الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الانتهازيون الإخوان.. والصعود نحو الهاوية الديمقراطية.. الفريضة الغائبة عند «الجماعة»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتناولنا مسيرة جماعة «الإخوان المسلمين» منذ التأسيس عام ١٩٢٨، وحتى الآن، رصدنا التطور والتنامي الحركي والفكري للجماعة على مدى ما يقرب من ٧٥ عامًا..
ونتوقف هنا أمام محطات ورؤى (تنظيمية وفكرية وسياسية) مارستها الجماعة واعتمدتها، وعبرت عنها طوال هذه السنوات، بعضها شهد تطورًا ومغايرة، وبعضها ظل من الثوابت التي تحرص عليها الجماعة.. ويمكن إجمال أهم هذه المحطات والرؤى والمواقف في الآتي:
الإطار التنظيمي الداخلى للجماعة:
(الحرص على السرية – الديمقراطية الداخلية - مبدأ السمع والطاعة – التجنيد والتثقيف للأعضاء والكوادر وصلاحيات المرشد «اللائحة التنظيمية الداخلية بشكل عام»).
التنظيم الدولي للإخوان –الجهاز الخاص والموقف من الإرهاب– اقتصاديات الجماعة وأوضاعها المالية.
وعلى صعيد الرؤى الفكرية:
الموقف من الحزبية والتعددية.
العمومية والضبابية في الخطاب الإخواني.
الموقف من أفكار سيد قطب.
ولا شك أن هذه «الحزمة» من القضايا والمواقف والأفكار، شهدت طوال عقود طويلة –بدأت من حياة الإمام المؤسس حسن البنا– نوعًا من التحفظ والاختلاف والتباين، ليس من خارج صفوف الجماعة فقط، بل ومن داخلها.. وصلت في بعض حالاتها إلى درجة الاتهامات والانشقاقات والخروج عن الجماعة (جماعة الإخوان)، وبالتالى يصبح التوقف أمام مهمة ليست بالسهلة اليسيرة إن لم تكن مستحيلة، إذن الأمر لا يخلو من صعوبة عند الاشتباك والقراءة النقدية في هذه الملفات، لكن تبقى أنها قضايا حقيقية تطرح أسئلة حقيقية؛ فقضية –مثلًا– كقضية الديمقراطية الداخلية (داخل تنظيم الإخوان) تؤكد ما أشارنا إليه من «لغط» تاريخي، عرف طريقه ليس للرافضين والمنافسين للإخوان، بل وصل ليقول به أعضاء وكوادر من المؤسسين للجماعة، ويمكن صياغة السؤال على النحو التالي:
الإخوان المسلمون المطالبون دائما بالديمقراطية.. والمهاجمون للأنظمة الحاكمة لأنها لا تطبق مفاهيم الديمقراطية.. هل يحرصون داخل تنظيمهم وفى صناعة القرار داخل الجماعة، وفى تدوير آليات التنظيم فيما يحكم العلاقة بين الفرد «العضو» والجماعة، وفى العلاقة بين المستويات القاعدية والمستويات القيادية، وفى اختيار –انتخاب– القيادات، وفى تحديد مسئوليات (حقوق وواجبات) أعضاء الجماعة، هل يحرصون في كل هذه الممارسات على إعمال وإنفاذ وترسيخ مفاهيم وأساليب وقواعد ديمقراطية؟!
وللإجابة عن هذا السؤال الجوهرى، تجدر الإشارة بداية إلى أننا سنقدم إجابة حقيقية وواقعية، لا تعتمد على اجتهادنا أو تحليلنا أو رؤيتنا الخاصة لتاريخ وحاضر جماعة الإخوان، بل سنعمد للاستناد إلى آراء وتصريحات لرموز وقيادات إخوانية، من أجيال مختلفة من جيل التأسيس الأول الذي عايش المرشد والإمام الأول حسن البنا، مرورًا بكل التجارب والمعارك ومسارات الصعود والهبوط، ومناخات الشدة والانفراج التي شهدتها جماعة الإخوان، ومن خلال تعاقب «المرشدين»، من المرشد الأول وحتى المرشد الحالي للجماعة.
