الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

التفاصيل الكاملة لـ"عملية خصخصة التعليم الجامعي"

تنفيذا لـ"توصيات البنك الدولي"

الدكتور طارق شوقى،
الدكتور طارق شوقى، عميد كلية الهندسة بالجامعة الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحصول على ٧٠٪ شرط تكفل الدولة بـ«المصروفات» في شكل «منح دراسية»
«الراسبون» يتحملون تكاليف تعليمهم.. ومقترح بـ«التدرج» في التطبيق
الاستشارى للتعليم التابع للرئاسة يقود التنفيذ
«نصار»: بقاء المجانية بوضعها الحالى «غير ممكن»

وفقًا للدستور المصرى، فإن «التعليم حق تكفله الدولة على أن يكون مجانيًا في مراحله المختلفة»، إلا أن المؤشرات تنبئ الآن بحدوث تغيير في مجانية التعليم الجامعى. الحادث الآن أن المجلس الاستشارى لشئون التعليم والبحث العلمى قد تقدم بمقترح لتقليل الإنفاق الحكومى على دعم التعليم الجامعى من خلال ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب. «البوابة» تحقق في هذا الملف المهم، حيث تعرض المقترح المقدم من المجلس الاستشارى للتعليم، وعلاقته بتوصيات البنك الدولى، وموقف رؤساء الجامعات من الأمر.
البداية كانت لدى المجلس الاستشارى لشئون التعليم والبحث العلمى، برئاسة الدكتور طارق شوقى، عميد كلية الهندسة بالجامعة الأمريكية، الذي شكله الرئيس عبدالفتاح السيسى، سبتمبر الماضى، حيث تقدم المجلس بمجموعة مقترحات تحت عنوان: «تطوير التعليم»، كان أبرزها تقليل الإنفاق الحكومى على دعم التعليم الجامعى من خلال ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب.
طبقًا للدكتور طارق شوقى، فإن النظام الجديد سيشمل شكلًا جديدًا لعملية دفع المصروفات الدراسية، إذ ستتكفل الدولة بدفعها بشكل كامل، لكن للطلاب الحاصلين على ٧٠٪ على الأقل من مجموع درجاتهم في شكل «منح دراسية»، بينما سيدفع الطلاب الحاصلون على أقل من هذه النسبة جزءا من المصاريف الدراسية، فيما يتكفل الطلاب الراسبون -في المواد كل- بدفع مصاريف الدراسة بشكل كامل. ويقول «شوقى»: إن الطالب يكلف الدولة مصروفات دراسية سنوية تتراوح من ٧ إلى ١٠ آلاف جنيه، طبقًا لنوع الدراسة التي يدرسها والجامعة المقيد فيها كل طالب، ويضيف، أن «السياسة الجديدة تستهدف تغيير عقلية المصريين فيما يخص مجانية التعليم، فالنظرة إلى التعليم المجانى كحق مكتسب آن لها أن تنتهى».
ثار جدل كبير حول المقترح، إذ رأى خبراء مختصون بالشأن الجامعى أنه يتنافى مع المادة «١٨» من الدستور، التي تنص على أن: «التعليم حق تكفله الدولة، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم كله، وتكفل استغلال الجامعات ومراكز البحث العلمى»، وكذلك المادة «٢٠»، التي نصت على أن: «التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجانى في مراحله المختلفة».
ولا يخالف المقترح الدستور فقط، بل يعرض أيضًا الإعلان العالمى لحقوق الإنسان في مادته ٢٦ التي تنص على أن: «لكل شخص حق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانًا، على الأقل في مرحلته الأساسية، ويكون التعليم الفنى والمهنى متاحًا للعموم، ويكون التعليم العالى متاحا للجميع تبعا لكفاءاتهـم».
يقول الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة: إن مجانية التعليم لا يمكن إلغاؤها، بل يجب أن تظل، لكن السؤال الأهم هو: «كيف تكون المجانية؟ موضحًا: «لا يمكن أن تستمر الدولة في دفع المصروفات لطالب يرسب سنوات عديدة، فقد كان من المقرر أن يحصل على مؤهله في ٤ سنوات، ثم يأتى ويحصل عليه في ٢٠ سنة، ويترك ليتعلم مجانًا طول هذه السنوات».
