الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لعبة الأيام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعتذر مقدمًا عن العنوان الذي هو عنوان أغنية رائعة للشاعر علي مهدي وشهيرة للمطربة العظيمة وردة الجزائرية، لقد استعرت العنوان لكن الأمر لا بد أن يرد إلى أصحابه.. ما جعلني أكتب هذا المقال هو ما قرأته على صفحات التواصل الاجتماعي عن شهر فبراير.. وشهر فبراير عادة في الأمثال الشعبية يقولون عنه "فقراير" ولا أعرف لماذا.. الشهر هو أقصر شهور السنة لكنه بدا هذا العام على الكثيرين أطول شهورها.. ولقد أحسست به كذلك فعلًا حتى أن آخر يومين فيه مرّا علىّ بالساعة والدقيقة رغم أن الأيام بالنسبة لي شيء لم أتوقف عنده أبدًا إلا مرة واحدة حين بلغت الأربعين.. كتبت يومها قصيدة لم أنشرها طبعًا فلست بشاعر، أستقبل فيها ما عُرف بأنه بداية الكهولة.. وتذكرت الشاعر العظيم محمود درويش الذي قال لي يومًا: بعد الأربعين يتساوى الجميع.. مَن في الأربعين ومَن في الخمسين ومَن في الستين وأكبر.. لم تعد هناك فرصة للتفرقة بين الشباب والكهولة.. وتذكرت كيف قال لي الآن عليك أن تدرك أن الزمن سيمر عليك بسرعة فانفرد أكثر وقت للكتابة فلن يمهلك الوقت، لم تعد لديك رفاهية التأجيل.. وفعلًا بعدها انطلقت أكتب فكتبت "البلدة الأخرى" و"لا أحد ينام في الإسكندرية" وما بعدها من روايات.. ورغم أنه لم يعد لدي منذ ذلك الوقت رفاهية التأجيل أو الانتظار إلا أني أيضًا لم أتوقف عند مرور الأيام والشهور.. وفي كل عام أسمع مَن يتذمر من أحد الشهور وأمسك نفسي أسأل أيضًا لماذا لا ينتهي هذا الشهر، لكني أعرف أن كل الأيام والشهور والسنين إلى انتهاء.. هذا العام وفي شهر فبراير الذي ودعناه منذ ثلاثة أيام كان الكثيرون يصرخون كيف طال هذا الشهر.. ففيه وقعت مأساة استاد الدفاع الجوي وفيه وقعت مأساة قتل المصرين الأقباط في ليبيا وفيه أغارت الطائرات المصرية على ليبيا.. وفيه ارتفعت أسعار السجائر "كيف" الناس العاديين.. وجلست مع نفسي أتذكر هل نحن حقًا على دراية بمرور الأيام، وكيف إذا كنا على دراية بذلك يحدث ما يحدث من حولنا ولا ندركه إلا غضبًا.. أنت لا تدرك ما يعجبك ولا تعلق عليه لأن الطبيعي أن يكون هناك ما يعجبنا.. غير الطبيعي هو ما يقلقنا.. لقد مرت علينا سنون طويلة مع الرئيس الأسبق حسني مبارك ورغم كل نقد موجه لها لكنها كانت تمر حتى صحونا على ثورة عظيمة سرقها الإخوان المسلمون وجرى ما جرى بعد ذلك..  لكن مَن يصدق أن أربع سنوات مرت الآن على ثورة يناير، وأن أعدادًا هائلة من الشهداء تم العبور عليها وأعدادًا هائلة من الشهداء الآن أيضًا.. هل كنا لعبة الأيام؟ هذا لا يضيرنا وليس عيبًا فينا، فالزمن أمر مستقل عن الإنسان يمضي سواء أراد الإنسان أم لم يرد.. وحين أراد الإنسان أن يمسك بالزمن فعل ذلك في الخيال فاصطنع آلة الزمن في رواية الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز الشهيرة.. وهنا فقط في الخيال استطاع البطل العودة إلى الماضي ليرى ما لم يره والدخول إلى المستقبل ليرى ما يمكن التنبؤ به.. المكان ليس مستقلًا عنك فيمكن أن تمسكه وتهدمه إذا كان جبلًا وتحفره إذا أردت ترعة وتزرعه وتبني عليه، لكن الزمن مستقل.. استقلال الزمن هو ما يبعث على الأمل.. فأنت حر فيما تفعل وما تفعله سيعود إليك وعليك ويظل الزمن على حاله وإذا تذكرته تذكره بما فعلت لذلك ننظر إلى المباني والشوراع والحدائق ونقارنها بأيام زمان ونتحسر، ولكن هذا لأن مَن فعلوا ذلك كانوا من خارج الزمن.. مَن فعلوا الجميل كانوا يسابقون الزمن ومَن فعلوا القبيح كانوا يعودون بنا إلى الوراء .. ولا يعني هذا يأسًا أبدًا.. فكما يمر الزمان نستطيع أن نعمل ونستطيع أن ننتظر النتائج.. ليس المحب الخائن فقط هو لعبة الأيام لكنه الإنسان على الإجمال تغيره الأيام، فيقترب ويبتعد عن الحق.