وإننا إذ نعمد للاستناد والاتكاء على شهادات إخوانية في تناول قضية الديمقراطية الداخلية وجماعة الإخوان، فإنما يعود ذلك لاعتبارين:
أولهما: أن قضية الديمقراطية الداخلية (إعمالها من عدمه)، خاصة في تنظيم مثل «جماعة الإخوان المسلمين» غلبت السرية في عموم مراحله على بنيانه التنظيمي، يجعل من الصعب إصدار أحكام تقييمية على تجربته من خارجه، خاصة ونحن نتناول مسألة تعتمد على الممارسة الفعلية والتلامس الحميم والاقتراب والمعايشة.
ثانيهما: من باب أن أهل مكة أدرى بشعابها، ولا يعرف الشوق إلا من يكابده، وشهد شاهد من أهلها، يأتى استنادنا إلى هذه الشهادات الإخوانية، ولسان حالنا يقول: «قطعت جهيزة قول كل خطيب».
ولنبدأ رحلة الشهادات مع أحد رواد جيل المؤسسين الشاهد على مسيرة الإخوان منذ الأربعينيات وعضو مكتب الإرشاد الأول في عهد الإمام حسن البنا، وكذلك في عهد المرشد الثانى حسن الهضيبى، وهو الأستاذ فريد عبد الخالق، الذي فضل «الانسحاب» تنظيميًا من الإخوان، مطالبًا بمراجعة «المقولات والآليات»، ومشيرًا إلى عدم الالتزام الجاد بمبادئ الشورى والعدل والمساواة وحرية الرأى والنقد وفرض الوصاية والهيمنة على الآخرين، وما يتبع ذلك من نزعة تقديس أشخاص القيادة وتصنيف المسلمين حسب درجات الولاء للتنظيم أو قيادته، وفى ذلك –كما يرى الرمز الإخواني الكبير– مفسدة للمسلمين وللجماعة.
وننتقل لشهادة تلميذ من تلاميذ الإمام حسن البنا المقربين، وله يدين بصياغة شخصيته الإسلامية وهو العالم الطبيب المفكر الدكتور حسان حتحوت، وببصيرة وخبرة العالم والمفكر الإسلامي يشخص حال الحركات الإسلامية، من واقع علاقته وخبراته التنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين فيقول:
«ولهذا وجدنا لدى الجمعيات الإسلامية –أفرادًا أو جماعةً– ضيقا بالرأي الآخر وتضييقًا عليه، من لم يكن رأيه نسخة طبق الأصل من رأس الجماعة فهو إما منشق عليها أو معاد لها، ورأينا كثيرًا من الاجتهادات المخلصة تثير الهجوم الحاد أو الدفاع الحاد، ويصنف أصحابها في مراتب منها الخيانة أو العمالة أو المروق من الدين أو ابتغاء الفتنة أو تفريق الصف، في غياب كامل لمفهوم الحوار الموصول الهادئ الذي ينشد الحقيقة، ويرى أن لها أكثر من باب، وأن للطرف الآخر حقًا في رأى آخر، ولا بأس بذلك ما لم ينكر معلومًا من الدين بالضرورة أو يحل حرامًا أو يحرم حلالًا».
ويضيف حتحوت: «رأينا كثيرًا من الجمعيات –كبيرة وصغيرة– تحشد الأتباع والأنصار وتأخذ منهم العهد في السمع والطاعة، لا على تكريم الإنسان والمطالبة بحريته، وآنسنا في البعض منها تكريسًا للولاء للجمعية ينافس الولاء للإسلام، مع أن الإسلام غاية والجماعة وسيلة من الوسائل».
