السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القمة العربية خطوة إلى الأمام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان من المتوقع أن تنطلق بعض الأبواق تندد بالقمة العربية فى شرم الشيخ من قبل أن تبدأ أعمالها، ومن قبل أن تتبين ملامح اتجاه المناقشات. وفضّل البعض، مع البيان الختامى، أن يبدو وكأنه حريص على مصلحة مصر وسمعتها، لذلك أعرب عن احتجاجه أن تكون مصر تابعة للملكة العربية السعودية، وأن تشارك فى القوة العربية العسكرية المشتركة، المنوط بها التصدى فى أولى مهامها لانقلاب الحوثيين فى اليمن، لا لشيء إلا حرصاً على استمرار الدعم السعودى الذى، كما يقول، صار قيداً يُكَبِّل مصر.. إلخ.
وهو منطق، كما ترى، لا يرصد أى تأثير سلبى على مصالح مصر الوطنية فى تطورات الأحداث الأخيرة باليمن، ولا يعرف أى دافع مصرى وطنى مستقل يجعلها تتخد موقفاً ضد الانقلاب الذى قامت به جماعة تحمل اسم عائلة لا تزيد كتلتها، مع كل من يؤيدها، عن 1 بالمئة من عدد سكان اليمن، وفق ما أعلنه وزير خارجية اليمن على هامش مؤتمر شرم الشيخ.
حسناً، المعلومات المتاحة للعامة، والتى يرفض هذا البعض وضعها فى الحسبان، تؤكد أن لإيران يداً قوية فى دعم الحوثيين، وأنه لولا هذا الدعم ما كان للحوثيين أن يفكروا، مجرد تفكير، فى الإقدام على ما يقومون به الآن، وأن كل هذا يتطابق مع مصالح إيران فى الإقليم، فى العراق وسوريا ولبنان، وفى البحرين والكويت.. إلخ، كما أنه يتسق مع سياستها الواضحة على الأرض إلى مدى يصل إلى حدود باكستان، وهو ما جعل الأخيرة تقرر أن تشارك فى التصدى لإيران فى اليمن لأن إضعاف إيران فى أى منطقة يصبّ فى مصلحتها. ومن المؤكد أن هذه السياسة تعزز من مكانة إيران التفاوضية فى الملف النووى مع الغرب.
فهل يصح لمصر أن تنتظر حتى يتمكن الحوثيون من فرض سيطرتهم على كل مساحة اليمن وتكون المناوشة على باب المندب بقرار من إيران؟
هناك من يرفضون دائماً بحجج شتى، مثل أن ما تحقق قليل، وأنه كان يمكن أن يكون أكثر، أو أنه ليس من الأولويات، لأن لهم دائماً قضايا أخرى تستحق الصدارة قبل القضية التى لاقت الاهتمام، أو لأنهم يفاضلون بين افتراضات ليس لها ظل على الواقع. وفى معظم الأحوال فهم يتعاملون فى السياسة بمنطق الأخلاق، أى بافتراض أن يتحقق على الأرض ما هو واجب التحقق، طبقاً لوجهة نظرهم، بدلاً من تحسين شروط الاستفادة مما هو ممكن.
ومن هذه الحجج أن الشرعية الليبية أيضاً مهددة بقسوة، فلماذا لم تحصل ليبيا على نفس الاهتمام الذى حظيت به اليمن؟
أو أن نظام الحكم السورى، الذى يرون أن له شرعية مثل النظام اليمنى، يتعرض لازدواجية المعايير لأن نفس القادة يواجهونه بالنقيض حيث يؤيدون المعارضة التى تستهدف الإطاحة به..إلخ
ولكن الواقع يقول: إن اليمن، وفى لحظة تاريخية نادرة، وجدت اهتماماً إقليمياً وعالمياً يتفق فى الاتجاه، وإن اختلف فى القوة والحماسة: على مستوى الإقليم تلاقت مصالح معظم الدول وعلى رأسها مصر والسعودية، وعلى المستوى العالمى، اتفقت كثير من القوى الفاعلة وعلى رأسها أمريكا وروسيا. وقبل كل ذلك، كان موقف الشعب اليمنى بجميع مكوناته يكاد أن يكون صفاً واحداً مع الرئيس عبد ربه منصور هادى، وبقيت، على الناحية الأخرى، هذه القلة القليلة من الحوثيين وجماعة الرئيس المخلوع على عبد الله صالح، مدعومين من إيران!
