الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البعضُ يَظنّ أن التاريخ سوف ينصفه!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذا الكلام ليس للبكاء على أخطاء الماضى القريب، وإنما للانتباه إلى ما هو راهن، وبالذات إلى الانتخابات البرلمانية التى تأجلت، لحسن الحظ، مما جعل هنالك فرصة محدودة، ولكن لا يُستهان بها، لتصحيح بعض الأخطاء التى جعلت من الصعب على أصحاب الأفكار والتوجهات الثورية أن يكون لهم إمكانية الوجود المؤثر فى البرلمان، فى حال أن تبدأ انتخاباته بعد أسابيع، ثم أُتِيحت فرصة حقيقية، بفضل التأجيل، لتطوير إمكانيات الفوز فى الانتخابات إذا أُحسِنَ الاستفادة من الوقت الإضافى الذى توفر بتأجيلها.
لذلك، فلا بأس من التذكير بمحطات لا ينبغى أن تسقط من الذاكرة، لأن فيها دروساً يُستفاد منها فيما هو آت.
أول ما يَرِد فى هذا السياق، أنه كما سوف يحاسِب التاريخُ حسنى مبارك على جرائمه الكثيرة التى أفلت من المساءلة عن بعضها أمام القضاء، وبعضها الآخر الذى دُفِنَ فى ظروف غامضة، والبعض الذى لا يعلم أحد كيف اختفت الأدلة الثبوتية عليه، فسوف لن يرحم التاريخ بعض المنتسبين للثورة الذين بددوا فرصاً عظيمة كانت متاحة وكان يمكن لو جرى التمسك بها أن تكون الثورة أمضى وأكثر قوة وثباتاً، ولكنهم أخطأوا فى ترتيب الأولويات، بإرجاء ما هو عاجل، وتقديم ما ينبغى تأجيله، وبعد أن ألجموا زملاء الثورة، الأكثر خبرة والأعمق فكراً والأبعد نظراً والأكفأ سياسة، بالابتزاز والصراخ بأعلى الصوت والاتهام بالانتماء لفلول مبارك، أو بالتهاون فى القصاص..إلخ، فصمت هؤلاء برغم أن بدائلهم الأخرى كان مُرَجَّحاً لها أن تعفى الثورة من المزالق التى وقعت فيها.
كان الأفقُ مفتوحاً بعد الإطاحة بمبارك، وكانت التطلعاتُ عظيمةً والأهدافُ متعددةً، وكان ما يخصّ البناء هو أهمها، بتوفير العيش وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وفق إرادة الشعب المتمثلة فى الشعارات التى هتفت بها الجماهير فى ميادين مصر بدءاً من 25 يناير. ولكن شاء البعض أن تكون الأولوية الأولى، التى تسبق كل ما عداها، لمحاسبة الماضى، ولمحاكمة مبارك ورجاله، ولم ينصتوا إلى الخطورة الواردة فى إمكانية تبرئتهم ما دام انهم يُحاكَمون بالقوانين التى وضعوها بأنفسهم لأنفسهم، أو تلك التى ورثوها من عهود سابقة وأبقوا عليها لما رأوا فيها من حماية كافية من المساءلة، وما كان يمكن أن يُدان أحد من هؤلاء المتهمين إلا بحكم لا يصمد أمام طعن! وهذا ما حدث!
فإذا بهؤلاء الثوار، وبدلاً من التوقف ومراجعة ما حدث والبحث فى أسباب الفشل، ونقد الذات على سوء الاختيار، راحوا يتطاولون على القضاء ويتهمونه بالعمل لصالح الثورة المضادة! وكأن من حق القاضى أن يحكم بغير القوانين السارية! وكأنه يمكن للقاضى أن يتولى التشريع الذى يرضون عنه!
لم ينتبه هؤلاء الثوار إلى أن الوقت ثمين، وكان كل يوم يمر لا يمكن تعويضه، وان الطاقة محدودة، وكل طاقة محدودة، وأنه كان يلزم عليهم أن يضعوا على رأس الأولويات أن تبسط الثورة يدها على مرتكزات القوة، الرئاسة والحكومة والبرلمان والإعلام والحكم المحلى..إلخ، ولكنهم تركوا كل هذا لجماعة الإخوان وحلفائها! وينبغى الاعتراف بأن الأخيرين لم يرتبكوا لحظة واحدة فيما يخصّ مصلحتهم، كانوا مدركين تماماً لطبيعة الحدث ومقتضياته وممكناته التى أرداوا أن تعود عليهم وحدهم بالنفع! فتوجهوا، بعد أيام من اندلاع الثورة، وقبل أن تكتمل صورتها، وبمجرد أول إشارة لهم من السلطة، وبعد أن اتضح أن اتجاه الريح فى مسار إحداث تغييرات جذرية، وراحوا يعرضون طلباتهم ويساومون، بل أنهم عرضوا بيع الثورة والانسحاب من الميدان وترك الثوار لمصيرهم.
