الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المصحة لمن يطالب بعودة الإخوان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس هناك ما يدعو إلى الاطمئنان إلى هذا الهدوء النسبى المفاجئ للعمليات الإرهابية لجماعة الإخوان وحلفائها، الذين يكمنون الآن، مُجبَرين، فى طور يبدو أنهم يلتقطون فيه الأنفاس ليحاولوا استيعاب خسائرهم الأخيرة، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الهدوء مدعاة للتأكد من أن هناك غرفة مركزية منوط بها التخطيط واتخاذ الأوامر، وأنها مسيطرة على الأدوات الإرهابية وتتحكم فى تحريكها، إذا شاءت شنت بها حملة ضخمة مكثفة، أو أن ينصاع لقرارها الإرهابيون إذا رأت القيادة أن يلبدوا فى جحورهم.
المفترَض أنهم يدركون الآن أن موقفهم ازداد سوءاً عن اليوم الذى نجح الشعب فيه فى الإطاحة بحكمهم، وأن مجال حركتهم يضيق يوماً بعد يوم، ليس فقط لانفضاض الناس عنهم، ولا للتصدى الشعبى لعملياتهم الإرهابية، ولكن، الأهم، لأن المسار الموضوعى، الرسمى والجماهيرى، تحول تحولاً نوعياً بعد نجاح مؤتمر شرم الشيخ الذى تجاوز حدود الاقتصاد إلى الانجاز السياسى الضخم، حيث تجلَّت بمنتهى الوضوح علامةٌ فارقةٌ فى الاعتراف الدولى بـ30 يونيو، إلى حد جعل البعض يضعون الخلاصة فى معادلة لعلاقة عكسية تتساوى فيها خسائرهم بقدر نجاح المؤتمر.
ومن الواضح أن هذا هو بالضبط ما كان الإخوان وحلفاؤهم يخشونه من نجاح المؤتمر، ولذلك بذلوا كل طاقتهم، فى مرحلة مبكرة، فى العمل على منع انعقاده عن طريق العمليات الإرهابية الواسعة، التى حققت رقماً قياسياً تجاوز 30 عملية فى يوم واحد، وهو ما لم يحدث قط عبر تاريخ الإرهاب فى مصر! كانوا يظنون أن هذا سوف يخيف المستثمرين من المجييء إلى المؤتمر، وأنه سوف يُكبِّل الوكلاء السياحيين عن عقد اتفاقيات تستجلب السياحة الأجنبية، وأن الجماهير سوف تثور ضد الرئيس والحكومة وكأنهم هم المسئولون عن وقوع القتلى والجرحى والدمار فى المنشآت! وقد أثبتت مجريات الأحداث أن زعماء الإرهاب قد أخطأوا فى كل حساباتهم وتوقعاتهم.
ليس هناك ما يُبشِّر بتغيير الإرهابيين لعقيدتهم، وإذا حدث وصدر عنهم تصريحات يبدو فيها أى تراجع عن خطهم، فهى من باب التقية التى اتخذوها لأنفسهم ستاراً حمائيًا عندما يجدون أنفسهم فى مرحلة استضعاف، وأن الموج أعلى من أن يتصدوا له.
أنظر إلى تعليقاتهم البائسة على مؤتمر شرم الشيخ بعد أن صدمهم الإنجاز الكبير، فقد حاولوا أن يُسفِّهوا من النتائج على الشاشات الخائبة، التى منحها لهم الأعداء الألداء لحق الشعب المصرى فى أن يختار ما يشاء، وكان أول تعليق إن هذا مؤتمر للشحاذة! وأن هذا لا يليق بسمعة مصر! بل هناك من طالب بمحاكمة "السيسى" بتهمة "تصغير" مصر!
