الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النظرة الإسرائيلية لإقليم الشرق الأوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواجه إسرائيل بيئة إقليمية متغيرة ومضطربة منذ ثورات الربيع العربى وتتميز هذه البيئة بفقدان اليقين الذى ارتبط بالأوضاع السابقة على الثورات وانفجار العنف، كما تتميز بانفجار الصراعات الطائفية والدينية، وكذلك اهتزاز وتراجع الدولة الوطنية العربية وتفككها فى حالات عديدة وظهور فاعلين إقليميين جدد أقل من الدولة، تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة ولكنها تستحوذ على صدارة المشهد الراهن، وأخيرا وليس آخرا تشهد البيئة الإقليمية تمدد للنفوذ الإيرانى فى مناطق عديدة من إقليم الشرق الأوسط آخرها اليمن.
تقوم إسرائيل بمراقبة الموقف فى إقليم الشرق الأوسط، كما تقوم أجهزة المعلومات والاستخبارات بتقديم تقارير دورية ومنتظمة للحكومة حول المخاطر المحتملة والفعلية التى تنطوى عليها تغيرات إقليم الشرق الأوسط، وتراقب إسرائيل عبر الأقمار الصناعية حركة السلاح وإمداداته خاصة فيما يتعلق بحزب الله اللبنانى.
ولا شك أن إسرائيل لا تكتفى بتلقى تقارير الأجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية فحسب، بل تقوم بدراستها ووضع الاحتمالات المختلفة للمواجهة أى من هذه المخاطر فى المدى المنظور والمتوسط وتضع تقديرات استراتيجية تنطوى على إجراءات عملية لدرء هذه المخاطر، وهى إجراءات تنطوى على حسابات معقدة ومضبوطة لتجنب التداعيات ومفاقمة المخاطر.
البيئة الإقليمية الآخذة فى التشكل والتى لا يعلم أحد الشكل النهائى الذى ستستقر عليه، أو المدى الزمنى الذى يمكن أن يستغرقه هذا التشكل، تستخلص إسرائيل منها تقويمات استراتيجية توجه أداءها وممارستها ومواقفها فى ضوء الظروف والاحتمالات الممكنة.
أول هذه التقويمات الاستراتيجية الإسرائيلية هو استبعاد نشوب حروب تقليدية كبرى بينها وبين جيرانها، فهى - أى إسرائيل - فى حالة سلام مع مصر ويلتزم البلدان ببنود المعاهدة المعقودة بينهما، كما أن إسرائيل والأردن ترتبطان بمعاهدة سلام، بالإضافة إلى تفكك وانهيار الدولة والجيش العراقيين منذ الاحتلال الأمريكى، ودخول سوريا فى أزمة عميقة قد تنتهى بتفككها إلى عدة دويلات، وهذا التقويم يستند إلى الضعف العام الذى تتميز به المنطقة واتجاهها إلى التفكك والاقتتال الداخلى.
ثانى هذه التقويمات الاستراتيجية الإسرائيلية يتخلص فى أن أزمات هذه المنطقة واضطرابها ليس ناجمًا عن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والعربية، بل بسبب المشكلات الداخلية والصراعات الطائفية والدينية والإرهاب والاستبداد، وبناء على ذلك فإن القضية الفلسطينية تتراجع على الصعيد العربى وتتبلور أجندة جديدة متجهة للداخل ومشحونة بالقضايا ذات الطبيعة المحلية والوطنية، ومن ثم فإن إسرائيل تخلص من ذلك إلى تبرئة صفحتها من مشكلات المنطقة، بل وتبدو إسرائيل أنها الدولة الوحيدة فى المنطقة ليس فحسب الديمقراطية بل المستقرة أيضًا.
أما ثالث هذه التقويمات الإسرائيلية فيتعلق بمخاطر الجماعات الإرهابية على إسرائيل، وتتلخص النظرة الإسرائيلية إلى أن هذه المخاطر محدودة على إسرائيل لأسباب من بينها أن هذه الجماعات الإرهابية تعتنق نظرية العدو القريب، أى أنظمة الحكم والدول التى توجد فيها بينما إسرائيل تبدو كما لو كانت غائبة عن أجندة هذه الجماعات، من ناحية أخرى فإن إسرائيل ترى أن هذه الجماعات متصارعة فيما بينها وتكن العداء بعضها للبعض الآخر، ومن ثم فهى ليست موحدة أو متفقة فيما بينها حول الموقف من إسرائيل، وأخيرا وليس آخرا فإن الرد الإسرائيلى وقدرة الردع الإسرائيلية التى تعرفها هذه الجماعات تحول بينها وبين التفكير فى العدوان على إسرائيل، أما من حيث الجماعات والخلايا النائمة والتى من المحتمل أن تكون فى الضفة الغربية والمتعاطفة مع حزب الله اللبنانى، فهى تحت الرقابة الإسرائيلية.
وأخيرًا تخلص إسرائيل من مراقبتها للموقف فى إقليم الشرق الأوسط إلى تكريس تفوقها فى المنطقة على ضوء الضعف العام الذى يعترى الإقليم واستنزاف موارده المادية والبشرية فى صراعات قد لا تسفر إلا عن مزيد من الضعف والتآكل لموارد البلدان العربية.