ويشير «نصار»، إلى وجود أكثر من مقترح لمواجهة الأمر، إذ يمكن للطالب الذي يرسب لأول مرة أن يدفع جزءًا من المصروفات الأساسية، ثم المرة المقبلة يدفع مبلغًا أكبر، حتى يتحمل التكلفة بشكل كامل إذا استمر في الرسوب، وفى حالة عدم قدرة الطالب على السداد يمكن أن يحفظ له قيده، ويذهب للعمل، ويأتى بأموال ليعود للدراسة.
يبرر المقترح بدفع ملايين في الدروس الخصوصية في التعليم قبل الجامعى والجامعى أيضًا، بينما التعليم منهار بشكل كامل لعدم وجود إمكانات، فليس هناك الآن مدارس، أو معامل، أو مدرجات للطلاب، ثم يأتى البعض يطلبون النهوض بالتعليم.
ويضرب مثلًا بأن طالب كلية الطلب يكلف الجامعة ١٥ ألف جنيه سنويًا، يدفع منها ١٦٥ جنيهًا، فيما تتراوح نسبة الرسوب بين ١٠ و٢٠٪، وتتراوح النسبة في الكليات النظرية بين ٣٠ و٦٠٪، وتكلفة الطالب ٧ آلاف جنيه سنويًا، ويقول: «إذا دفع الطالب التكلفة الفعلية سيحصل على تعليم عالى الجودة وأفضل من الجامعات الخاصة».
بحسب «نصار»، فإن جامعة القاهرة لديها ١٧٠ ألف طالب، وتلبغ نسبة الرسوب ٢٠٪، أي ٣٤ ألف طالب، وإذ دفع الطالب ٥ آلاف جنيه –في المتوسط- كتكلفة فعلية للسنة الدراسية، سيدخل خزينة الجامعة ١٧٠ مليون جنيه سنويًا، وبذلك لا تتحمل الدولة أي عبء، ويتم إنفاق المبلغ على تطوير الجامعة، فالموازنة العامة لها تبلغ مليارا و٤٠٠ مليون جنيه سنويًا، يذهب ٨٠٪ منها لبندى الأجور والمكافآت.
وفقًا لتقرير متابعة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن متوسط الإنفاق الكلى السنوى للأسرة (الإنفاق الاستهلاكى وغير الاستهلاكي) بلغ ٢٢٢٤٥.٧ جنيه مصرى، بمتوسط شهرى قدره ١٨٥٤.٦ جنيه، فيما يصل متوسط الإنفاق الكلى السنوى للأسرة في الحضر والريف إلى ٢٦٦٦٣.٢ جنيه.
ويبلغ متوسط الإنفاق السنوى على التعليم للأسر التي لديها أفراد ملتحقون حاليًا بالتعليم إلى ٣٧٠٦.١ جنيه مصرى، بنسبة ١٦.٧٪ من إجمالى الإنفاق السنوى للأسر لإجمالى الجمهورية.
كما يبلغ حجم الإنفاق الاستهلاكى العائلى بالأسعار الجارية نحو ٣٣٣.٧ مليار جنيه، وبالتالى يقدر حجم الإنفاق العائلى على التعليم في مصر بنحو ٥٥.٧٣ مليار جنيه، مما يعنى أن إجمالى ما يتم إنفاقه على التعليم العالى في مصر نحو ١١.٩٣ مليار جنيه.
يقول عبدالحفيظ طايل، رئيس المركز المصرى للحق في التعليم: إن أعتى «الدول الرأسمالية» لا يوجد بها ما تتحدث عنه الحكومة الآن، فهى تتبنى أسوأ الخطط المعمول بها جزئيا في بعض الدول، على حد قوله، موضحًا: في أمريكا نظام التعليم يقوم على نظام الخصخصة في بعض الولايات والبعض الآخر لا، أما في أوربا فالتعليم بالكامل مجانى».