ومن ناحية أخرى، راحوا يتلقفون على طريقتهم الاجتهادات الوطنية فى النقد البنّاء للمؤتمر، عن تغييب الرأى العام فى المشارَكة فى اتخاذ قرارات كبرى، مثل قرار ما قيل إنه مشروع لعاصمة جديدة، والنقد الموضوعى لقانون الاستثمار الجديد الذى صدر قبل المؤتمر مباشرة، والذى أخذ عليه البعض أن فيه ما يُضيِّع حقوقاً للبلاد، وأنه، فى أجزاء أخرى، يُقيِّد الجهات الرقابية السيادية عن أداء مسئولياتها، وقال بعض المنتقدين إنه كان من الأفضل أن تتقدم مصر بمشروعات متكاملة بدلاً من أن تجعل المبادرة فى يد المستثمرين..إلخ
وقد شاء الإخوان وحلفاؤهم أن يستخلصوا من هذا أن المؤتمر يبيع مصر بالبخس! وأنه يبدد الأموال العامة! وأنه يؤسس لسيطرة الأجانب! بل قال بعض عباقرتهم إن هذا أسوأ من عصر الخديو إسماعيل الذى أدّى إلى احتلال مصر! وقد بالغ البعض منهم إلى حد الكوميديا عندما قال: إن مرسى لم يكن ليقبل بهذا!
كل هذا ينبئ عن أن تخريب الإخوان وحلفائهم لن يتوقف، على الأقل فى المدى المنظور والمستقبل المحسوب، خاصة وأن القوى الدولية التى يهمها ألا تنجح مصر فى التحرر من هوة التخلف، ترى فى هذه القوى التى تنتمى إلى الإسلام السياسى حليفاً تاريخياً يقوم بمهمة حراسة التخلف خير قيام، بل إنه يطوِّر من سبل وأدوات فرض التخلف، ولا يردعه رادع عن أن يستوحى من أظلم فترات التاريخ أسوأ ما فيها ويضفى عليه القداسة الدينية، ويُلقِّن الناشئة به وبوجوب اعتماده وفرضه على أنفسهم وعلى غيرهم، ويضمن لهم الجنة إذا ضحوا بحياتهم مقابل أن يتحقق هذا على الأرض!
ولكن، هل يتخيل عاقل أن هذا الإرهاب، الذى قد يقع فى براثنه شباب ساذج، وأن يجذب بالمال فئات أخرى، يمكنه أن يكسب رضا الأغلبية من الرأى العام الذين يشكلون كتلة ناخبة مرجحة هى السبيل الوحيد فى الوصول إلى الحكم فى الديمقراطيات؟ وإذا كانت الديمقراطية لن تكون أداتهم وسبيلهم بكل يقين، فبماذا سوف يعودون إلى الحكم إذن؟
هذه جماعات لا تلتزم بالديمقراطية إلا لغواً، كما أنها تحتقر الشعب واختياراته إلا إذا كانت داعمة لوصولهم إلى الحكم بعد نجاح أكاذيبهم فى خداع الناخبين، أما إذا انتبه الشعب وحرمهم من شرف أن يحكموه أو أن يمثلوه فى البرلمان، فقد قالوها: "هانولع فى مصر"!!، وإذا حكموا، تناسوا واجباتهم ومهامهم الدستورية، وراحوا يفرضون السيطرة على مفاتيح النفوذ الحقيقى على الأرض، وليس هنالك ما يردعهم عن العدوان على الدستور إلى حد العبث فى نصوصه، واستجلبوا الإرهابيين المطاردين من أرجاء المعمورة، ووفروا لهم الملاذ والحماية، وأمدوهم بالسلاح المتطور، وساعدوهم على تخزينه..إلخ، واتخذوا من القرارات ضد كل التيارات والقوى الأخرى ما من شأنه إشعال البلاد، وإذا ثار الشعب ضدهم، قالوا إنه انقلاب ضد الشرعية!
هذا يجعل الاستقطاب على أشده بين الإخوان وحلفائهم وداعميهم من الخارج، من ناحية، والشعب كله من الناحية الأخرى، وهو أمر خطير يُستحسَن التبصر، بفهم الآليات المركبة التى تحكمه، والبحث علمياً فى كيفية التصدى له، ووضع الخطط العملية لمواجهته، والتحلى بالشجاعة فى المواجهة، على أن يشارك كل مستفيد من إلحاق الهزيمة بهذه القوى العائدة من عصور الظلام، الراغبة فى شد المجتمع إلى عصور الظلام!
الخطر ماثل حتى إذا كان فى طور كُمُون، والموقف الشعبى على أفضل ما يكون الوضوح بوجوب استبعادهم، واما كلامهم وكلام داعميهم من الخارج عن العودة للحكم أو للمشاركة فى العملية السياسية، بعد كل هذا، فيخرج من مجال السياسة ويدخل فى أبواب أخرى!