هذا الموقف الإقليمى والدولى لم يتوفر فى حالتى سوريا وليبيا!
وقد كان القرار المصرى صائباً بالموافقة على المشاركة فى القوة العربية العسكرية المشتركة، لأنه لا يمكنك أن ترفض تحقيق جزء من مصلحتك وأن تضع شروطاً لتحصيلك للفوائد المتاحة بأن يُسَهِّل لك الآخرون باقى استحقاقاتك، خصوصاً عندما يرفضون ذلك أو لا يتحمسون له.
الكلام الذى ينبغى أن تُخَصَّص له المناقشاتُ المطولة فى هذه المرحلة فى كل الدول العربية، يتعلق بتعزيز مشروع هذه القوة العربية الجديدة، حتى لا يكون مصيرها شبيهاً بما حدث لشبيهاتها، مثل مجلس السلم والأمن العربى منذ نحو عقد من الزمان، والذى توارى فى ظروف غامضة! ثم، وبعد أن تنجح مهمة إجبار الحوثيين على التراجع والامتثال للإرادة الوطنية الشرعية التى اختارها اليمنيون، يمكن الحديث عن تطوير أوضاع هذه القوة العسكرية، والبحث عن سبل تتيح للنظام الإقليمى أن يحل مشاكله شديدة الخصوصية بقوة أعضائه، خاصة بعد أن نفض العالم المتحضر يده من نوعية هذه المشاكل!
ومن أهم النقاط الجديرة بالمناقشة أن تتبلور بوضوح مهام هذه القوة حتى تنفى عن نفسها شبهة الدفاع عن النظم الحاكمة فى حالة الثورة الشعبية ضدها! لأن هناك مخاوف حقيقية أن تكون هذه القوة سلاحاً لحماية نظم الاستبداد والفساد وفرضها على الشعوب، بل أن تكون هى أداة الحكام فى إحباط ثورات الشعوب ضدهم.
لذلك يجب التفريق بين المهمة العاجلة الخاصة باليمن، والمهام الآجلة التى تهمّ كل الشعوب العربية. لأنه قد يجوز، فيما هو عاجل، أن تقتصر الاجتماعات الخاصة بالإعداد للتوجه إلى اليمن على قادة أركان جيوش الدول التى وافقت على الانضمام للقوة. أما فيما يخصّ المستقبل، فإنه يجب أن تضم اللجان التى تناقش تطوير هذه القوة ممارسين وخبراء وعلماء من تخصصات متعددة بين السياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع والتاريخ..إلخ، لأن هؤلاء، بعلمهم فى مجالات متعددة هم عون أساسى لاستشراف أبعاد أخرى تحقق المصلحة العامة.
تحديد مهام هذه القوة العسكرية الجديدة، وتوسيع مجال عملها بما يتوافق مع الرأى العام الشعبى العربى، وترتيب أولويات أعمالها، هى دور المجتمع المدنى العربى والمثقفين والأدباء والفنانين وكل من ينشطون فى العمل العام فى جميع الدول العربية، وعليهم ألا يستهينوا بقوتهم باعتقاد أن الجامعة العربية هى رسمياً ممثل للحكومات وليس للشعوب، بل على هؤلاء أن يدركوا أن موافقتهم على أعمال هذه القوة هو الذى يُضفى عليها الشرعية ويجعل وجودها وعملها ونتائجها مقبولة لدى الجماهير.