الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"ضمائر" سلمان زين الدين "المنفصلة".. تحديد للشعر على خلاف شوقي

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشاعر اللبناني سلمان زين الدين في مجموعته الأخيرة (ضمائر منفصلة) يقدم للقارئ نتاجا حافلا بالفكر الفلسفي العريق كما يقدم له تحديدا ظريفا و"شعريا" للشعر يأتي مختلفا عن تحديدات أخرى سبقته ومنها تحديد أحمد شوقي له.
وقد اعتبر تحديد شوقي للشعر عند كثيرين من الأدباء الكلاسيكيين العرب منهاجا ومقياسا يسار عليه. قال أمير الشعراء في بيته الشهير "والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة/ أو حكمة.. فهو تقطيع وأوزان."
ولعل التحديد "الشعري" للشعر الذي جاء به سلمان زين الدين يكاد يلتقي من بعض النواحي بآراء أولئك الذين يقولون إن الشعر يعصى على التحديد. إلا أننا نلاحظ عند الشاعر أنه لا يقول ذلك تماما بل يكاد يستحضر ما يشبه ما اسماه علماء الكلام "الصفات السلوب" أي تلك التي يتوخى من ذكرها نفي صفات أخرى عن الموصوف.
ويأتي كلام الشاعر عن الشعر في نطاق قصيدة اسماها (أفعل التفضيل) وفي مقدمتها يقول "أجمل الأشياء/ ما يبقى بعيدا/ دونه خرط القتاد/ فإذا منه اقتربنا/ يمتطي مهر البعاد."
وفي نهاية القصيد يغادر الشاعر أجواء "القتاد" الجاهلية تلك ليكتب شعرا معاصرا لينا يقدم لنا فيه تحديده للشعر. الشعر عنده هو الخاطرة أو الحالة المستعصية.
يقول "أجمل الشعر/ هو العاصي على التعليب/ في شكل محدد/ لا ضفاف الحرف تحويه/ ولا اللفظ المجدد/ خارجا يجري على المجرى كنهر يتمرد/ هائما يمضي على الوجه/ كصعلوك مشرد/ فإذا ما رمت يوما أسره/ في قصر شعر/ يهدم القصر ويصعد."
وسلمان زين الدين شاعر وناقد ومفتش تربوي له ما لا يقل عن عشرة كتب بين شعر ونقد روائي. وقصائد مجموعته تحتوي على التقليدي العمودي وعلى المتعدد الأوزان والقوافي.
يبدأ الشاعر مجموعته بقصيدة كلاسيكية النمط حافلة بالروح الرومانسية الحزينة اسماها (على صفحة الدهر) وفيها يقول "توقف قليلا يا زمان ولا تجر/ ودعني أغني ما تصرم من عمري/ دلفت إلى الدنيا خفيفا كغيمة/ ولا بد يوما أن أعود إلى النهر".
قصائد الشاعر بينها عدد وافر يتميز بفكرة تناسخ الأرواح التي عرفت أدبيا عند أجانب ولبنانيين قبله مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. وهذا المعتقد يعبر عنه أيضا بمصطلح التقمص أي أن الروح الخالدة ترتدي الجسد قميصا وعندما يبلى ترتدي قميصا جديدا آخر.
والمعتقد الذي تؤمن به دينيا جماعات منها الدروز وآخرون قديم في الفكر الفلسفي. وأول إشارة فلسفية إليه جاءت كما يبدو لدى فيلسوف سابق لسقراط هو بيتاجوراس في القرن السادس قيل الميلاد كما عرف عند من جاء بعده ومنهم أفلاطون وأفلوطين وآخرون.
في قصيدة (فتنة التراب) يقول الشاعر "كم من القمصان قد مزقتها/ عبر الزمان/ ارتدي الواحد عمرا/ واعرّي بعض أجساد المكان/ من زمان/ امتطي القمصان في سعيي إلى الحق/ وبحثي عن قناديل الحقيقة/ كل عمر لي قميص امتطيه/ فيجوب الأرض يدب / سعيا إلى الأصل الذي تهفو إليه النفس.
"هي روحي/ منذ كان الكون كانت/ وستبقى للأبد/ ترتدي القمصان/ في رحلتها/ من ظلمة العد/ إلى نور الأحد."
وفي قصيدة (علامات استفهام) يقدم لها بعبارة نسبها كثيرون إلى الإمام على بن أبي طالب هي "الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا". القصيدة قد تحمل إلينا شيئا مما يشبه قصيدة إيليا أبي ماضي الشهيرة (الطلاسم) خاصة في أسئلتها وفي النتيجة التي تطرحها الأسئلة وهي نتيجة "لاإرادية" حتما.. فنحن لا ندري.
يقول "هل ترى نحن نيام/ فإذا متنا انتبهنا/ أم ترى نحن شهود/ فإذا ما رثت القمصان نمنا؟/ هل نرى في نومنا الحتمي/ أحلاما جميلة/ ام كوابيس طويلة/ هل ترى ثم نهوض/ بعد هذا لنوم يأتي/ فيصيح الديك بشرى/ بانبلاج الفجر عن عمر جديد/ أم هو الليل طويل/ كليالي راسف بين القيود؟"
جاءت المجموعة في 175 صفحة متوسطة القطع واحتوت على 23 قصيدة. رسم الغلاف والرسوم الداخلية هي للفنان التشكيلي اللبناني أمين الباشا وصدر الكتاب عن دار نلسن في السويد وبيروت.