الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخروج من الضعف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يكتشف العرب مع بدء "عاصفة الحزم" ضد جماعة الحوثيين فى اليمن أن الضعف الذى لازمهم كثيرا وطوال العقود الثلاثة الماضية ليس بالضرورة حالة مادية، بل هو حالة نفسية أكثر منها مادية، فالعرب يملكون أدوات القوة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية ولهم علاقات دولية بعالم اليوم مؤثرة وفعالة بحكم موقعهم ونفطهم وثرواتهم، وقد كشفت "عاصفة الحزم" هذه الأوراق التى يمتلكها العرب، حيث حظى قرار التدخل بدعم دولى وتأييد دولى كبير.
بمقدور العرب الآن الإجابة على السؤال البديهى والمنطقى الذى يطرح هنا ألا وهو لماذا استشرى الضعف فى العالم العربى طيلة العقود الماضية؟ ولماذا تأخرت الاستجابة واستغرقت كل هذا الوقت؟ ذلك أن التدخل الإيرانى بدا مبكرا وعقب الاحتلال الأمريكى للعراق وقبله فى لبنان وسوريا، تتلخص هذه الإجابة فى أن الضعف الذى عانى منه العرب كان محصلة جهود أطراف إقليمية ودولية صورت العرب باعتبارهم رجل الشرق الأوسط المريض الذى يئس من شفائه، وقامت هذه الأطراف بتصدير هذه الصورة بتفاصيلها وملامحها كما صاغتها وألحت عليها إعلاميا وسياسيا حتى صدق العرب ذلك واعتقدوا من جراء الإلحاح والتواتر والحرب النفسية أنهم كذلك بالفعل.
كان هم الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة أن تصنع صورة للعرب كضعفاء وأن تنتقل هذه الصورة للعرب بمختلف الوسائل حتى يتبناها العرب أنفسهم ويؤمنون بصحتها ويتواءموا مع مضمونها أى يتبنوا سياسات ومواقف تؤكد عجزهم وضعفهم وعدم قدرتهم على اتخاذ القرارات الصعبة والجريئة التى تحفظ كيانهم، ويصبح كل همهم أن تمر العاصفة بسلام ويتجنبوا المواجهة ويجنحوا إلى السلم ويشهدون تساقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى فى إطار النفوذ الإيرانى.
لحظة سيطرة الحوثيين على الدولة اليمنية واقتراب الخطر من حدود المملكة العربية السعودية وباب المندب، بدأ أن الوقت قد حان لإنهاء حالة الضعف وشق طريق جديد يودع هذه الحالة ويضع نهاية لها، فالأمر لم يعد يحتمل الصمت والصبر والمراوغة خاصة وأن الطرف الآخر أى الحوثيون ومن ورائهم لا يعبأون بالصبر والحكمة بل يريدون فرض الأمر الواقع والاستئثار بالدولة اليمنية دونا عن بقية الأطراف باستثناء الرئيس السابق على عبد الله صالح ومؤيديه.
قرار التدخل العسكرى للتحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية هو فى الواقع قرار يتجاوز حالة الضعف والتفكك التى يعانى منها العالم العربى وقرار بالمواجهة الحاسمة للخطر والمخاطر ووضع النقاط فوق الحروف وتحديد الخطوط الحمراء التى لا يمكن تجاوزها، بإنقاذ اليمن من السيطرة الحوثية الإيرانية وحماية حدود المملكة والخليج والأمن القومى العربى، تشكل التحالف من عشرة دول عربية ودعمته مصر وباكستان وحظى بتأييد دولى واسع النطاق.
وضع قرار التدخل زمام المبادأة بأيدى العرب واشتمل على عنصر المفاجأة بالمعنى الاستراتيجى والسياسى وأصاب الأطراف الأخرى بالصدمة وردود أفعالها بالشلل، عكس التوقعات التى بنى عليها الحوثيون ومن ورائهم قرار الانقلاب والسيطرة على الدولة، تلك التوقعات التى تأسست على ضعف العرب وعجزهم وفقدان الإرادة والقرار لديهم.
ديناميكية جديدة فى العمل العربى المشترك والتضامن العربى مبشرة وواعية تجعل كافة الأطراف يقيمون وزنا واعتبارا للإرادة والمصالح العربية إن فى الإقليم وإن خارج الإقليم، وذلك بشرط إدارة هذا الصراع إدارة رشيدة وعاقلة بعيدا عن التورط المذهبى والصراع المذهبى بل فى إطار المصالح المتبادلة واحترام السيادة والقانون الدولى ودولة المواطن التى تأخذ فى الاعتبار مصالح كافة مكوناتها من خلال التوافق السياسى والحوار.