الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بدل السكوت.. الروايات الحديثة وثورة جيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أفر من الكتابة للقراءة، ومن قلمٍ إلى نصٍ مُحرر. 
كُلما ضقت ذرعا بـ"عك" الخريطة وضجيج النُخبة ومُهاترات المُسيسين وتلاسن المُتحزبين، كُلما أهمنى الفساد المُنزرع كغابات اصطناعية ما بذرتها يد المولى، وإنما نفخ فيها إبليس من روحه، كُلما أزعجنى العُنف وأفزعنى الخوف وغزانى القلق على مُستقبل أبنائى وأبنائهم وأجيال أخرى ستنبت فى أرض الكراهية، وكُلما اهتزت ثقتى بالعدالة وانخدش ضميرى بتوسع الزور وتكدس الجهل وانتصار الباطل أهرب إليها. نصوص الأدب، موسيقى الروح، جنان الله فى أرضه، وخدر النفس الحائرة المُنكسرة. 
أتصور أن جيلى مثلى.. لا هو مع اليمين المُمل ولا مع اليسار المُتقشف، لا يقبل بُحكم دينى يرفع لافتات السماء فوق مجلسه، ولا يتناغم مع حُكم أبوى يُمارس الفردية باسم الزعامة. شباب كثيرون، بالآلاف ورُبما بمئات الآلاف يقرأون بنهم، وبعمق، وبوفرة، ويغوصون فى الأدب مُتلذذين بحكايات أخرى وأبطال آخرين وأشرار مُغايرين.
هذا فى ظنى تفسير مُحتمل لظاهرة الارتفاع الكبير فى مبيعات الرواية فى مصر على مدى السنوات الثلاث الأخيرة . كانت الbest seller قد نشأت كظاهرة تسويقية لتحفيز جموع الشباب للتوجه إلى كُتاب بعينهم، لكن جمهور القُراء الجدد الذى دخل سوق الكتاب فى مصر تجاوزها ووضع قواعده وأسسه التى أعادت إلى الثقافة والمكتبات ودور النشر حيوية أتصور أنها افتقدتها خلال سنوات التسعينيات.
محمود خبير شاب جميل استحسن القراءة وفر إليها وصنع عالمه المُغاير لذلك العالم الذى نراه بُقبحه ونفاقه وعوراته ليجد الأدب بديلا موازيا عن واقع لا يشعر فيه بالرضا عن الوطن والمجتمع. قابلته فى معرض الكتاب وفوجئت بسلاسل الروايات التى حفظها وتعايش مع أبطالها وشخوصها وحارب بعضهم وتعاطف مع بعضهم فى نقاء جيل حلُم بالتغيير لكنه اصطدم بصخور الفقر والظلم.
كُنت- كمُهتم بسوق الكُتب- قد لاحظت ارتفاعا غريبا فى حجم مبيعات الروايات والقصص فى الشهور الماضية، صاحبه اتساع غير محدود فى دور النشر والمنشورات نفسها، حتى فسّر لى محمود ذلك بأن الشباب يفر إلى عوالم أخرى عبر الأدب.
رُبما كان جيلى من الكُتاب والمُبدعين مثل أشرف العشماوى، أحمد مراد، وطلال فيصل، وحسن كمال، وشيرين هنائى، ومن قبلهم الدكتور أحمد خالد توفيق قد طرح أنماطا أدبية وفنية مُغايرة جذبت مجموعات جديدة من القُراء إلى الساحة الأدبية، لكن جمهور القُراء نفسه يختلف جذريا عن جمهور القُراء فى العقود المُنصرمة بأنه أكثر تمردا ورفضا لما يرى من ثبات وتكرار فى السياسات والشخوص المُهيمنة على الوطن أو ما يُعرفون بالنُخبة. إنهم أعلى سخرية، وأكثر ابتعادا، وأقل خضوعا للإغراءات، وأقدر على اختيار عوالمهم وأحلامهم من خلال استعذاب الدراما، والتلذذ بالسرد. 
وفي ظني، فإن ذلك الكم المُدهش من المُبدعين والمُجتهدين على درب الأدب يُمكن أن يصنع قفزة غير مسبوقة تُغيّر واقع الثقافة المُر مرار واقع الوطن. 
والله أعلم.