ويضيف، أن هذه المقترحات تأتى تنفيذًا لروشتة البنك الدولى في التسعينيات، حيث كانت تعتمد الروشتة على تقليل الإنفاق على التعليم الجامعى، على أن يتم الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعى، وتراجع الحكومة عن كفالة حق التعليم، ويشير إلى أن الحل أن يتم عمل إصلاح للتعليم بمساعدة التربويين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب وليس خصخصته.
أما توصيات البنك الدولى الصادرة عام ٢٠١٠ في ١٥ صفحة، فتتضمن إنشاء المجلس التخصصى للتعليم، مرورًا بتعديل قانون التعليم العالى، وهو ما تم الأسبوع قبل الماضى، حيث جرى تعديل المادة (١٨٩) التي تنص على أن: «تتصرف الجامعة في أموالها وتديرها بنفسها، بما في ذلك المساهمة في إنشاء ودعم الجامعات الأهلية أو القيام منفردة أو بالاشتراك مع القطاع الخاص والأهلي بالمشروعات ذات الطبيعة التعليمية أو البحثية أو الابتكارية، وغيرها من المشروعات الخدمية أو الإنتاجية من أجل استخدام البحوث التطبيقية والنهوض بالمجتمع، وكذلك توفير موارد ذاتية للجامعة، للنهوض بأغراضها في التعليم والبحث العلمى والتنمية وخدمة المجتمع، ويخضع التصرف في أموال الجامعات وإدارتها ونظام حسابات الجامعة لأحكام اللوائح المالية والحسابية التي تصدر بقرار من الوزير المختص بالتعليم العالى بالتنسيق مع وزير المالية، بعد أخذ رأى الجامعة وموافقة المجلس الأعلى للجامعات».
كما أوصى البنك الدولى على تنويع عروض فرص التعليم العالى، بما فيها مؤسسات التعليم العالى الأجنبية، فضلا عن مقدمى الخدمات التعليمية المعتمدة من المؤسسات وممثليها، داعيًا إلى التوسع في التعليم العالى الخاص لاستكمال الجهود الحكومية المبذولة، استجابة للنمو المخطط له مع الإبقاء على تحكم الحكومة في العدد الإجمالى للملتحقين بالتعليم العالى على المستويين في النظام والمؤسسات من خلال صيغة تمويل تستند إلى حالات القيد.
ويقول البنك الدولى: إنه يقع عبء تكلفة توفير التعليم العالى إلى حد كبير على عاتق الحكومة ودافعى الضرائب بوجه عام، في حين أن أكثر المستفيدين منه لا يدفعون حصتهم العادلة من التكلفة، ويمكن تحقيق الكفاءة بخفض معدلات التعلم المتكرر، وربما إلزام أن تقترن زيادة تكاليف الرسوم الدراسية بتقديم منح دراسية وقروض للطلاب، ويضيف: «على الحكومة أن تضع إطارا قانونيا واحدا للتعليم العالى يغطى جميع القطاعات والجامعات الحكومية، والكليات التكنولوجية، والمؤسسات الخاصة الهادفة للربح وغير الهادفة للربح».
وطرح البنك إنشاء مجلس أعلى جديد للتعليم العالى لتوجيه المسار المقبل لنظام التعليم العالى بكامله، يمكن أن تتضمن عضوية المجلس الأعلى للتعليم العالى أشخاصا ثبتت قدراتهم على تقديم مساهمات كبيرة في التعليم العالى، وقادة الأعمال التجارية، وقادة المجتمعات المحلية، وممثلين عن الجامعات الحكومية، والجامعات الخاصة، والمعاهد الفنية، ومعاهد التدريب المهنى، والمدارس الثانوية.
كما وضع البنك الدولى تعريفا للمؤسسات الخاصة غير الهادفة للربح للجامعات والمعاهد، واقترح إسناد مزيد من المسئوليات لمؤسسات التعليم العالى الحكومية في مصر، اعتمادا على مؤسسات ضمان الجودة ومشروعات التقييم، لإجراء تخطيط إستراتيجي وتحقيقا لهذه الغاية، ستحتاج الحكومة إلى نقل نطاق أعرض من السلطات إلى المؤسسات، وبخاصة السلطة على ما تقدمه من تعليم، وقبول الطلاب، وتعيين أعضاء هيئة التدريس، واستخدام الموارد.
