الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللغة الوحيدة المُجدية مع مَن يرفع السلاح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتطوع الإخوان وحلفاؤهم هذه الأيام برسم وسيلة إيضاح عملية تصلح كأداة تعليمية لتناول كيف يكون الإرهاب! فسهَّلوا على المعلمين والمدرسين أن يشرحوا الظاهرة للتلاميذ وللرأى العام وأن يُبصِّروهم بالأخطار بعد أن صارت واضحة إلى حدّ صادم.
ورغم هذا القتل والترويع، مما يعانى منه عامة الناس، وهى أهم سمات الإرهاب فى أسوأ صوره، فقد أثبتت هذه العمليات الإرهابية أن خطر الإخوان وهم خارج الحكم أهون كثيرا من كوارثهم التى يبتكرونها عندما يتولون الأمور وتصير لهم السطوة على أجهزة الدولة، ويستطيعون اتخاذ القرار الذى يُلزِم الجميعَ رسمياً باتباعه! وهى حقيقة صارت قابلة للقياس الدقيق بعد تجربة العام الكئيب الذى حكموا فيه، بما وفّر إمكانية موضوعية لرصد تجليات مبادئهم فى الحكم وهم فى السلطة فعلياً، بالمقارَنة مع أعمالهم التخريبية اليومية التى نراها الآن.
كما يمكن لعلماء النفس والسلوك والاجتماع وغيرهم أن يجدوا مادة غزيرة تصلح لتحليل الشخصيات، وإلى أى مدى يبتعد أداؤهم عن خطابهم، بل كثيراً ما يتناقض، وتجليات كل ذلك على المحيط العام الذى يتحركون فيه. وكيف نمَّى كل من القادة والأعضاء مهارة الكذب إلى هذا الحد المثير للدهشة والتعجب؟ وكيف لا يتستثنون أحداً من الكذب عليه، سواء كان من قادة الأحزاب الأخرى التى دخلت معهم فى اتفاقات، أو كان شخصية عامة ممن وعدوهم بمناصب أو بشيء آخر، أو كان الرأى العام هو المستهدف بالكذب؟ وكان أعجب العجب أن يكذبوا على بعضهم البعض، حتى فى المستويات القيادية العليا، كما حدث فى الانتخابات الوهمية فى مكتب الإرشاد، من أجل إقصاء بعض قياداتهم خارج المكتب! ومثلما كذب قادة الجماعة الكبار على بقية القيادات بأنهم لا يفكرون مطلقاً فى خوض الانتخابات الرئاسية بينما كانوا يعدون العدة لذلك!
وليت العلماء يفيدون الرأى العام، فى تفسير معضلة أن قادة الجماعة لا يلتفتون إلى التظاهرات الشعبية المنددة لهم والتى تُبدِى أحياناً عداء صريحاً، خاصة بعد العمليات الإرهابية التى توقِع قتلى أبرياء، وتصل الشعارات العدائية ضدهم إلى حد المطالبة الصريحة بإعدامهم!
