الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الله غاضب.. وفرخندة في الجنة

رجم فتاة باكستانية حتى الموت

فرخندة
فرخندة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإسلاميون قتلوها بألواح الخشب والحجارة بدعوى تحريفها القرآن وهددوا من يحاول دفن ما تبقى من جثتها بـ«عذاب شديد»
النساء شيعن جنازتها في مواجهة المتطرفين شقيقها: لا يوجد دليل واحد يثبت الاتهام

الواقعة بالتحديد جرت أحداثها في باكستان التي استيقظت قبل أيام على رجم «فرخندة»، وهى فتاة تبلغ من العمر 27 عاما، اتّهمَت بحرق القرآن الكريم، لم تحقق الشرطة في الاتهام، اعتبرته مجرد شائعة سَرَت كالنار حتى وصلت إلى الجماعات الإسلامية، التي اتَّخذت قرارا برجمها وضربها بالألواح الخشبية والحجارة، وانقضت عليها مجموعة متشدّدة تقطع يديها وساقيها تطبيقًا لـ«حدود الله» حتى ماتت.
رفض رجال قرية «فرخندة»، تشييع جنازتها، أو حمل الجثمان إلى مثواه الأخير، خوفًا من هجمات التنظيمات الإرهابية المفاجئة، فتقدّمت صديقات القتيلة لحمل النعش، على خلاف عادة البلاد الإسلامية في مراسم الجنازة.
يوم الخميس ١٩ مارس قام مجموعة من مهاويس الشريعة في باكستان بالانقضاض على فتاة بالضرب بألواح الخشب وبالحجارة في مشهد بربري لا يحدث إلا في بلاد تسمى هذه الجرائم حدود الله.
جرائم بشعة وعقوبات بدنية تجاوزها الزمن وهجرتها الفطرة السليمة ولكن حسب أبناء الجهالة أنها الدين، وبغيرها لا تقوم للدين قائمة.. تبدأ البربرية بالجلد لتصل لتقطيع الإنسان حيا وميتا وبتر الأعضاء أمام طائفة من «المؤمنين» رجال ونساء وأطفال... قطع يد، قطع يد ورجل من خلاف أو قطع كل الأطراف أو حتى جز الرقاب مرورا بالرجم وعرض الأشلاء بافتخار وزهو.. لعنة الله على كل جهول غبى.
فرخنده فتاة باكستانية بعمر ٢٧ سنة، لم تكن مجنونة ولا متخلفة عقليا.. ولم يثبت أنها حرقت قرآن.. فلم يكن هناك لا محاكمة ولا استجواب فقط إشاعة سرت كالنار في الهشيم فتلقفها هؤلاء المجانين، أمام صمت البوليس الذي تركهم يتممون مساوئ الأخلاق بمشروعهم القبيح بالحرق بعد رجمها وضربها بالألواح الخشبية ثم الحجارة، وكل ما تصل إليه يدهم القذرة ولو اغتسلت في اليوم خمسا أو حتى خمسين، وما دام القذر في الدم يجرى فما نفع الوضوء!!.. مسعورين أرادوا إثبات ذكورتهم أمام امرأة لا حول لها ولا قوة..
ومارست السلطات ضغوطا على الأهل منعا للفتنة من خلال جلسات عرفية على الطريقة المصرية، في صعيد مصر الذي لا تريد عائلاته أن تعيش في ظلال دولة وقانون يسرى على الجميع.. بل تشترك الدولة ممثلة في مأمور القسم أو حتى المحافظ لحل الخلافات وديا وفق أعراف الجاهلية وزمن القبائلية المجرم... ويسمى زورا عقد صلح ودى أو وعرفى... ومن خلال جلسة عرفية طلب المسئولون من الأهل الادعاء بأن ابنتهم ليست بكامل قواها العقلية أو عندها تخلف عقلى وميول انتحارية.. كما أشاعت السلطات قبلا في تصريحاتها.. فالواجب القومى الآن هو ألا تخرج أي تصريحات من الأهل على خلاف ذلك مما يسبب حرجا لأولى الأمر...
ثانيا لمصلحة الأهل أنفسهم، كما نصحت الشرطة أو تظاهرت بالنصح، فإن تجرأ أحد على قول الحقيقة وعوقب أيا ممن كان مشاركا ببهجة جهنمية في هذا العمل الفاجر.. فإن أعوانه ومَن هم على شاكلته من المؤمنين وأهله الورعين سيثأرون شر انتقام من الأهل، وتكون فتنة هم فيها بالضرورة من الخاسرين... فالواجب يحتم قفل باب القضية منعا للإزعاج والإحراج وخير المستضعفين في الأرض..
