الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"دواعش فضل"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جريمة مكتملة الأركان دبرتها ونفذتها إحدى المدارس الخاصة بمنطقة فيصل بالجيزة.. حيث قامت إدارة مدرسة "فضل" بتنظيم "احتفالية عصماء" ليست تربوية ولا اجتماعية ولا حتى ترفيهية وإنما لحرق عشرات الكتب التي تتحدث عن الحضارة الإسلامية والفكر الديني الإسلامي. تفاصيل المأساة بدأت بعد تداول صور على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر" حول حرق 57 كتابا داخل فناء المدرسة، وبطبيعة الحال لم يفوت مسئولو المدرسة فرصة التقاط الصور التذكارية رافعين علم مصر حول الكتب المحترقة في صورة لا تقل بشاعة ولا إجراما عن تلك المذابح والمحارق التي ينفذها تنظيم داعش الإرهابي.
الأمر الذي أثار استنكار نشطاء التواصل الاجتماعي، ودفع المدرسة لإصدار بيان اعتذار عن الحرق، وقالوا في نصه "دأبنا على الالتزام بجميع القرارات الوزارية واحترام النظام العام للدولة، وسلكنا الطريق المشروع لرفع الظلم، حيث حصلنا على حكم قضائي لصالحنا ببطلان التحفظ على الكتب".
المثير في الأمر أنه بالبحث عن سجلات مدرسة "فضل" وجد أنها كان قد صدر بشأنها قرار بالتحفظ عليها ضمن ممتلكات الإخوان في 2013.. مما يفهم منه الهدف الأساسي من تلك المحرقة والذي يتلخص في المحاولة الفاشلة للتبرؤ من الانتماء لجماعة الإخوان بحرق الكتب الإسلامية على طريقة الرجل الذي يشرب الخمر ويلعب القمار ويرتاد أوكار الرذيلة ليدرأ عن نفسه تهمة الانضمام لجماعات دينية.
وقد بدأت أزمة المدرسة، في ديسمبر من عام 2013، أي بعد أربعة أشهر من عزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، عندما قررت اللجنة الوزارية لحصر أموال جماعة الإخوان، التي أزيحت من الحكم في 3 يوليو من ذات العام، التحفظ على 87 مدرسة إخوانية من بينها مدرسة "فضل" الحديثة للغات التي تقع بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، وذلك بناء على حكم من محكمة الأمور المستعجلة بحظر جماعة الإخوان المسلمين والتحفظ على أموال أعضائها.
المدهش أن قائمة الكتب المحروقة لم تتضمن أي كتب عن الفكر المتشدد أو التكفيري بل شملت عدة مؤلفات "منهج الإصلاح الإسلامي" لشيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود، الذي يتناول تطبيق الإسلام في حياتنا اليومية، ودور الدين في الإصلاح الاجتماعي، وطريقة تكوين شخصية المسلم الحق، مع تطبيق مبدأ الالتزام والتوكل على الله. كما شملت أيضا كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ الأزهري على عبد الرازق، وكان لصدوره عام 1925 ضجة كبيرة بسبب رفضه فكرة الخلافة الإسلامية ودعوته لتطبيق نظام الحكم المدني، وهو ما تسبب في أزمة سياسية ودينية واسعة، دعت هيئة كبار علماء الأزهر إلى محاكمته وفصله من العمل كقاض، وقيل حينها إن قرار الأزهر جاء بأوامر من الملك أحمد فؤاد، الذي كان يمهد لتكوين خلافة إسلامية في مصر بعد انهيارها في تركيا.
كما أحرقت المدرسة كتابا يرد على على عبد الرازق وهو "أصول الحكم في الإسلام" لأستاذ القانون الدكتور عبد الرازق السنهوري، الذي يقول فيه: "إن إنكار علاقة الإسلام بالسياسة والحكم هو تأويل غير صحيح للرسالة المحمدية، وإنكار دون دليل للحقائق التاريخية الثابتة"، مؤكدا أن "النبي كان في مكة نبي حزب، وكان في المدينة زعيم أمة ومنشئ دولة، ورأس الحكومة الإسلامية، وكان وليًّا على المسلمين في أمور دنياهم، كما كان الهادي لهم في شئون دينهم".
وتفسر هذه الواقعة الخطيرة بكافة تفاصيلها حالة استمراء واستباحة الهجوم على كل ما يمت للدين الإسلامي بصلة كدليل براءة من التطرف والإرهاب.. فليس من الضروري أن يكون من قام بحرق هذه الكتب الإسلامية والدينية في مدرسة فضل علمانيين ولا ليبراليين ولا يساريين فالأكيد أنهم مجموعة من رجال ونساء جهلة فكريا ويسعون فقط لنفي تهمة الانتماء للإخوان بأي طريقة حتى لو كانت حرق كتب تتحدث عن الحضارة الإسلامية ومكان المرأة والتسامح وكلها أفكار تنويرية.
وبالطبع لم نسمع صوتًا لجميع ادعياء التنوير ولا المتاجرين بمفاهيم حرية الفكر من العلمانيين والليبراليين على هذه الجريمة التي تكشف عن حجم التطرف الذي وصل اليه بعض أنصار السلطة ممن يسعون لمناصب ونفوذ فانتشرت بينهم روح داعش بحرق كتب يظنون أنها تنجيهم من عذاب تهمة الانتماء للإخوان.
الأمر ذاته يفسر ظهور بعض أدعياء الثقافة من جهلة ومرتزقة الإعلام أمثال إسلام بحيري وإبراهيم عيسى اللذان وجدا في مهاجمة الإسلام والتطاول على أحكامه وشريعته خير وسيلة للشهرة.. حتى وإن كان الطريق إليها بسوء السمعة.