وكيف ينساق الكادر الإخوانى دون أن يفكر أو يتردد فى تنفيذ عملية إرهابية، كزرع قنبلة فى الطريق العام، وهو على يقين أن الضحايا سيكونون من الأبرياء عابرى السبيل! فإذا كان تكوينه النفسى لا يسمح له بالاحتجاج الصريح، كما يحدث بين القواعد والكوادر ضد قياداتهم فى أحزاب وتيارات سياسية أخرى، فكيف لا يستفسر العضو الإخوانى من قادته عن الغرض من قتل الأبرياء، وعن الفائدة التى ستعود عليهم من مثل هذه الجريمة؟ وإذا كان قادته يُملُون عليه أن يفعل فكيف يتحملها ضميره؟ وكيف يجد انسجاماً بين مشاركته فى هذا الجرم مع عقيدته الدينية التى تُحرِّم فيها نصوص قاطعة قتل الأبرياء؟ ثم كيف يمكن لهذا العضو أن يستسلم تماماً دون أن يحسب التبعات القانونية عندما يُساءَل على جريمته؟ وكيف لا يفكر، بشكل إنسانى فى النتائج الوخيمة لجريمته على أسرة بائسة تفقد عائلها المتوفى فى هذه الجريمة؟ أو أن تتدمر حياة شخص آخر من عاهة مستديمة قد تُقعِده بقية العمر، وتُعجزه عن العمل؟
كيف لا يتعجب هذا الكادر الإخوانى ويتساءل، بينه وبين نفسه، عن استحالة أن تؤدى هذه السياسة التى تعتمد الإرهاب إلا إلى ضياع كل ما كان من ثقة من المواطنين فى جماعتهم، وأن هذا يعنى تبديد أى فرصة نجاح فى أى انتخابات؟ وإذا كان قادته لا يكترثون بهذه الثقة، فما هى نيتهم الحقيقية فى نزول ساحة العمل السياسة؟
ألم يرد على ذهنه قط أنه يشارك فى عمل هو فى حده الأدنى غامض يصل إلى حد الريبة، وأن المرجح أن تصبّ نتائج عمله فى صالح جهات أجنبية لا يهمها إلا تدمير بلاده، وأن قادته فى طليعة المنفذين، بيده هو وإخوانه الصغار مثله!
ويمكن أن تجتهد الدراسات فى محاولة فهم وتفسير التغير الحاد فى مزاج الرأى العام نحوهم، من التأييد أو القبول أو عدم الممانعة، إلى الرفض الحاد، بل إلى إشهار معاداتهم، بل وإبداء الإيجابية فى التعاون مع أجهزة الأمن فى القبض على المطلوبين منهم، بل والمبادرة فى الإبلاغ عن الهاربين منهم، أو عمن قد يكون مجهولاً بالنسبة للأمن.
الحقيقة الدامغة، التى لا مجادَلة فيها، أن الإخوان أعلنوها مدوية، ليس عملاً بالمصارحة مع الشعب والتيارات السياسية الأخرى، وإنما بهدف إرهاب الجميع، عندما كانوا يصرخون فى ميدان رابعة بعد عزل ممثلهم من القصر الرئاسى، أنهم سيحرقون مصر بصواريخ وقنابل مؤقتة وسيارات مفخخة..إلخ، ووصل التبجح بأحد قادتهم أن ربط علناً أمام الكاميرات بين الإرهاب الدائر فى سيناء وعودة مرسى إلى الكرسى، وقال إن وقف ما يحدث فى سيناء مشروط بالإفراج عن مرسى!
وقد وصل إلى علم الناس جميعاً كل هذه التهديدات، ومع ذلك، فقد أصروا على الاستنجاد بجيشهم الوطنى ليتولى تنفيذ الإرادة الشعبية بعزلهم، ثم تفويضه فى مواجهة العنف القائم والمحتمل، بما يعنى الموافقة على خوض التحدى، وقد أثبت الشعب أنه قادر على التحمل، وعلى الاستمرار. انظر فقط إلى جريمة التفجير أمام دار القضاء العالى قبل أيام قليلة، فى وقت خروج الموظفين فى وسط البلد، حيث يكون الاكتظاظ على أشده، فقد جفلت الناس وهرعت بعيداً عن الانفجار فى رد فعل طبيعى، وأما غير الطبيعى فهو عودتهم إلى قلب الحدث مرة أخرى بعد دقائق قليلة ليهتفوا بأعلى صوت أن الشعب يريد إعدام الإخوان.
وأما الأهم فى الموضوع، فهو أن هذا السفور من جانب الإخوان وحلفائهم يجب أن يُواجَه بسياسة أكثر حزماً من وزارة الداخلية تحت رئاستها الجديدة، حماية للمواطنين، واحتراماً للقانون، وصونا لهيبة الدولة، أو على الأقل لتتكافأ المواجهة مع التحدى الجديد الذى يصطدم بشدة مع طبيعة الحياة المصرية، ويفرض قواعد مرفوضة على الواقع السياسى المصرى. أما إذا استمر التردد فى التعامل مع مظاهراتهم فى الجامعة وفى الأحياء السكنية، فسوف يستمرئون التصعيد إلى حيث يصعب التنبؤ بخطواتهم المستقبلية.