أما الدكتور توفيق الشاوي (دكتوراه الدولة في الحقوق من باريس عام ١٩٤٩) من جيل الرواد بالجماعة فيقول:
المشكلة الأولى: أن النظم الأساسية واللوائح الإدارية تعامل وكأنها سر من الأسرار، فالقاعدة العريضة من أعضاء التنظيم الإسلامي ربما تقضي
 العمر كله «في الصف» دون أن تطلع على النظام الأساسي الذي يحكمها مجرد اطلاع، دع عنك مناقشته أو مراجعته أو اقتراح التعديلات عليه، والمفترض –وهذا من حق كل أعضاء التنظيم أي تنظيم إسلامي كان أم غيره– أن يطبع النظام الأساسى واللوائح الإدارية في كرأسة صغيرة، وتعطي نسخة لكل فرد ينضم لإطارات الحركة الإسلامية في العالم، بالظروف الاستثنائية التي عايشتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والسرية التي أحاطت بها في ظروف المحنة خلال الفترة الناصرية، وإذا كانت السرية مبررة في تلك الفترة بالذات –وإن كانت هذه المسألة محل نقاش أيضًا– فهى غير مبررة في الأقطار العربية التي لم تضطهد حكوماتها الاتجاه الإسلامي، بل إن بعض الحكومات العربية تتيح للتنظيمات الإسلامية ما لا تتيحه لغيرها فعلام السرية إذن؟
والمشكلة الثانية: في «التنظيم»، هذا التداخل الخطير والملحوظ بين الدين وأمره ونهيه من جهة والتنظيم كإدارة بشرية وأمره ونهيه من جهة أخرى، بحيث إن الحد الفاصل بين الدين كأمر رباني والتنظيم كأمر بشري، لم يعد واضحًا بالنسبة للقاعدة العريضة من الأتباع، وهذا أمر ينبغى توضيحه، فاختلاط هذا الأمر أضفى على التنظيم (وهو جهد بشري محض) اللبوس الديني، بحيث يشعر العضو بـ(الإثم) لو خالف أمرًا تنظيميَا أو اعتراض عليه، خاصةً مع وجود بعض (رجال العلم الشرعي!) الذين يسخرهم التنظيم في الدفاع عن تأويلاته وتخريجاته، ومن الملاحظ أيضًا أن الاجتهادات الشرعية والعلمية التي لا تساير الخط العام لقيادة التنظيم تقمع وتتعرض لكثير من التشويه.
والمشكلة الثالثة: في «التنظيم» أنه يطالب أعضاءه بتأدية واجباتهم تجاهه دون أن يسمح لهم بالمطالبة بحقوقهم عليه، وبالالتفات لـ«النظام العام للإخوان المسلمين» المعمول به حاليا، والصادر في ٩ شوال ١٣٠٢ هـ الموافق ٢٩ تموز ١٩٨٢، وتأمل مواد الباب الثالث الذي يغطى العضوية وشروطها، يلاحظ أن منطوق المواد كلها تؤكد واجبات العضو: ابتداء بعهد البيعة (مادة ٤) مرورا بدفع الاشتراك المالي (مادة ٥)، وصولًا إلى الإجراءات الجزائية التي يتخذها التنظيم في حق العضو الذي يقصر في واجباته بما فيها الفصل (مادة ٦) دون أن نجد مادة تعطي الحق للعضو في التظلم، ودون أن تحدد مادة أخرى الجهة التي يتظلم إليها العضو، هذه الثغرة الخطيرة في «النظام العام للإخوان المسلمين»، فتحت الباب على مصراعيه أما القيادة لفصل وإعفاء وتجميد عناصر كثيرة، اختلفت معها في شأن من شئون الجماعة، ولقد خسرت جماعة الإخوان أعدادا كبيرة من أعضائها النابهين المؤسسين جراء خلو «النظام العام» من المؤسسات العدلية التي تكبح إساءة استعمال القيادة لسلطتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يحق لجماعة من الجماعات أن تطالب الحكومات العربية والإسلامية بتحقيق العدالة والحرية لمجتمعاتها وهى تحارب ذلك في صفوفها؟
