الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سقوط الإعلام المصري في دوامة «عاصفة الحزم»

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


منذ أن بدأت كرة الثلج في اليمن بالتحرك، والأمور تتصاعد هناك، بما يهدد بشكل حقيقي الأمن القومي العربي، وفي القلب منه الأمن القومي المصري، فإيران تسعى، وهو ما يظهر بشكل جلي لكل ذي عينين، لاستثمار الأوضاع هناك لصالحها، سبق وأن فعلت ذلك في العراق حتى باتت -وخلال عشرية من السنوات- اللاعب الرئيسى بل الوحيد على الساحة هناك، وقد استغلت تلك الساحة، في كسب نقاط جديدة في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية على الملف النووى، الأمر الذي وصل حد أن يذهب الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى السعودية، ليقابل الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز، ليحثه على التعاون مع إيران، لأنه دون ذلك سيخسر الخليج كثيرا. كانت إيران تعلم هذا الموقف الأمريكى مسبقا، وأرادت أن تدعمه بتطويق السعودية بالخطر من الناحية الجنوبية، للضغط عليها وإجبارها على الخضوع، كذا الضغط على مصر والعرب بشكل عام باحتلال مضيق باب المندب، لما له من أهمية إستراتيجية معلومة للقاصى والدانى بالنسبة إلى الأمن القومى المصرى.
كل ذلك كان يحدث والإعلام المصرى، خصوصا المرتبطين منه بالفلك الإيرانى، ينظرون ببرود إلى الصورة دون أن يحرّك كل ذلك لهم ساكنا. لم تبتلع السعودية ولا مصر الطُّعم، وقد كشفنا في مقال سابق في هذه الزاوية، عن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات العامة المصريان إلى السعودية، لشرح أبعاد المخطط الإيرانى في المنطقة، وما تقوم به طهران على الساحة اليمنية بالتحديد، ولم يكن ما حدث من استيلاء للحوثيين على مقادير السلطة في عدن قد حدث منه شىء بعد، فلما تبين للسعودية صدق المعلومات والتحليل المصرى للواقع على الحدود الجنوبية السعودية ودور طهران فيه، بادرت السعودية باتخاذ موقف واضح في إطار السيطرة على الأوضاع في اليمن، وتمكين السلطة الشرعية ممثلة في الرئيس هادى من إدارة أمور البلاد. وعلى الفور أصدرت مصر بيانا تؤيد فيه الموقف السعودى وتعلن تنسيقها الكامل مع المملكة في كل الخطوات اللازمة لإعادة الشرعية في اليمن، وإبعاد شبح سيطرة إيران على الوضع هناك، وتحويله إلى ساحة مشابهة للعراق والجنوب اللبنانى، وإدخاله كورقة للصراع حول ملفها النووى، ومخططها للسيطرة على المنطقة. الغريب أننا رأينا بعض رجال النخبة لدينا يحاولون تحميل الأمور بأبعاد أخرى، رغم اتضاح القضية والهدف معا، البعض استدعى، دون أي مراعاة، لمتغيرات الواقع والتاريخ والجغرافيا، تجربة حرب اليمن في ستينيات القرن الماضى، والبعض الآخر راح مدفوعا بعلاقة غير خافية مع طهران، يدافع عن موقف الحوثيين دون أي إشارة إلى دورهم في المخطط الإيرانى، الهادف إلى السيطرة على المنطقة، والبعض الأخير راح يشكك في الهدف من وراء التدخل السعودى، المبنى بالمناسبة على معلومات استخباراتية مصرية بالأساس، متهمين المملكة بمحاولة السيطرة على المنطقة وإحلال الرياض محل القاهرة كقوة إقليمية جديدة، وهو ما يجافى منطق الأمور تماما، بل راحوا يضيفون أن مصر تدفع ثمن وقوف السعودية معها فيما بعد «30 يونيو»، بالتنازل عن دورها في المنطقة لصالحها، ويعلم القاصى والدانى، بمن فيهم مَن يقولون هذا الكلام، أنه أبعد ما يكون عن الصحة، ولكنه الغرض الذي وصفه القدماء بالمرض، حين يسيطر على صاحب القلم فينتزع منه ضميره ومهنيته لصالح من يدفع أكثر.

