الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دلالات الانتخابات الإسرائيلية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على خلاف استطلاعات الرأى التى جرت فى إسرائيل قبل الانتخابات فى 17 مارس عام 2015 والتى كانت ترجح فوز المعسكر الصهيونى، جاءت النتائج لانتخابات الكنيست العشرين لتؤكد فوز ليكود ونتنياهو وفى المجمل اليمين القومى والدينى استنادا إلى عدد المقاعد التى حصلت عليها هذه التيارات.
تؤكد هذه النتائج مجموعة من الدلالات فى مقدمتها أن المجتمع الإسرائيلى يتجه نحو العنصرية والانغلاق والعزلة، وفى الوقت الذى يحظى فيه نتنياهو بكراهية النخبة الإسرائيلية لأنه يستخف بها ويهينها فإن المواطن الإسرائيلى يفضل نتنياهو فى ظل الفراغ القائم أى خلو المشهد السياسى الإسرائيلى من شخصيات زعامية وكاريزمية ولها دور كبير فى تاريخ إسرائيل، ذلك الفراغ الذى يبدو أن أسحق هيرتزوج وتسيبى ليفنى غير قادرين على ملئه واستثماره لصالح المعسكر الصهيونى اليسارى.
تفضيل الناخب الإسرائيلى لنتنياهو وليكود ربما يعود فى جزء منه على الأقل إلى ضعف اليسار الإسرائيلى وتقلص الفوارق بينه وبين اليمين القومى، فخلال العقود الماضية تبنى اليسار السياسات اليمينية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وانحصر الخلاف بين اليمين وبين اليسار فى تبنى الأول أى اليمين للتصعيد العسكرى واللفظى بينما يميل الثانى أى اليسار إلى تبنى التهدئة ومحاولة تجميل السياسات اليمينية، وإذ يدرك الناخب الإسرائيلى طبيعة هذا التحول فإنه يفضل فى الانتخابات منح أصواته أو صوته للأصل اليمينى بدلا من الصورة اليسارية.
تمكن اليمين القومى والدينى من خلال شارون وأولمرت ونتنياهو من تطويع الرأى العام الإسرائيلى وتصدير الهاجس الأمنى له وجعله فى المقام الأول، وما يعنى الأمن يعنى الخوف من الفلسطينيين ومن حماس ومن حزب الله ومن إيران النووية وذلك على حساب اختياراته التى تتعلق بمستوى المعيشة والخدمات التى تقدمها الدولة وانحياز نتنياهو لرءوس الأموال وأصحابها كما عبر عن ذلك أحد قيادات الليكود ومؤسس حزب "كلنا" المنشق على نتنياهو والليكود.
تمكن نتنياهو وعبر خطابه الديماجوجى من تغيير أولويات الناخب الإسرائيلى حيث جعل إيران وداعش فى مقدمة وعى الناخب وضرورة انتخاب من يستطيع أن يواجه هذين الخطرين على إسرائيل، وبطبيعة الحال لن يجد الناخب الإسرائيلى أفضل من نتنياهو وخطابه حول الأمن والملف النووى الإيرانى.
كشفت نتائج الانتخابات الإسرائيلية عن أن الأزمة التى تعيشها إسرائيل، ليست أزمة ائتلاف أو أزمة حكومية، بل أزمة مجتمع لا يستطيع أن يواجه نفسه بحقيقة الواقع ولا التحديات التى تواجهه، فالواقع يقول أن القضية الفلسطينية باقية وبحاجة إلى حل متفق عليه وأنه من الصعب تطويع إرادة الشعب الفلسطينى لقبول مفهوم السلام الإسرائيلى وطالما بقيت هذه القضية دون حل، فلن يكون هناك لا أمن ولا استقرار ليس فحسب فى إسرائيل، بل فى المنطقة عموما.
ولا شك أن الإمعان فى الهروب إلى الإمام، مثله كمثل الإمعان فى استخدام القوة المفرطة والعدوان، أو كمثل التهرب من الاستحقاقات والتعويل على عنصر الزمن وتغير المشهد الإقليمى، كل ذلك لن يؤدى إلى حل سحرى للقضية الفلسطينية أو حل غير مكلف يبقى على السيطرة الصهيونية على الأرض.
النخبة الإسرائيلية بجناحيها اليمينى واليسارى تلعب دورا هاما فى تضليل المواطنين الإسرائيليين وتزييف وعيهم باعتبار أنه يمكن لإسرائيل العيش فى سلام وأمان ونمو مع استمرار الاحتلال والتنكر لحقوق الشعب الفلسطينى، وهى بلا شك أوهام حان الوقت للتخلص منها وحان دور النخبة فى وضع الأمور فى نصابها أمام الرأى العام الإسرائيلى.