الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التكفير بضاعتهم القديمة.. ومحاكم تفتيش عقيمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأن التكفير أصبح خارطة طريق لحصد المخالفين عند هذه الأمة التى ما برحت تكذب على البسطاء بعدما أيقنت بصعوبة وصولهم إلى الحقيقة، فليس بين الجماهير من قارئ إلا ما ندر!
حينها أخذت أجيال السلفية على عاتقها- مع بعض عمائم الأزهر- ابتزاز التاريخ من خلال تضخيم صورة الأمة العظيمة صاحبه العلم والعلماء، التي علمت العالم دون، أن يعرف الناس أن بعض الظواهر العلمية التى نشأت بتاريخنا كانت بمثابة عبقريات، فرديه تتولى القيام بواجباتها نحو العلم بجهدها المنفرد، في كثير من الأحيان من غير أن تتبناها مؤسسات ذات توجه علمي، كأن تشرف على تنميتها ورعايتها دار الخلافة مثلا!
بل إن الكبار الذين نسمع عنهم اليوم ونفتخر بهم على ألسنة الكاذبين من خلال شاشات الزور، هم كفار عند سلف السلفية والأزهر ومهدري الدم تلاحقهم تهم الزندقة والتكفير، كتلك التى نراها اليوم ، وتهينهم مشاغبات الاحتقار والتشويه كما نلمسه الآن، وقد عانوا الأمرين من الجهلاء الذين يستثمرون أسماءهم اليوم، كما سيحدث مع مفكرينا الذين تطاردهم الفتاوى غدا، والتاريخ جفونه لا تنام!
وتصديقا لهذه الحقائق إليكم الآن بعض التفاصيل التى رصدها الكثير من المفكرين! فمن منكم لا يعرف الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وابن الهيثم؟ ومن منكم لم يسمع بالغزالي وابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والطبري وابن المقفع؟ ومن منكم لم يقرأ لافتات المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز العلمية والأدبية التي حملت أسماء الكواكبي والمتنبي وبشار بن برد ولسان الدين الخطيب وابن الفارض ورابعة العدوية والجاحظ والمجريطي والمعري وابن طفيل والطوسي وابن بطوطة وابن ماجد وابن خلدون وثابت بن قرة والتوحيدي؟.
لا شك أنكم تعرفون هذه النخبة المتألقة، ولا ريب أنكم تتفاخرون بهم وبإنجازاتهم العلمية الرائعة في الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والهندسة والفقه وعلم الاجتماع والفنون والآداب، لقد كانوا بفترة ما أساتذة العالم فكرا وفلسفة وحضارة، بل ولتكريم ذكراهم وتحدى النسيان أن يختطف أمرهم تسابقت عواصم كبرى بكوكبنا لإصدار باقات من الطوابع البريدية الجميلة لإحياء ذكراهم، فيما نحن كفرناهم!
غير أن الذي يجهله الجميع حتى اللحظة هو أن هؤلاء العلماء الأعلام صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التضليلية بقرارات ونصوص متطابقة بالشكل والمضمون مع قرارات محاكم التفتيش، التي كفرت جاليليو، وجيوردا، ونويرنو، وكوبرنيكس، ونيوتن، وديكارت، وفولتير، وحرمت قراءة كتبهم، وبالغت في مطاردتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم
وبنفس الطريقة والسلوك وآليات المنع والتشويه والتكفير والمطاردة التي ما زالوا يواجهون بها التيار العقلاني العلمي في بلادنا إلى اليوم على يد نفس أحفاد زمر المتحكمين الجهلاء باسم الدين عندما جعلوه في مواجه التطور والمستقبل ساكنا في أقبية التراث محميا بسيوف جلاد قديم!
فلا فارق بين تلك الأحكام التعسفية الجائرة، وبين الأحكام الارتجالية المتطرفة، التي ضللت الناس، يوم حرضت السلفيه القديمة حليفة الأزهر على قتل الطبري، وصلب الحلاج، وحبس المعري، وسفك دم ابن حيان، ونفي ابن المنمر، وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني، وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي!
وربما لا تعلمون أن السهروردي مات مقتولا، وأنهم قطعوا أوصال ابن المقفع، ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب.
وربما تجهلون أن الجعد بن درهم مات مذبوحا أسفل منبر الجمعة بسكين الأمير خالد القسري الشبيهة بسكين داعش، بل نفسها!
ويقينا لا يعرف الناس أن سلفهم قد علقوا رأس أحمد بن نصر، وداروا به في الأزقة، وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وحرقوا جثته، وكفروا ابن الفارض، وطاردوه في كل مكان.
