الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وداعا حمادة سلطان .. وداعا يا صانع السعادة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في يوم الثلاثاء 31 /3 /2015 م استقبلت مصر بحزن نبأ رحيل الفنان حمادة سلطان الذي روى أرضها بالابتسامة العذبة عبر نكاته التي كانت تربة جيدة للتعرف من خلالها على ملامح النسيج الداخلي للمجتمع المصري في مرحلة هامة من تاريخه بحقبة الستينات وما بعدها.. فوسط هموم المرحلة المحتشدة بالصراعات والحروب وأوجاع الاحتلال كان الشعب في حاجة إلى الترويح وكانت مصر بوسائلها الناعمة جاهزة لتقديم فن المونولوجست الذي أبدع فيه حمادة سلطان المولود في القاهرة ذو الأصول الصعيدية التي تعود إلى قرية المحاميد بالأقصر ومع ذلك فلم يترك قومه الصعايدة ولم يستثنهم من نكاته القاسية حتى أقلع بطلب من الرئيس السادات بعدما فشي العنف بين الفلاحين الصعايدة فعاد بالتعريج على واحد بلدينا بدلا من واحد صعيدي..!! النكتة هي فن قاسي تختلط فيه الثقافة وامتدادها الاجتماعي بالفني وبعده الريفي وتشتبك بالعرف والتقاليد وما حولها من تطلع للغد البعيد ويفهمها الناس بوجهات مختلفة غير أنها تشترك بين الجميع في استحضار الابتسامة التي يقاوم بها المجتمع أحيانا الكثير من أوجاعه وينفث من خلالها عن بعض همومه..!!..لقد كانت النكتة هي فن التفريغ الشعبي للشحن السياسي التي تستخدمها الشعوب للتعبير عن رضاها أو نقمتها أو تصور بها بؤس واقعها وتعتبر ثاني أقدم نكتة في التاريخ هي نكتة فرعونية الأصل وتعود إلى 1600عام قبل الميلاد، حيث جاءت على النحو التالي كحوار بدأ بسؤال.. كيف ترفع معنويات الفرعون سنوفرو حين يذهب لصيد السمك؟ فكان الجواب: ترمي أحد العبيد بدون أن يدري ثم تصرخ بأعلى صوتك هناك سمكة كبيرة يا سيدي!! أما أول نكتة مكتوبة في التاريخ فقد اكتشفتها جامعة وولفرهامبتون التي تمتلك قسم متخصص يأخذ على عاتقه دراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية، وقد أعلن مؤخرا عن اكتشاف هذا القسم لأقدم نكتة مكتوبة في التاريخ 1900عام قبل الميلاد في موقع أثري في جنوب العرق، حيث ازدهرت الحضارة السومرية التي اخترعت الكتابة وجدت هذه النكتة مكتوبة على أبواب أحد الحمامات هناك ولكن لا يجوز إذاعتها لأنها عبارة عن شغب فاضح شبيه بما يُكتب أحيانا على أبواب الحمامات الشعبية في المدن التي هجرتها الأخلاق اليوم..!! لتظل النكتة الفرعونية بمضمونها السياسي تعبر عن شقاء شعب يقدم كقرابين في سبيل أن تنبسط أسارير فرعونه برحلة صيد حتى ولو عبر الاستهانة بأرواح البشر..!! وعلى هذا المنوال استمر عمل النكتة في واقعنا ولم ينحصر حتى عادت تطل علينا بساحة المواجهة ضد الصهاينة في فلسطين بإطار خطتهم للقضاء على شعبها وتفريغها من أهلها فتداول المصريون هنا والعرب هناك نكتة تحكي.. عن لقاء عقد بين شارون وبوش في مؤتمر صحفي أعلن فيه شارون أمام حشد من الصحفيين أنهم حصلوا على الضوء الأخضر من الرئيس بوش بقتل ثلاث ملايين فلسطيني وخروفين وطبيب أسنان واحد..!!! فرد كل الصحفيين في نفس واحد ولماذا خروفين وطبيب أسنان واحد..؟؟ فمال شارون برأسه على أذن بوش قائلّا ألم أقل لك لن يهتم أحد هنا بحياة ثلاث ملايين فلسطيني..!! كما نرى كأن النكتة الفرعونية تعيد عملها في سياق صهيوني جديد بين محيط عربي يسترخص دماء الشعوب..!! لقد تعمقت الدراسات الحديثة في دراسة النكتة وظلها الاجتماعي والسياسي في المجتمعات المختلفة وقد كانت سلاحّا قويّا في يد كل حركات المقاومة التي عملت على مجابهة المحتل بها وقد أُسست لها الصحف الخاصة كالتنكيت والتبكيت لعبدالله النديم مثلا ودارت حولها عقول مبدعة استطاعت أن تستنهض بها همم البشر..! حتى طلت علينا السلفية بفكرها الجديد الذي يقدم كل يوم نكتة أو اثنين يستطيع الناس من خلالها أن يتعرفوا على فكر يسوق لتجارة العبيد ويحرم أكل البيض والفسيخ ويجرم حلق اللحية حرمة للشعر بينما يستهينون بأرواح الناس ولا ينكرون ذبحهم على يد الدواعش الذين خرجوا من بين سطورهم..!! ملحمة الملهاة السلفية الجديدة تعتبر أكبر نكتة الآن تلفت نظر الناس حين تعصر خرائطنا بسفاهة فتتساقط منها دماء قوم كانوا آمنين من قبل أن يمر عليهم ركب أهل المساويك واللحى والطرح الأنيقة.. ومع ذلك يرفعون بأيديهم منشورات تتحدث عن مشروع للنهضة.. وكأنهم يبشرون الناس بنهضة ما بعد الممات..!!!! وسط هذه الحرائق نفتقد حمادة سلطان الرائع الذي أمتع وطنا بابتسامة أصبحت اليوم غالية لكثافة ما يحيط به من مشاعر الكآبة.. والذي حاول أن يبددها بآخر نكاته السياسية ذات المغزى العميق عندما قال.. واحد بيسأل صاحبه ابنك في سنة كام دلوقتي قاله في رابعة فقالوا هتوديه فين بعد رابعة فرد عليه هوديه السجن...!! وداعا حمادة سلطان.. وداعا يا صانع السعادة.