الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"بيبل سميث" اليهودية التي اعتنقت الإسلام لإنقاذ 4 أيتام.. أقامت مؤسسة "الشمس المشرقة" لرعاية مجهولي النسب فانتصرت وهزمها السرطان.. صابر: علمتنا الإتيكيت وحفظت معنا القرآن..عزة:"هنكمل المشوار"

الإنجليزية بيبل سميث
الإنجليزية "بيبل سميث صاحبة مؤسسة "الشمس المشرقة" بمحافظة ال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعيدًا عن أضواء القاهرة واللهث وراء الظهور الإعلامي حملت رسالتها على عاتقها وبدأت طريقها بـ4 أطفال في صمت، لم تلتفت للمحاذير ولم تردعها القوانين المجحفة عن عزمها، أقسمت بحق الطفولة المشردة أن تبدل واقع من كانوا ضحايا بلا جرم من أطفال مجهولي النسب، قامت بدور الأم المخلصة المتفانية، رغم أنها لم تمارس هذا الدور على أرض الواقع، صارعت الاتهامات وتحدت المعوقين لفكرتها حتى صارعها مرض السرطان اللعين فهزمها وحملها إلى العالم الآخر، حيث يوجد هناك إله رحيم يبتسم لحسن صنيعها، وهي اليهودية التي أصرت أن تربي جيلا من الفتيات والفتية المسلمين، ولكن على الإسلام الصحيح، إنها الإنجليزية "بيبل سميث صاحبة مؤسسة "الشمس المشرقة" بمحافظة الأقصر.


جاءت في زيارة عابرة لتتصفح معالم الأقصر الأثرية في عام 1991 ولأنها تميزت بقلب رحيم معلق بملائكة الرحمن حملتها أقدامها لإحدى دور الأيتام، وقع نظرها على 4 أطفال لم يتعدوا عامهم الرابع، في حالة يرثى لها من الشقاء والإهمال بداخل إحدى الدور المتهالكة للأيتام، فسارعت بإجراءات الكفالة لانتشالهم مما هم فيه، وسريعا ما اتخذت قرارها بإنشاء مؤسسة ترعى هؤلاء الأطفال وغيرهم ممن حكمت عليهم أقدارهم باليتم والشتات.


كان لديها قناعة بأن اليُتم ليس يٌتم الأبوين وإنما يٌتم التفكير من مجتمع لطالما يعزف منفردا وبشكل يملؤه التناقض لذا بدأت الرحلة بالأطفال الأربعة (صابر وعزة وسعيد ورأفت)، وهم أول دفعة للمؤسسة تخرجت هذا العام، 4 شباب يتحدثون 3 لغات بطلاقة، تعلموا في مدارس أجنبية وحفظوا القرآن منذ نعومة أظفارهم، اكتسبوا تعاليم الإسلام السمح المهذب الرحيم من أم لم تقرأ عنه شيئا ولم تسمع عنه إلا القليل، 4 أطفال أصبحوا في ريعان الشباب خريجي جامعات، صاروا قدوة لـ92 طفلا وطفلة تضمهم المؤسسة الآن.

"أنت أقوى من الدنيا ولكن عقول البشر السطحية أقوى منك فتغلب عليها بنبوغك وتميزك وأشهر في وجه الجميع سيف التحدي" وسواء كنت مسيحيا أو يهوديا أو مسلما احمل بداخلك كل الرسالات التي تجعلك محل احترام وحب من حولك "لا تخشي الغد ما دمت أنت المتحكم في يومك" لا تجعل الناس يهزمونك فالخائفون وجبات شهية للحيوانات الضالة "لست مجهولا للنسب ومصيرك ليس مربوطا بأسماء وهمية أو حقيقية"، "التمس العذر لوالديك فربما لديهم أسباب جديرة بالاحترام"، "تميز فالصفوف الأولى لم تخلق لغيرك". كانت هذه كلمات سميث التي مازال يحفظها الشباب ا لأربع ويرددونها على إخوانهم في الدار.


صابر عبد الرحيم الابن الأكبر في المؤسسة بدأ حديثه عن سميث قائلا: بنص القوانين المصرية، كان لابد أن نكبر جميعا على الإسلام ولم تكن ماما سميث تعرف الكثير عن ديننا، لذا أخذت تقرأ وتتعلم وتخبرنا عبر قصص الأنبياء والصالحين، وبعد سن الخامسة بدأت تستعين بشيوخ متخصصين لتعليمنا القرآن بشكل صحيح، ومع استمرارها في قراءة المترجم من الكتب الإسلامية أصبحت شغوفة جدا ومحبة للقرآن، لذا طلبت مني وأنا في الخامسة، أن أحفظها ما حفظت من القرآن باللغة العربية وقد قمت بذلك بالفعل.

