الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرية لأعداء الوحدة الوطنية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انقبضت قلوب كثيرة فى طول البلاد وعرضها مع بيان الداخلية قبل يومين، بسبب ما جاء فيه عن الاستعدادات الفائقة للوزارة لتأمين كاتدرائية الأقباط والكنائس فى عموم البلاد لحماية المسيحيين وهم يؤدون صلاتهم فى عيد الميلاد المجيد، تحسبا من وقوع هجمات دامية من الإرهابيين الذين يعملون تحت شعارات الإسلام!
ما هذا التوحش وضيق الأفق الذى تلبَّس البعض إلى حدّ أن يُزهقوا أرواح المختلفين فى الدين؟ وما هذا التساهل فى اتخاذ قرار بقتل إنسان؟ ومن أى مصدر متسامح استمدوا مبرر القتل فى أبشع صوره، على الهوية، دون التحرى عن مسئولية الضحية المستهدفة فيما يؤمنون أنه جُرم يستحق صاحبه القتل؟ وكيف لا يكترثون لضرورة وقوع ضحايا عابرين ليسوا طرفاً من قريب أو من بعيد فى العداء الذى آمنوا بأسبابه ضد فئة معينة؟ وما هذه الحجج الواهية التى يسوقونها فى تبرير سقوط كل القتلى والجرحى الذين قد يكون بينهم بعضُ من ينتمون إلى دين هؤلاء المجرمين؟
وإلى جور كل هذا، ما هو المستهدف من اعتماد رفع السلاح والقتل العشوائى؟ هل يتوهمون أن هذا السبيل يمكن أن يعيدهم إلى السلطة؟ وكيف يحسبون أن الناخبين يمكن أن يمنحوهم ثقتهم بعد ما رأوا منهم؟ أم أنهم يفكرون أنهم يمكن أن يصلوا إلى الحكم بالغصب؟
فى كل يوم، ومع زيادة اكتشاف جوانب كانت غائبة عن حقيقة أن موضوع الإرهاب أكثر تعقيداً مما كان يرى العامة والمتخصصون، يزداد الاقتناع بأنه من الظلم، كما أنه من أخطاء السياسة الجسيمة، ومن سقطات عدم الأخذ بالمنهج العلمى فى تحليل القضايا المركبة، أن يُكتفَى بإلقاء عبء علاج ظاهرة الإرهاب على كاهل قوات الجيش والشرطة وحدهما.
تكفى الإشارة إلى جانب واحد من هذه المُدرَكات الجديدة، فقد كانت المقولات السائدة حتى وقت قريب تحصر أسباب انضمام الشباب للجماعات الإرهابية، التى تعلن أن مرجعيتها إسلامية، إلى بيئة الفقر، أو إلى التعليم المغلق على الدراسات الدينية التى تتضمن ما يؤدى إلى التطرف بالسلاح! فجاءت التجارب العملية عبر السنوات القليلة الأخيرة لتثبت خطأ هذا الاستنتاج، بعد أن توفرت المعلومات المؤكدة، بالأسماء والتفاصيل، عن انضمام أفراد إلى التنظيمات الإرهابية من مستويات اجتماعية ثرية، وآخرين من أعلى أوساط التعليم الأجنبى العلمانى أو من الدراسين فى دول الغرب! 
هل الحكومة جادة بالفعل فى علاج جرائم الإرهاب من منابعها فى ظل الاعتراف بهذا التعقيد؟ وهل لديها حقاً الرؤية السليمة للتعامل مع الأمر؟ لماذا، إذن، لا تبدأ بنتفيذ الدستور الذى لا يجيز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى؟ لماذا لم تتخذ، حتى الآن، إجراء ضد هذه الأحزاب؟ لماذا لم تسع إلى تحريك دعوى قضائية؟ ولماذا يتساهل بعض أعضاء الحكومة فى الرخصة التى منحها له القانون بإعطائه صلاحية استثناء غير الأزهريين فى إرتقاء منابر المساجد، وبدلاً من أن يمارس هذه الصلاحية فى إتاحة الفرصة للأكثر استنارة الذى يعمل عن عقيدة على رأب الصدع وعلى توطيد أواصر الوحدة الوطنية، إذا بهذا المسئول ينعم بالاستثناء على من كانوا بالإسم هم السبب الرئيسى فى إصدار القانون لمنعهم؟ هل يكون المسئول مطلق الحرية إلى هذا الحد؟ 
لقد فرض التناقض نفسه على كل مهموم بوجوب أن تتوافر شروط الوحدة الوطنية. وإليك عينة ممن جرى استثناؤهم من القانون والسماح لهم بالخطابة فى المساجد، وهم معروفون بالإسم والعنوان والوظيفة، وبسابق الخبرة فى شق صفوف الوحدة الوطنية بفتاوى عن عدم جواز تهنئة الأقباط بالعيد، وعن عدم جواز إلقاء الزوج المسلم السلام على زوجته القبطية؟ بل لقد أفتى هؤلاء بعدم جواز أن يُكنّ هذا الزوج مشاعر الحب لزوجته القبطية؟ وقالوا إنه من الممكن أن يمارس معها العلاقة الحميمة بلا مشاعر! متحججين بأن الأمر ليس صعباً لأن من يغتصب إمرأة لا يكن لها هذه المشاعر النبيلة التى يفترضون أنها يجب أن تكون مقصورة على النساء المسلمات!
كيف تُعفَى الحكومة كلها، ورئيس الحكومة على رأس الجميع فى تحمل المسئولية، فى خطأ بهذه الجسامة من بعض أعضائها، برغم أن المسئولية الحكومية تضامنية؟ هل حقاً تصدى بعض أعضاء الحكومة لهذا الخطأ؟ ولماذا لا يزال الخطأ سارياً حتى الآن فى ظل صمت إزاء النقد المدعوم بالدستور والقانون؟ 
وهل من الممكن الاطمئنان إلى الحماسة الفورية من بعض رموز الأزهر الشريف إلى دعوة الرئيس السيسى بالقيام بثورة فى الخطاب الدينى؟ وكيف تتسق هذه الحماسة مع حربهم الضروس ضد من طالبهم بأقل من ذلك بكثير قبل دعوة الرئيس بأيام قليلة؟ أم هى على الأغلب، كما تبدو، مجرد إنحناءة، أو مناورة، أمام موجة قادمة من الرئاسة لا قبل لهم بالتصدى لها؟
لقد تفانى أبناء الجيش والشرطة، طوال السنوات الأخيرة، فى مواجهة الإرهاب، ودفعوا الثمن غالياً من حياتهم ومن صحة أجسادهم، وحققوا نجاحات كبيرة حتى وصلنا إلى وضع أفضل مئات المرات مما كان عليه الحال غداة تحقيق إرادة الشعب فى التخلص من الحكم الكارثى للإخوان. وهذه حقيقة لا يجادل فيها سوى مكابر. ولكن هذا المسار وحده لا يمكنه أن يحسم القضاء على الإرهاب، وإنما يلزم أن تقوم بقية المؤسسات الأخرى بمسئولياتها.
أما هذا الخذلان المبين الذى يتبدى فى عدم مشاركة الجميع بقوة، وفى عدم استبعاد كل مسئول يتقاعس عن واجبه فى التصدى، فهو الذى أوصلنا إلى وضع تعس تصدر فيه الداخلية بياناً، وقبلها تجد نفسها مضطرة، إلى اتخاذ الاستعدادات الفائقة لحماية مواطنين مصريين وهم يؤدون صَلاتهم، من إرهاب يستهدف قتلهم، وأيذاءهم إيذاء مادياً جسيماً، على الهوية!