أزمة إعلامية داخلية وخارجية
وقد بدا بالطبع أن هناك أزمة، ليس في تعامل الإعلام المصرى مع قضايا إشكالية ومصيرية فقط لكن، في رؤية الخارج لطبيعة المشهد الإعلامي المصرى في المجمل.
فالعرب كما الغربيون ما زالوا يعتبرون أن ثمة من يمسك بخيوط المشهد الإعلامي المصرى من وراء ستار، ومن ثم تفسر الخطابات الإعلامية بشكل مغلوط ينتج عنه شكوك، وربما أحكام خاطئة، نتيجة تصورات مجافية للحقيقة تقضى بأن هؤلاء الإعلاميين يتحدثون وفق إملاءات من قبل دوائر نافذة.
والحقيقة غير ذلك تماما، فعلى سبيل المثال، لا يزال هناك مكون من مكونات اليسار المصرى لم يتخلص إلى الآن من ميراث كراهية تجاه المملكة العربية السعودية ومتمسكا بأنها ما زالت على رجعيتها القديمة، وإن تحول مفهوم الرجعية لديهم من النطاق السياسي إلى النطاق الديني، لاصقا بها تهمة العمل على انتشار التيار السلفى المتشدد، ومصرا على إطلاق وصف السلفية الوهابية على جميع السلفيات، باعتبارها فكرا دينيا متشددا.
وهؤلاء ينظرون إلى طبيعة الصراع الحاصل في اليمن والمنطقة باعتباره صراعا طائفيا كأصل ينتج عنه بالضرورة مخاطر تهدد الأمن القومى، ولا يفرقون في هذا الإطار بين السعودية كنظام محافظ والزيدية أو الشيعية كأفكار طائفية، وإن تعاطفوا ضمنا مع الشيعة باعتبارهم طائفة، من وجهة نظرهم، تمتلك نفسا مقاوما للنظام الرأسمالى الغربى أو ممانعا للكيان الصهيونى.
وفى هذا السياق يمكن أن نفهم آراء كاتب ناصرى كأحمد عزالدين، والذي في سبيل تأكيده أن آراءه لا تخالف نظام ثورة يونيو، ألمح إلى أن «مصر شاركت في عاصفة الحزم لتوقيف وعرقلة السعودية وعدم إطلاق العنان لها» وهو قول جانبه الصواب، وأنا هنا لا أتحدث بآراء لكن وفق معلومات واضحة ومحددة، وتمادى الرجل في آرائه، لتصل في النهاية إلى اتفاق واضح مع وجهة النظر الإخوانية.
بل إن الرجل اعتبر أن اللجان الشعبية المؤيدة للرئيس «هادى» ما هي إلا عناصر تنظيم القاعدة، بما يشى أنه غير مطلع على تفاصيل الواقع اليمنى الذي يدرك من يلم به أن هناك صراعا مريرا بين تلك اللجان الشعبية والقاعدة في اليمن، بل إن العناصر التكفيرية وصفت تلك اللجان بأنها «صحوات اليمن»، في إشارة إلى «صحوات العراق» التي تشكلت من العشائر السنية في المثلث السنى لمقاتله تنظيم القاعدة، وقامت «القاعدة» و«داعش» فيما بعد بوصفها بـ«المرتدين».
تصريحات «عزالدين» لم يحالفها التوفيق في مجملها، فما معنى مثلا أن يؤكد أن السعودية ستخسر الحرب في اليمن، لأنها لا تعرف طبيعة الشعب اليمنى.. في الوقت الذي يعرف السعوديون فيه طبيعة الشعب اليمنى ببساطة، لأن اليمن جزء أصيل من الجزيرة العربية بامتداداتها العشائرية والجغرافية.
أما عن تعريج عز الدين على وضعية جماعة الإخوان في اليمن معتبرا أن السعودية تخدم مصالح الإخوان في اليمن بضربها للحوثيين فهذا افتئات على واقع سياسي معلوم للعالمين بطبيعة الخريطة السياسية اليمنية.
فلا شك أن جماعة الإخوان هي التي تسببت في إفساد مرحلة ما بعد الثورة اليمنية والالتفاف على المبادرة الخليجية، مما أعطى للحوثيين المبرر لعمليات التمدد والزحف التي جرت فيما بعد، وإخوان اليمن في ذلك لا يختلفون عن إخوان مصر الذي سعوا للسيطرة على مفاصل الدولة، مما أدى إلى الإطاحة بهم في نهاية المطاف.
وليس معنى أن الإخوان خصم للحوثيين، وأنهم تلقوا هزيمة قاسية على يدهم في عمران، مما أدى إلى هروب «آل الأحمر»، أن تقف المملكة العربية السعودية مكتوفة الأيدى ضد التمدد الحوثى باعتبار أن الإخوان سيستفيدون من ذلك، لكن بل الأهم هو وقف تمدد الحوثيين وعدم السماح للإخوان لركوب المكتسبات كما هي عادتهم.
وعن اعتبار كتاب خليجيين أن فضائيات ما بعد ثورة يونيو تخضع لتوجيهات النظام، مستشهدين بفضائية رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس، التي ظهر من خلالها الإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى مهاجما السعودية، فهو استشهاد ليس في محله، فساويرس بأهدافه وسياساته لا يخضع كلية للنظام المصرى، بل إن علاقته به قد مرت بتوترات عديدة غير خافية على أحد.
كما أن ساويرس قام بالاعتذار عما بدر من عيسى الذي بدوره أيضا يوصف بالرجل المتقلب الذي يخضع حديثه التليفزيونى للارتجال، وربما العشوائية، كما أنه طيلة الوقت متهم بالتعاطف مع الشيعة وقراءتهم للأحداث التاريخية.
أما عن تفسير هؤلاء الكتاب للموقف السياسي المصرى وأنه يختلف عن موقف المملكة السعودية تجاه الأزمة اليمنية، فإننا نستطيع أن نقول إن هناك قصورا في قراءة تلك السياسة التي عبر عنها الرئيس المصرى أكثر من مرة، وهى أن مصر تدرك الخطر على الأمن القومى المصرى، الذي لا ينفصل عن المنطقة بأكملها، وأنها لن تتخلى عن دول الخليج مهما كلفها الأمر.
إلا أن الرؤية المصرية للأزمة تتصف بعدم التصلب والدعوة إلى الحوار، رغبة منها في عدم الانجرار إلى سيناريو فوضوى لا يستفيد منه سوى الأعداء، ومن ثم فالنظام المصرى مع حرصه على تأكيد عدم الانفصال عن الصف الخليجى، فهو يبدو منفتحا على جميع الأطراف، وهو ما يعتبر ضروريا للغاية، فهو الذي يملك إيقاف الحرب حتى وإن بدأتها المملكة السعودية، وهو ما يعد إيجابيا للغاية لجميع الأطراف.