الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رؤية جديدة ليهودية الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أن تحكم على كتاب بأنه كتاب جيد بعد أن تفرغ من قراءته، فهذا يعنى أولا أنه ربما عالج الكتاب فكرة جديدة لم يتطرق إليها أحد بعد، أو أن الكتاب تناول فكرة قديمة ولكنه عالجها بطريقة مختلفة ومن زاوية جديدة، أو أن قراءة مثل هذا الكتاب جعلنا نرى الموضوع الذى عالجه بطريقة لم نكن ندركها من قبل، أو أننا تحصلنا بعد قراءته على معرفة أفضل بالموضوع قبل هذه القراءة، وفى جميع هذه الحالات فإن ما يشير إليها كلها أو بعضها إحساس القارئ بأن وقته لم يضع عبثا فى قراءة هذا الكتاب، بل على العكس فقد أحس القارئ باستثماره الوقت فى هذه القراءة.
إن كل هذا أو بعضا منه شعرت به بعد قراءة الكتاب الذى أهدانى إياه الصديق والباحث الفلسطينى أحمد الدبش والذى يحمل عنوان "يهودية الدولة: الحنين إلى الأساطير"، والذى ما أن بدأت بقراءته لم أتمكن من تركه إلا بعد الانتهاء من قراءة الكتاب بأكمله.
والفكرة الأساسية التى يعالجها الكتاب والباحث ليست بالضرورة جديدة، ألا وهى فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية بل هى فكرة متواترة قبل وبعد نشأة الدولة، وطرحت مؤخرا لشرط للتسوية والتفاوض مع الفلسطينيين، ولكن الجديد فى هذا الكتاب هو الطريقة والمنهج الذى اتبعه الباحث فى إثبات هذه الفكرة وعمق جذورها فى الثقافة السياسية الغربية عموما وتداخلها مع الثقافة الصهيونية والقيم اليهودية، وذلك من خلال فيض من الاقتباسات والاستشهادات والتصريحات لمسئولين غربيين ورجال دولة ودبلوماسيين ومتشرقين ومثقفين ورحاله ورجال دين وعلماء اجتماع كلهم من الفضاء الثقافى الغربى.
يثبت الكاتب من خلال بحثه أن الفكرة المتعلقة بيهودية الدولة ليست فحسب يهودية أو صهيونية بل هى كذلك غربية، وهذا التلاقى بين الفكرة الصهيونية وبين الفكر الغربى حول يهودية الدولة هو بمثابة تلاقى فى المصالح الاقتصادية والإمبريالية والجيو ستراتيجية بين الدول الاستعمارية الغربية وبين دولة يهودية فى قلب المشرق العربى.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف للصهيونية والدول الاستعمارية الغربية استخدمت هذه الدوائر كافة الأساليب ومختلف العلوم، كعلم الآثار وبحوث التنقيب والأركيولوجيا والاستشراق وعلم اللاهوت الدينى التوراتى والمسيحى والبروتستنتى وعلم التاريخ وبصفة خاصة تاريخ الشرق الأوسط، وكان الهدف من وراء ذلك هو إثبات التطابق بين الرواية التوراتية للأحداث والوقائع وبين الحقائق التاريخية والواقع الملموس.
بين أن هذه البحوث المتنوعة لم تستطع إثبات ذلك على نحو يحظى بالمصداقية والموضوعية، بل تميزت لغلبة الطابع الإيديولوجى والسياسى على نتائجها وذلك من خلال بعض العلماء الذين يحظون بالثقة والأهلية والذين أثبتوا أن كتابة التاريخ وفقا لرواية التوراة تخلو من المصداقية وتصطدم بحقائق الواقع والتاريخ، بل هى تزييف للواقع وتجاهل التاريخ الفلسطينى فى المنطقة.
وربما يمثل ذلك الهدف الرئيسى لهذه الأبحاث، ألا وهو إنكار التاريخ الفلسطينى وتجاهله وإظهار أن الشعب الفلسطينى ليس له تاريخ وتجريده من هذا التاريخ بل وطمس معالم هذا التاريخ لصالح تاريخ مزعوم لليهود فى هذه الأرض.
إن هذا الكتاب يخرج منه المرء بعد قراءته بعمق معين لرؤيته حول هذه الفكرة أى فكرة يهودية الدولة وتأسيس جديد لرؤية واقع الدولة الإسرائيلية والذى هو واقع من التزييف والسرقة، سرقة الأرض والتاريخ والذاكرة.