بل أنهم ورطوا الثوار فى شعارات القصاص، وفى وجوب تصفية مبارك وفلوله، وفى تكفير كل من تعاون مع مبارك عبر 30 سنة، لكى يخلو لهم الجو، حتى صاروا هم القوة الوحيدة المؤهلة للاستيلاء على كل ما كان يجب يئول للثورة: الرئاسة والحكومة والبرلمان والتليفزيون والصحف..إلخ!
هل سقط من الذاكرة أن الإخوان اتخذوا أغرب قرار فى تاريخ الصحافة فى مصر، استولوا فيه على كل مناصب قيادة العمل فى الصحف المملوكة للشعب بتعيين 53 رئيس تحرير فى يوم واحد، وكلهم من رجالهم وممن يثقون فيهم كل الثقة؟
وينبغى الإقرار بحقيقة، لا يزال، للأسف، يجادل فيها البعض حتى الآن، وهى أن جماهير الشعب، فى خروج 30 يونيو، هى التى قامت بتصحيح خطأ زعامات الثورة، ولولا إصرار الشعب على إسقاط الإخوان، ولولا انحياز الجيش الوطنى لهذا الاختيار، لكنا نعيش الآن كارثة محققة أسوأ من أسوأ أيام مبارك!
كان من أكبر الأخطاء إهمال العمل وسط الجماهير، باعتبارهم ناخبين، وهو ما لن يكون لأحد تمثيل فى البرلمان إلا به، وتضاعف الخطأ، بأنه وفى نفس الوقت، كان هنالك تفرغ كامل لإسقاط قانون التظاهر!
وليس العيب فى السعى لإسقاط قانون التظاهر المعيب المرفوض من الأغلبية الساحقة، ولكن النتيجة الأكثر رجحاناً، فى مجمل هذا الأداء، هى أن يترتب على هذا أن يتشكل برلمان، لا يُمَثَّل فيه التمثيل الفاعل أصحابُ الفكر والانتماء إلى الثورة، فيصبح من سلطات البرلمان الجديد إمكانية أن يلغى أى إنجاز يحققه النضال الذى يستهدف تعديل القانون، بل من الممكن أن يمارس هذا البرلمان صلاحياته الدستورية وأن يضع أسوأ قانون فى العالم يمنع به حق التظاهر أو أن يقيده باسوأ من القانون الحالى، ولن يكون هنالك كتلة فى البرلمان يمكنها أن تتصدى.
وأما ما يستحق الوقوف أمامه بالدرس والتمحيص وفهم أسبابه والتمعن فى نتائجه، قبل إدانته وشجبه، فهو أن عدداً من أصحاب الصوت العالى الذين يرفعون شعارات الثورة، لا ينزعجون عندما يجدون أنفسهم فى خندق واحد مع الإخوان وحلفائهم، ولا يراجعون أنفسهم وهم ينفذون أهداف الجماعة، ضد الشرطة، التى لا يتذكرون ما حدث للبلد بعد انهيارها فى جمعة الغضب، وضد الجيش، الذى لولاه لكان الإخوان لا يزالون على رأس الحكم، ولكان الإرهابيون يصولون ويجولون فى طول البلاد وعرضها!
وأما الآن، ومع الفرصة التى وفرها تأجيل الانتخابات البرلمانية، فلا ينبغى أن تتبدد، بل يجب أن يُستفاد من كل دقيقة وكل طاقة، فى سبيل أن يكون للمدافعين عن الثورة كتلة معتبرة فى البرلمان يُناط بها العمل على أن تتحقق المطالب الشعبية، أولاً، ثم، ثانياً، أن تتصدى لمن سوف يتسربون إلى البرلمان بهدف قهر إرادة الشعب، سواء من فلول مبارك أو من خلايا الإخوالن النائمة! وهذا لن يتحقق إلا بتصويب ترتيب الأولويات.
وإلا فإن التاريخ لن يرحم!