بل إن أغلب الظن يتجه بتقرير يرصد جهل عامة الناس عما قاله سلفهم عمن يفتخرون اليوم بهم فقد قالوا عن ابن سيناء الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف ما أثبته قول ابن القيم فيه "إغاثة اللهفان 2/374" حين قال: "إنه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"، وقال عنه الكشميري في "فيض الباري 1/166":
"ابن سيناء الملحد الزنديق القرمطي"!
"ولا يدرك الناس خطورة ما قالوه عن أبي بكر الرازي الطبيب والعالم والفيلسوف"
فقد قال عنه ابن القيم في (إغاثة اللهفان 2/179): إن الرازي من المجوس وإنه ضال مضلل وعلينا أن ننتبه أن نفس مصطلحاتهم ما زالت شغالة بنفس مداها الجهول إلى اليوم لملاحقه كل مختلف عن سقوطهم العقلي ممن آثر طريق الفكر والنور"، وقال ابن العماد في "شذرات الذهب 2/353" عن الفارابي: "اتفق العلماء على كفر الفارابي وزندقته"، وقالوا عن محمد بن موسى الخوارزمي: "إنه وإن كان علمه صحيحا إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره)"! وقالوا عن عمرو بن بحر الجاحظ: "إنه سيء المخبر، رديء الاعتقاد، تنسب إليه البدع والضلالات"
وقالوا عن ابن الهيثم: "إنه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلا، وكان سفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة"!
وقالوا عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله المعري: "إنه كان من مشاهير الزنادقة"! وشتموا يعقوب بن إسحاق الكندي وقالوا عنه: "إنه كان زنديقا ضالا"! فرد الكندي على أحفاد السلفية المجسمة ومن معها وقال عنهم: "هؤلاء من أهل الغربة عن الحق، وإن توجوا بتيجان الحق دون استحقاق، فهم يعادون الفلسفة ذبا عن كراسيهم المزورة، التي نصبوها من عير استحقاق بل للترؤس والتجارة بالدين، وهم عدماء الدين".
لقد كان الكندي يرى: إن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة، وجملة علم كل نافع، والسبيل إليه" وكان يعتقد إن السعي لمعرفة الحقيقة هو مقصد جميع الأنبياء والرسل، وليس فقط الفلاسفة، وبالتالي فإن الفلسفة ليست كفرا على عكس ما يقولونه عدماء الدين.
وبالطبع نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن هؤلاء العلماء العظام فهم سيبقون شموس تحرق التخلف كلما أشرقت بنورها
وكذلك لسنا هنا بصدد تقرير حقيقة دينيه دعا الإسلام إليها وحث على طلب العلم وعضد ذلك بتوثيق قيمه العقل الذي هو رسول الحق كما بين النبي الذي شوهوا دينيه وجعلوه يدور حول النفاس والنكاح وأحكام الرضاع وطاعة السلطان والماء الراكد حتى ركدت عقول أمته واستولى الجهلاء قديما وحديثا على بضاعته.
فقط نقرر أن الدعوات التي استهدفت تكفير العلماء في الماضي والحاضر تخرج من مشكاة واحدة وتهدف في حقيقتها إلى تكريس الجهل والتخلف، ومصادرة محفزات الإبداع من المجتمع العربي وحرمانه من حقوقه الإنسانية، بحيث يصبح غير قادر على مواجهة التحديات، وربما تدفعه إلى التقهقر والتراجع نحو العصور المتزمتة المتشددة المتصلبة وقد حدث بالفعل فها نحن ندور حولها الآن بعدما غزت داعش السلفيه بفكرها الذي يدرس بمعاهدنا الدينية بلادنا من جديد وذبحت مخالفيها بحد السكين وحرقتهم بأقفاص الحديد!
إن هذا الاتجاه الذي يرمي إلى كبح جماح حرية الفكر والعودة به إلى حظيرة الفترة المظلمة يتقوى الآن بسلطة الجماهير والبسطاء ليتضح أن الطريق ما زال طويلا لسحب العمائم من فوق رءوس مزوره ونبش اللحى التى لا زالت تعيس بنا داخل مقبرة الترهيب والترغيب بإنعاش الخرافات حول الثعبان الأقرع وسوء العقاب بعدما بعدت كثيرا عن غاية الخلق وطريق الحق في تكوين مجتمعات يحفها الصدق والعدل والتسامح وتعتز بقيم الحوار وتصون حقوق الاختلاف وتبني حياة جادة على طريق الشفافية والعلم تستحق ثناء الله عليها حين تعبر عن مجده وعدله ورحمته فيها!