدودها والحريصة على التعاون والحوار مع الجوار العربى وغير العربى بهدف تنظيم الاستفادة من المشروعات المشتركة والإمكانات المختلفة للجميع.
هذا هو منظور التعايش المشترك بين إيران وبين جيرانها العرب الذى يتأسس على قاعدة احترام سيادة الدول وحق الشعوب فى تقرير مصيرها بنفسها دون تدخل خارجى إقليمى أو دولى وتبنى لغة الحوار فى معالجة المشكلات ذات الطابع المشترك بين الدول، ولا شك أن العرب وإيران ليسوا استثناء من تلك القواعد التى أثبتت نجاحها وفاعليتها فى العديد من المشكلات.