وأردف التقرير، أنه لا بد من إتاحة الفرصة أمام المؤسسات الحكومية لكى تصبح شركات حكومية مستقلة ومتمتعة بالإدارة الذاتية، لمواءمة الجامعات المصرية مع نظيراتها الدولية، متقرحًا تولى إدارة الجامعات الحكومية التي تتمتع بوضع الشركات الحكومية مجلس أمناء له سلطة الإشراف على شئونها الأكاديمية والتنفيذية، وفقا لرسالاتها المتفق عليها، ولا بد من إيلاء اهتمام خاص لنطاق المسئوليات المباشرة والمخولة لمجلس أمناء المؤسسة، بما في ذلك السلطة المستقلة على تعيين الرئيس ونواب الرئيس والعمداء وجميع الموظفين الإداريين الآخرين بالمؤسسة، وتقييمهم وتحديد مكافآتهم وإنهاء خدمتهم، وتعيين أعضاء هيئة التدريس الأكاديميين، وإنهاء خدمتهم وترقيتهم ونقلهم وتحديد مرتباتهم، وتحديد مستويات القيد بحسب الكلية والبرنامج وقبول الطلاب في برامج محددة وإعداد أو مراجعة أو إلغاء البرامج الأكاديمية، وإعادة مواءمة هيئة التدريس الأكاديمية، بما يخدم رغبات الطلاب والأولويات المؤسسية وإدارة استخدام جميع إيرادات المؤسسة بما فيها المبالغ المرحلة من ميزانيات سابقة.
أما فيما يخص أعضاء هيئة التدريس، فقال البنك الدولى: إن المدة اللازمة للحصول على عدد من الدرجات العلمية المهنية الأولى في الجامعات المصرية تزيد بمقدار سنة بوجه عام، أو سنتين عادة عن الدرجات المماثلة لها في أمريكا الشمالية، أو بعض البلدان الأوربية، مما يمثل تكلفة اجتماعية باهظة، مقترحًا النظر في تقييم التكاليف والفوائد الخاصة بالسنة الأولى للدراسات العامة في المقررات المهنية، مثل الهندسة والطب التي يكون فيها الوقت المستغرق للتخرج طويلا للغاية.
ولفت إلى أن معاهد البحوث المكتظة بالعاملين والتابعة لوزارات مختلفة تستحوذ على أكثر من ثلاثة أرباع الإنفاق على البحث والتنمية والابتكار، فيما تعتمد مصر على العاملين المتفرغين في معاهد البحوث المخصصة، ولذلك لا يحقق الكفاءة ويتعرض لمخاطر عديدة.
يقول الدكتور وائل كامل، عضو اللجنة التنسيقية لمؤتمر عموم أعضاء التدريس «٣١ مارس»: إن الحديث عن هذا المقترح «يرجع بنا إلى الدكتور هانى هلال (وزير التعليم العالى الأسبق)، ولقائه بالبنك الدولى الذي كان على أثره وضع خطة التعليم والإستراتيجيات المستقبلية، وأيضا صياغة قانون الجامعات في عام ٢٠٠٧، وعام ٢٠١٠».
ويوضح: «بعد ذلك أصدر البنك الدولى عام ٢٠١٠ كتيبا بعنوان (مراجعات لسياسات التعليم العالى في مصر)، وطبق الوزير هلال هذه المراجعات بالنص»، ويضيف: «عندما جاء نظام الإخوان إلى السلطة قام بنفس الأمر، حيث قابل الوزير مصطفى مسعد ممثلى البنك الدولى، ليقوم بنفس الدور الآن الدكتور السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالى الحالى، والدكتور طارق شوقى، مسئول المجلس الاستشارى». ويدلل على قوله بتعديل قانون تنظيم الجامعات، وبالتحديد المادة ١٨٩، ليتناسب مع توصيات البنك الدولى، واتفاقية الجات، وتابع: «فالحكومة الحالية تقوم بتحويل التعليم من خدمة إلى سلعة، وتحول الجامعات الحكومية إلى مؤسسات تخضع لتحكم رجال الأعمال، على أن تكتفى الحكومة بالمراقبة على التعليم العالى».
من النسخة الورقية