الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نجاح شرم الشيخ ومزايا الاستقلال الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيظلّ المراقبون يدرسون مؤتمر شرم الشيخ طويلاً ليستخلصوا منه المعانى الكثيرة، خاصة الكامنة منها والتى لا تظهر مباشرة وإنما تتأجل حين يحين الحين. وذلك بعد اتفاق يكاد أن يكون عاماً على أن المؤتمر نجح بما لم يكن فى حسبان أحد حتى الحكومة المصرية.
ومن علامات نجاحه، التى سرعان ما حظيت باتفاق، حتى قبل إعلان التعاقدات والمساعدات والقروض التى تجاوزت 60 مليار دولار، أنه أحدث نقلة نوعية ضخمة يمكن أن تدخل بها مصر مرحلة البناء الجاد، بعد أن حصلت على اعتراف دولى لاختيار الشعب فى 30 يونيو، ولم يشذّ عن ذلك إلا قطر وتركيا ومعهما مجموعة الدول شديدة الفقر التى لا تملك شيئاً فى مناسبة كهذه، حتى إن بعض الدول العظمى التى لم تغير موقفها، ويصعب تصور أن تغيره فى المستقبل القريب، حسبت، بسبب هذا الإجماع الدولى، أنه ليس مناسباً لها أن تعادى المؤتمر أو أن تقاطعه أو أن تبدى استهانة وترسل ممثلاً متواضع المستوى، وإنما رأت أن عليها أن تشارك بتمثيل رفيع وأن تُبدى حماسة وتأييداً، حتى وإنْ كان واضحاً أنه مما يدخل فى باب الكياسة الدبلوماسية.
وهكذا، ورغم أن المؤتمر تحت عنوان اقتصادى، إلا أن السياسة برزت أولاً وتمثلت فى هذا الاهتمام العالمى بالشأن المصرى على مستويات الملوك والرؤساء والوزراء، ومشاركة أهم المنظمات الدولية، وأكبر الشركات ممثلة فى كبار مسئوليها، وقد امتلأت القاعات والصالونات عن آخرها، وقد جاءوا جميعاً على أرضية تقبلهم لقرار الشعب المصرى بالتخلص من حُكم الإخوان وحلفائهم، وإصراره على رفض عودتهم، بل وعلى محاكمة كل من توجَّه له تهمة ممارسة العنف، ثم ثبات الشعب على المضى فى التصدى للإرهاب مع تأكيده على موافقته على دفع ضريبة هذه المواجهة.
بل لقد صدرت تصريحات جديدة من عدد من كبار المسئولين الغربيين تشيد بدور مصر فى مكافحة الإرهاب، قال عضو بالكونجرس إن أمن مصر من أمن العالم، وقال وزير أوروبى إن مصر تخوض نيابة عن العالم حرباً ضد الإرهاب، وقال مسئول شركة عملاقة تزيد أعمالها عن ميزانية بعض الدول إن العالم جاء إلى المكان الذى كان يجب أن يكون موجوداً فيه. 
وقد نالت أجهزة الأمن استحساناً لنجاحها فى الخروج بالمؤتمر إلى برّ الأمان، حيث لم يحسّ أحد من الحضور بأدنى تهديد.
وأما الإخوان وحلفاؤهم، فقد جاء المؤتمر ضربة قاضية لهم، بعد أن استبد بهم سُعار أن يفعلوا أى شيئ لتعطيله، حتى أنهم كثفوا عملياتهم فى الأيام الأخيرة قبل انعقاده برقم قياسى فى العمليات الإرهابية التى تجاوزت 30 تفجيراً فى يوم واحد! فى مسعى إجرامى يائس أن يتمكنوا من إرهاب من يفكر فى المجيئ! ثم جاءت المشاركة العالمية، الاستثنائية بكل المقاييس، صفعة للإرهاب والإرهابيين، بل لقد شجع النجاح الكبير على طرح فكرة أن يكون المؤتمر دورياً كل عام، بل وأن يتوسع مجاله و تتعدد مهامه لتغطية احتياجات كل الدول المأزومة، وألا يكون قاصراً على مصر وحدها. وهو ما أوضح التناقض على أفضل ما يكون الوضوح بين شعب قرر أن يبنى وأن يحقق الأمن وأن يتوجه إلى المستقبل وهو يفتح ذراعيه للعالم، وبين جماعات تبذل كل طاقتها لتهدم وتثير الفزع وتخطط لشدّ الوطن إلى الخلف وتغلق نفسها فى دائرة الطائفية!
لقد قضى الإخوان وحلفاؤهم عاماً كاملاً فى الحكم، لم يفعلوا إلا أن يتآمروا من أجل السيطرة على مفاصل الدولة وأن يحققوا ما كانوا يسمونه التمكين، ولم يلتفتوا قط إلى احتياجات الشعب، حتى ما كانوا قطعوا وعوداً على أنفسهم بالالتزام بتحقيقها، ولم يظهر الوعد بإمكانية أن تحل مشاكل الوطن والمواطنين إلا بعد التخلص منهم.
وقد بدا اضطراب رموز الإخوان على القنوات الممولة من أعداء اختيار الشعب المصرى، إلى درجة أن أحدهم أثبت أنه لا يجد مجالاً للنيل من المؤتمر، فقال إنه مؤتمر للشحاذة! 
وأما ما يثير القلق الحقيقى، فقد تجلى فى مؤشرات أولية لبعض التغطيات الإعلامية، تجعل الحذر واجباً من أن ينزلق الإعلام فى رفع سقف الطموح ودفع الجماهير للاستعجال فى قطف الثمار، فى حين أن الخبراء يؤكدون أن نتائج المؤتمر لن تتحقق إلا بعد ما لا يقل عن ثلاث سنوات، عندما يحين وقت جنى المحصول الذى لم يُزرع بعد. وهو ما يلقى على الإعلام مسئولية كبيرة، هى فى صميم عمل الإعلام، بالالتزام بالدقة فى المعلومات، وهذا وحده كفيل بتهيئة الناس للصبر والانتظار. وهى مسئولية تتشارك فيها المؤسسات الرسمية التى ينبغى عليها أن توفر المعلومات أولاً بأول، حتى لا يقع المواطنون ضحايا الأوهام التى يحب بعض الإعلاميين ترويجها، ظناً منهم أنهم يخدمون السلطة، أو من إعلاميين آخرين يعملون فى خدمة الإخوان ولا يهمهم إلا تشويه كل إنجاز والطعن فى جدية كل خطوة والتشكيك فى نزاهة وكفاءة كل مسئول!
وأما المسألة الجديرة بالرصد والدرس، فهى أن مصر لم تحظ بهذه الترحيب الرسمى من الغرب بقيادة أمريكا فى عز العلاقة الخاصة التى ربطت مبارك بهم، ولا فى ظل تبعية مرسى والإخوان لهم، وإنما تحقق ذلك فى الوقت الذى تحرص فيه الإدارة المصرية فى عهد السيسى على إبداء الاستقلالية، وإلى المناورة للخروج من المآزق الغربية التى ترمى إلى فرض الإخوان مرة أخرى على الحياة السياسية المصرية!
لقد أثبت الإصرار المصرى على استقلال القرار الوطنى عن الغرب أن هذا أفضل من التبعية لهم، مما يرجح صحة النزوع الوطنى، حتى من باب السياسة العملية، إلى ترسيخ سياسة الانفتاح على العالم كله، والسعى الدءوب للخروج من الركن الذى وضع مبارك مصر فيه، ومن المستنقع الذى سعى الإخوان إلى الزج بمصر فيه.