الجمعة 07 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر والصراع العربي الإسرائيلي 2

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية بناء علي قرار مجلس جامعة الدول العربية في يناير 1964، ولم تلبث أن تولت حركة فتح برئاسة أبو عمار قيادة المنظمة التحرير وبلورت ملامحها في صورة أشبه بالجبهة التي تضم غالبية المنظمات و التشكيلات الفلسطينية وفقا لنسب عددية محددة، وتتالت استراتيجيات المقاومة كما تنوعت أدواتها، فمن "تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني عن طريق الكفاح المسلح" إلي "إقامة الدولة الفلسطينية علي أي جزء يتم تحريره من الأرض الفلسطينية" إلي "إقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية علي الضفة الغربية و قطاع غزة عن طريق التفاوض "، و منذ أن اتخذت القمة العربية في اجتماعها بالرباط في 26 أكتوبر 1974 قرارها الشهير باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, ظلت منظمة التحرير الوطني الفلسطيني الناطق الرسمي الوحيد دون منازع باسم الشعب الفلسطيني, وحظيت بهذه الصفة باعتراف دولي مكنها من توقيع اتفاقات أوسلو ثم قيام السلطة الفلسطينية.
وظهرت التنظيمات الإسلامية الفلسطينية المسلحة للمرة الأولي مع بداية "انتفاضة الحجارة", و تزايد تمايزها مع قيام السلطة الفلسطينية، و اتخذت تلك التنظيمات موقفا مختلفا مبدئيا عن موقف السلطة و منظمة التحرير و منظمة فتح كذلك، من حيث النظر إلي القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إسلامية في جوهرها، و أن "الحرب مع اليهود إنما هي حرب عقائدية بكل جذورها و أصولها"، و من ثم فلا مجال لأي تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية.
ومن هنا تمايزت منطلقات السلاح الفلسطيني منذ البداية. سلاح في أيدي مؤسسات السلطة بهدف حفظ الأمن وفقا لاتفاقيات أوسلو سعيا لتحقيق هدف محدد هو إقامة دولة فلسطينية علي كامل الضفة و القطاع و عاصمتها القدس الشرقية من خلال التفاوض مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة و المجتمع الدولي، و سلاح في أيدي الفصائل الممثلة للقوي الإسلامية التي يمثل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني الحد الأدنى الذي قد يمكنها بعده التفكير في وضع السلاح.
لقد أعيد ترتيب البيت الفلسطيني عدة مرات. أعيد ترتيبه بعد قيام دولة إسرائيل وتشتت الشعب الفلسطيني بين الداخل والخارج، وأعيد ترتيبه مرة أخرى بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري بناء علي قرار مجلس جامعة الدول العربية في يناير 1964، و أعيد ترتيبه مرة ثالثة 1968 برئاسة ياسر عرفات حين تولت حركة فتح قيادة منظمة التحرير وبلورت ملامحها في صورة أشبه بالجبهة التي تضم غالبية المنظمات والتشكيلات الفلسطينية وفقا لنسب عددية محددة، و أعيد ترتيبه مرة رابعة 1993بعد توقيع اتفاقات أوسلو وتولي ياسر عرفات رئاسة السلطة الوطنية إلي جانب كونه رئيسا لحركة فتح، ورئيسا لمنظمة التحرير.
وبطبيعة الحال فإن كل عملية لإعادة ترتيب للبيت الفلسطيني كان يصحبها أيضا إعادة ترتيب للإستراتيجية السياسية الفلسطينية. من "تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني عن طريق الكفاح المسلح" إلي "إقامة الدولة الفلسطينية علي أي جزء يتم تحريره من الأرض الفلسطينية" إلي "إقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية علي الضفة الغربية و قطاع غزة عن طريق التفاوض"، وشهدنا بعد فوز حماس في الانتخابات وتشكيل حكومة ائتلافية موقفا فريد غير مسبوق تمثل في وجود استراتيجيتين متناقضتين علي رأس القرار الفلسطيني ؛ و شهدنا مشهدا غريبا فريدا: حكومة ائتلافية يجلس علي مقاعدها من يفاوض و يقدم الاعتذار عن سقوط القتلى الإسرائيليين، و إلي جواره يجلس زملاؤه الوزراء الذين يرفضون التفاوض باعتبار أن هدفهم الاستراتيجي هو تحرير فلسطين من النهر إلي البحر باعتبارها وقفا إسلاميا. و لم يكن لذلك الموقف المصطنع أن يستمر.
ولم نلبث أن شهدنا تكريس انفصال الاستراتيجيتين علي الأرض بعد انسحاب شارون من قطاع غزة واستبدال الحصار بالاحتلال و ما تلي ذلك من انفراد حماس بالسلطة في غزة؛ و أصبحت صياغة استراتيجية مصرية متسقة أمرا أكثر إلحاحا و أشد تعقيدا:
أن استمرار و تطوير العلاقة الاستراتيجية التاريخية بين مصر و فلسطين أمر حيوي بالنسبة للجانبين، فالأمن القومي المصري يتطلب قيام دولة فلسطينية مستقرة علي حدود 1967 , و يتطلب في نفس الوقت أن يكون خيار السلام هو الخيار الفلسطيني الاستراتيجي قولا و فعلا, و هو الأمر التي تتطابق فيه الإستراتيجيتين الرسميتين الفلسطينية و المصرية. غير أن الاستراتيجيتان تعانيان من نفس المشكلة: ضغوط الرأي العام العربي الإسلامي, فضلا عن العنف الإسرائيلي, مما دفع بالطرفين علي حد سواء إلي خفوت تبني كل طرف لرؤيته الإستراتيجية بشكل حاسم مما أدي و يؤدي إلي ضعف الدور الإقليمي الفلسطيني و المصري علي حد سواء. إنه الطرح "الخجول" لخيار السلام.