ولكن مَن يقبل هذا العار ما استحق أن يعيش ولو عاش فما معنى الحياة..؟!!.. فقام الأخ في بتصريح لوسائل الإعلام يفضح فيه ما تمارسه السلطة ضدهم، وأكد أن أخته حاصلة على «الماستر».. أي ما يعادل الليسانس أو البكالريوس في العلوم الإسلامية تحديدا.. وهى معلمة مشهود لها بالجدية والالتزام، وليس هناك دليل واحد يثبت أنها حرقت مصحفا... لقد شكل الهمج من أنفسهم محكمة شرعية هم فيها المشتكون والقضاة والمنفذون لشرع الله وتطبيق حد من حدوده حسب تخلفهم الراسخ في عقولهم الغبية وأفئدتهم الملوثة بعلوم الغابرين..
وتوالت شهادات باقى أفراد العائلة وتأكيدات الجيران بأن الفتاة من أنجب الشابات المشهود لهن من الجميع، وكُسر حاجز الخوف وراحت الألسن تعترض والضمير يتحرك والحق يحطم صروح الجبن والرضوخ.. بل رغم تحذير الإسلاميين بأن من يحاول دفن ما بقى من الجثة بعد الحرق وإلقاءها في النهر سيلقى عذابا شديدا وعقابا رادعا.. ذهب الناس وفى المقدمة كانت النساء ليقدموا لما بقى من جسد المسكينة آخر وداع وآخر دعاء بقلوب دامية.. فصمتهم على الهمج منذ زمن بعيد هو من قتل «فرخنده»..
وخرجت النسوة يوم الأحد ٢٢ مارس مئات، فثقل قلب الرجال وتشجع المرتعش والخائر والمرتخى الركب، ولكنهن أبين أن يحمل الرجال الجثمان أو ما بقى من آثار وأجزاء منه إلى مثواه الأخير.. فكانت الثورة الأولى للحرية..
فحملت النساء النعش على خلاف عادة البلاد الإسلامية في مراسم التشييع.. وبإصرار رفضن غير ذلك.. هذا حرام، هذا خروج عن الشرع، هذا كفر هذا.. وهذا.. وهذا إلى الجحيم.. فلتذهب كل الاسماء والألفاظ إلى جهنم.. إنها ثورة ضد جحيم الألفاظ والتوصيفات والتعريفات التي أدت بنا إلى أبشع مصير..
صوت الحق صارخ في بلاد الجن والخرافة والقهر باسم الدين.. يوم الثلاثاء الماضى خرج الآلاف في العاصمة كابول، والغالبية العظمى دائما من النساء على الأقل في بداية المسيرة، يضعن على وجوههن قناع لوجه «فرخندة» الدامى من الصفع وأثر الضرب وكدمات العصى وتمزيق الحجارة...
مما اضطر وزير الداخلية الأفغاني نور الحق علومى إلى الاعتراف بأن المرأة التي تعرضت للضرب حتى الموت، بتهمة حرق القرآن، كانت بريئة. بل تم إلقاء القبض على بعض ممن ظهروا في تسجيل الفيديو وهم يمزقون جسد الضحية ويشعلون به النار في نهاية طوافهم المقدس حول جسد الضحية... بل وتم إحالة ١٩ جنديا ممن كانوا شهودا على الأحداث دون أن يحركوا ساكنا، للتحقيق والاستجواب..
وقام المتظاهرون بزرع شجرة «السبان» شجرة عيد الميلاد عند الموضع الذي لفظت فيه «فرخندا» آخر أنفاسها... فهل انتهت القصة هنا، نهاية سعيدة ومذنبون يقدمون للمحاكمة، وشجرة زرعت، وخلصت الحدوته..؟؟.. لا أتصور!!..
فالمفارقات في هذه القصة كثيرة:
أولا: إنهم يزرعون شجرة ترمز للسلام.. ونظنها ثورة لن تهدأ.. وإن هدأت فقل على المرأة السلام..
ثانيا: قام طالبان بتقديم العزاء للأهل.. نعم طالبان..!! بل شجبوا هذه الحادثة واستنكروها. وكما يفعل السلفيون اليوم هم مع الدولة الديمقراطية المدنية، في «أبيخ» نكتة مصرية.. وأبنائهم يقتلون في الصعيد ويحرقون الكنائس ويخطفون النساء.. وبعدها يدينون المتطرفين الذين لا يمثلون صحيح الإسلام...!!
ثالثا: وهى الأقسى على الإطلاق.. «فرخنده» اسم جميل.. يعنى بالفارسية «السعيدة».. نعم نحن في قمة الهزل الأسود.. فهل هناك فتاة سعيدة في شرقنا الغبى الآثم..؟!!
من النسخة الورقية