حرصت على تعليمنا الصلاة بقواعدها الصحيحة كما هو الحال مع الصيام، نمت بداخلنا حب الله وعلمتنا كل آداب الحياة في الحديث مع الآخر إلى جانب حرصها على تعليمنا قواعد الإتيكيت الإنجليزية كاملة في المأكل والمشرب والجلوس حتى إننا كنا نذهل كل من يزورنا بحسن التربية والسلوك، كانت تقول لنا ضع نبيك "محمد" صلى الله عليه وسلم نصب أعينك فقد كان أميا ويتيما، لكنه استطاع أن يفعل وأصبح معلما للجميع".

داهمها مرض السرطان بكل قوته، ظلت تقاوم حتى خارت قواها فأبت أن نراها في ضعفها وهي التي لقنتنا كل دروس القوة والتحمل والجلد لذا سافرت بلدها إنجلترا في عام 2004 الذي كان عام الرحيل والعصف بنا، لتلفظ أنفاسها الأخيرة وحدها، بعيدا عن دموعنا ووجعنا الذي كان يفوق وجع ألمها.

بسلام رحلت وظل الابن يتحدث ويتحدث عنها دون توقف حتى سألناه عن نفسه فقال: لا أعرف عن طفولتي إلا ما قرأته في ملفي أني وجدت بجوار مطعم مشهور بثياب تدل على يسر الحال وكان بصدري سلسلة تحمل صليبا، إلى جانب حفر في رأسي عليه رسمة صليب أيضا ولكن أمي.. أصرت أن أكون مسلما والحمد لله أحاول أن أكون خير مثال للشاب المسلم المتفتح المتمدن الخلوق.

وتابع الشاب: كان حلمي الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، ولكن منعتني القوانين المستبدة التي تحظر علينا حتى التفكير في الأمر مخافة أن نفشى أسرار بلادنا للأعداء، من منطلق أننا "ولاد حرام وخونة" من وجهة نظرهم وعلى النقيض تم استدعائي للجيش، لتأدية الخدمة العسكرية بعد أن تخرجت في الجامعة، والسؤال فلم الكيل بمكيالين؟ ولما يحملنا البعض أخطاء غيرنا.

وسرعان ما عاود صابر الحديث عن بطلته الأم مستأنسا برواية حكتها له أمه الإنجليزية كانت تدور حول: أخ لهم وجدوه بجوار مبنى المحافظة وكان يحمل بين ملابسه ورقة مكتوبا فيها "وصيتي تسموا ابني محمد" وبالفعل حاولت أمنا باستماته أن يسجل أخينا بهذا الاسم ولكن القوانين منعتها من ذلك وكان رد المسئولين: لا نسجل أيتاما باسم محمد "فصرخت في وجهه قائلة:" إذا كان رسولكم نفسه ومعلمكم اسمه محمد فكيف تمنعون يتيما من استعارة اسم خير يتيم عرفته البشرية، اعلموا أن رسولكم منكم غاضب وأجزم أنه لو كان بيننا الآن لأنصفنا ونهركم".


10 أعوام مضت على رحيلها لكن نصائحها وكلماتها مازالت تبشرنا بأن الغد أفضل، هنفضل نحب بعض هتفضل دايرتنا موصولة وهيفضل حضننا مفتوح لإخوتنا الجدد هنحافظ على الأمانة وهنكمل مشوارها، هنكون أمهات لإخوتنا الصغيرين في المؤسسة، هنتجوز من بعض لأننا عاقلين وعارفين أن المجتمع مش هيقبل بنسبنا المجهول، وإذا كنا إحنا خرجنا للدنيا بدون نسب فعزاؤنا أن ولادنا أكيد غيرنا ومعاناتنا هتنتهي مع أول شهادة ميلاد موثقة ليهم فيها اسامينا.. كانت هذه إحدى روائع حديث عزة أول فتاة لأول دفعة بالمؤسسة.

في نهاية الحديث انطلقت دعوات الرحمة والحب والامتنان لروح الأم المثالية التي أحبت الإسلام وأبناءه وشهد لها جميع أطفالها بأنها كانت نعم الأم والمعلمة، إنها اليهودية التي أسلمت قبل وفاتها "بيبل سميث".