بينما حدد الدكتور محمد فتحي عثمان الذي ارتبط بجماعة «الإخوان المسلمين» منذ عام ١٩٤٢، «سلبيات» الجماعة في مجال التنظيم، وهى «غلبة الطاعة للقيادة على الشورى في حقيقتها وجوهرها وغلبة الولاء للتنظيم والتقوقع فيه»، ويضيف «فليس من المقبول أن تدعو جماعة إلى أن تحترم الدولة حرية الفرد والجماعة، بينما لا تحترم هي حرية الفرد أو حرية الجماعات الأخرى». ونتوقف أمام رؤية صاغها الدكتور عبد الله فهد النفيسي، العالم والمفكر الإسلامي، عن «الإخوان المسلمين في مصر.. التجربة والخطأ»، يستعرض فيها تاريخ الجماعة منذ التأسيس على يد الإمام البنا، وما قدمته الجماعة من أفكار وممارسات، وعلاقة الإخوان بالنظم السياسية والأحزاب، ويتوقف كذلك أمام التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ويستعرض اللوائح التنظيمية الداخلية للجماعة... الخ، في محاولة جادة لعرض ونقد التاريخ السياسي لجماعة الإخوان منذ تأسيسها وحتى نهاية الثمانينيات، ويخلص «النفيسي» إلى بعض الملاحظات، نورد منها هنا ما يتماشى مع موضوعنا، الديمقراطية الداخلية للإخوان المسلمين، والاستشهاد طويل، لكن عذرنا أنه شامل ومهم، يقول د. النفيسي:
«لم يعد التركيب الإدارى القيادى للجماعة مجديًا اليوم، بل أصبح هو ذاته عقبة أمام الدعوة الإسلامية في مصر، وبعض الأقطار العربية التي امتدت إليها يد الجماعة نفسها، أقصد أن العصر لم يعد يحتمل (المرشد العام –مكتب الإرشاد– ومجلس الشورى)، وهو تركيب يكرس كثيرًا من الأمراض الإدارية في القيادة، وأهمها تركيز السلطة والقرار بيد فئة قليلة من الأشخاص، ربما يعدون على أصابع اليد الواحدة، كما هو حاصل اليوم، لابد من التفكير بصيغة تفتت مواقع السلطة الإدارية القيادية، وتنقلها للقواعد، وتفوضها للمستويات الأدنى من الهيئات الإدارية القيادية التي ينبغي التفكير باستحداثها، فنحن اليوم في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية، التي نتجت عن تطور وسائل المعرفة والاتصال، ولم يعد من الممكن القبول بفكرة (الإمام)، المرشد الحجة ذى العلم المحيط الذي ينهل منه الناس الحكمة والمعرفة والرأى السديد، هذا زمن المؤسسات الكبيرة والنظم المرنة وتوفير متطلبات الابتكار وسيطرة العلاقات أكثر من سيطرة الهيكل، وتكثيف دور الاختصاصيين لا تهميشهم، وتفتيت السلطة لا تركيزها وتعقيد قرار الحرب والسلام لا تبسيطه، وكل ذلك غير متحقق في جماعة الإخوان بصيغتها الإدارية الحالية».
ويضيف «النفيسي»: «ينبغي التفريق بين الدين كمعتقد وغاية، والتنظيم كحشد ووسيلة، ذلك أن الخلط الحاصل بين الإثنين في جماعة الإخوان، صار أحيانًا يؤدي إلى استعمال الدين كوسيلة بغية الحفاظ على التنظيم كغاية، وهنا مكمن الخطر على الدين والتنظيم والمجتمع السياسي الذي يتجاذبان فيه، الدين لا يمكن القبول بنقده، لكن لأن الخلط حاصل بين الدين والتنظيم صار أيضًا ليس مقبولًا نقد التنظيم، وهنا مكمن الخطر، أيضًا على الدين والتنظيم والمجتمع السياسي الذي يتجاذبان فيه، لذا ينبغى تشجيع النقد الذاتي للتنظيم، وفتح المجال أمام الجميع في ممارسة هذا الحق الطبيعي، الذي باتت تعترف به كل النظم والجماعات والأحزاب في هذا العصر، ولا يبدو أن قيادة الإخوان في مصر مقتنعة بهذا التأصيل، فكلما شجعنا النقد الذاتي هيأنا ظروفًا أفضل لأداء أفضل والعكس بالعكس».