الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بدل السكوت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news



عزيزي الجوادي.. تحسس رأسك

للشاعر الجميل صلاح عبدالصبور أبيات كاشفة تقول “,”هذا زمن الحق الضائع.. زمنٌ لا يعرف مقتولٌ من قاتله.. ولمَ قتله.. فرؤوس الناس على جثث الحيوانات.. ورؤوس الحيوانات على جثث الناس.. فتحسس رأسك تحسس رأسك“,”.
هكذا ينبهنا الشاعر الرائع في زمن الشك، التحولات، الرهانات، المواقف المباعة، وإمساك العصا من المنتصف.
يوقظنا “,”عبدالصبور“,” بكلماته ونحن نرى جباهًا تنحني، ومواقف تتلوّن، وقيمًا للبيع، ودماءً للتجارة.
لم تصدمني رصاصات وائل قنديل ضد الوطن، ولم تفزعني أكاذيب فهمي هويدي بشأن الإرهاب، فكلاهما محسوب ــ بيعًا وشراءً، وإيمانًا وانتماءً ــ على تنظيم الإخوان لكن ما هزني بشدة هو موقف الدكتور محمد الجوادي المؤرخ والكاتب من الوطن والناس والحق.
لقد أبى الرجل الذي كنت استمتع بالتحاور والتشاور معه أن يسقط نظام الإخوان دون أن يسقط معه.. ينتحر.. ينسحب.. ينقلب إلى خنجر مسموم في جسد مصر.. يشارك في تزييف الحقائق ويشوّه وجه مصر نظير بضعة آلاف من الدولارات في قناة فضائية سبق واتهمها بكل فساد وزور وظلم وهي قناة الجزيرة.
على مدى عدة أيام استضافت قناة الجزيرة الدكتور الجوادي ليصب دوارق الزيف والطعن والاتهامات الزائفة على المؤسسة الأكثر وطنية والأكثر نقاءً وهي القوات المسلحة.
دفعته الاستضافة أن يعتبر جيش بلاده جيشًا معتديًا جبارًا سفاحًا للدماء، ويدعي أن نظام الإخوان هو نظام شرعي وطني مخلص تعرض للخيانة.
انقلب الرجل الذي خطت يداه يومًا كتابًا عن “,”نصر أكتوبر“,”، وآخر عن المشير أحمد إسماعيل صانع النصر، وآخر عن عبدالمنعم رياض إلى شاهد زور ضد العسكرية الوطنية، يقبل أن يقيم في الدوحة عاصمة جهنم ليلقي بالحجارة والتهم والافتراءات على وطنه.
يزعم صديقي الذي كان يومًا شريكًا في جلسات عصف ذهني ــ عقدناها معًا ــ لاسترجاع ورد اعتبار عظماء العسكرية الوطنية أن جنود مصر قتلة، وأن حماة الوطن ينفذون مذابح إبادة ضد معتصمين عزّل، كبرت كلمة تخرج من فيه، إن يقول إلا كذبًا.
قبل عامين كنت قد صدقت عشقه للعسكرية الوطنية وإيمانه الراسخ بها، فأهديت إليه كتابي “,”الفريق سعد الشاذلي.. العسكري الأبيض“,”، يومها حدثني بحب غريب للفريق الراحل ولبيت العسكرية الوطنية الذي أنجب عظماء وأساطير وعباقرة رفعوا اسم مصر، ولم ينتظروا مقابلاً أو شكورًا.
وقبل أسابيع من ثورة 30 يونيو، عاتبته على كلام رأيته مداهنة وتطييبًا للفاشية الدينية، فرد بمرارة كلام عن أوان جني الثمار، واستهلاك العمر في العطاء دون مقابل، وكأنه ينتظر منصبًا أو نفوذًا، عندما حادثته لآخر مرة قبل سفره إلى قطر كنت أحسب أن هتاف الملايين في شوارع مصر أيقظه من غفلته، وأنه عاد سالمًا إلى حضن الشعب لكنه بدا ناقمًا متذمرًا من سقوط نظام باع له وعودًا شخصية.
وبعد.. مريرة هي “,”لقمة العيش“,” التي تحوّل الأفذاذ إلى أنصاف، وتقلب الشرفاء إلى ملوثين، وشكرًا للحظات العري التي تكشف كثيرًا من المختبئين والمتدثرين تحت بلاغة الكلمات.