الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ثروت عكاشة.. مهندس الوجدان المصري

ثروت عكاشة
ثروت عكاشة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد ـ محمد حافظ
إشراف ـ سامح قاسم



"إن الثقافة علم وعمل معًا ثم موقف واضح من هذا العلم وذلك العمل، فليس يكفي أن يحصل المرء قدرًا من الخبرات أو المعرفة لكي يسمي مثقفًا، وإنما المثقف هو من يتخير من خبراته ومعارفه وسيلة لتطهير نفسه فيجعلها أسلوبًا للحياة ينتهجه، فالثقافة في هذا الصدد ليست رداءً يرتديه المرء أو ينفضه عن نفسه، وإنما هي دمه ولحمه معًا بل وتسيل الدماء من أجل الثقافة وحولها"، ما أحوجنا إلى أقوال هذا الرجل فقدت الثقافة المصرية، بموته في مثل هذا اليوم منذ ثلاثة أعوام، أحد أهم أركانها.
إنه الكاتب والمبدع الكبير ثروت عكاشة، العسكري الذي قاد الثقافة المصرية، وأرسي البنية التحتية لها، عندما تولي وزارتها بعد ثورة يوليو عام 1958 إبان حكم الرئيس جمال عبدالناصر، ومازالت إنجازاته شاهدة على بعد نظرته وتخطيطه الإستراتيجي، بعد أن أنشأ كثيرا من الهيئات التي تعمل على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا مثل المجلس الأعلى للثقافة، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية وأكاديمية الفنون وغيرها من المؤسسات الثقافية.
فتلك الكلمات كانت فلسفته في الحياة والعمل، هذا الرجل العسكري الذي تولي وزارة الثقافة وأثراها بالعلم والعمل وأثبت نجاحًا منقطع النظير، فلم يقدم أي وزير مدني ما قدمه ثروت عكاشة بعسكريته وسعة أفقه واستنارته للثقافة المصرية، على الرغم من الكثير من الشعارات الرنانة التي يطنطن بها البعض ليلا ونهارا دون أن يكون لها تأثير على واقع الأرض.
كان الدكتور ثروت عكاشة أول وزير للثقافة في مصر، تولى هذه المسئولية لفترتين تعتبران من أهم فترات النهضة الثقافية، الفترة الأولى في عام 1958 إلى عام 1962، والثانية في عام 1966 حتى عام 1970، وفي أثناء هاتين الفترتين استطاع الوزير عكاشة أن يحدث تغييرا جذريا في المشهد الثقافي في مصر، أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية سواء على المستوى الفكري أو على مستوى البناء، حيث يراه الكثيرون، الشخصية الثقافية الأولى في مصر، كان اسمه يتردد صداه على امتداد الوطن العربي الكبير، وفي عواصم الثقافة في أوربا، وفي أروقة اليونيسكو وقاعاتها الواسعة.
ظل عكاشة مثال للأديب العاشق للحياة بكل ما فيها متذوقًا لفنونها وجمالها، متربعًا على عرش الثقافة المصرية، بل والعربية المثقف الواعي الذي سبق أجيالا وأجيال بما قدمه للحياة الثقافية في مصر في شتي المجالات الفنية والثقافية، فقد كان وزير الثقافة المثقف المستنير الذي أنشأ وأرسي قواعد التعليم الفني في مصر، فلم تكن هناك مؤسسات حكومية تقوم بنشر الفنون، ولذا أنشأ أكاديمية الفنون عام 1959 بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومي بسنة واحدة، ومن خلال تلك المؤسسة وهذا الصرح الثقافي العظيم استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية، فقد كانت هي إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية والانفتاح عليها، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية في كثير من المجالات، حيث بدأ التعاون مع بعض الدول الأجنبية لاستقدام أساتذة أجانب لتولي عملية الدراسة للطلاب المصريين في أكاديمية الفنون من خلال دراسة أكاديمية متخصصة، والذين أصبحوا يقودون العملية التعليمية والثقافية، فيما بعد، ووصولًا بتمثيل مصر في المهرجانات والمسابقات الدولية والعالمية ووضع فنون مصر على الخريطة العالمية إبان هذا.
ولم يكتف باستقدام الأساتذة من الخارج بل أرسل بعثات خارجية، واستحضر آلات ومعدات للمعاهد، منها آلات موسيقية من أفضل الماركات العالمية والتي كلفت الدولة مبالغ طائلة، ولكن يرجع ذلك لإيمانه بضرورة الفنون في نهضة المجتمعات وتقدمها ولتوفير أفضل السبل للأجيال التي تنتوى الالتحاق بهذه المعاهد للوصول بها للمستوي اللائق.

مرشد مصر الثقافي
سار على خطى ثروت عكاشة كثير من الدول العربية، التي انتهجت نهجه في بناء الحياة الثقافية التنويرية، فهو بالفعل خير مثال لمن يتقلد وزارة لنشر الثقافة والوعي وللإرشاد القومي، حيث أرشد قومه فعليًا إلى الطريق الصحيح، من خلال بث الهيئات الداعمة للاستنارة الفكرية، وتحقيق وعي ثقافي شامل لكل طبقات المجتمع، حيث استطاع تحويل مسار الفنون للشارع المصري، بدلًا من اقتصارها على الطبقة الأرستقراطية المثقفة، وذلك من خلال جهاز الثقافة الجماهيرية في جميع أقاليم القطر المصري، والتي أنشاها لتحقيق هذا الحلم والأمل الذي كان ساعيًا دائمًا له، فكان يوليوا كامل الرعاية لكي تؤدي دورها الفعال تجاه جموع الشعب في كل مكان حتى للبسطاء منه.
وقد شمل اهتمام المفكر الكبير ثروت عكاشة بكل أنواع الفنون إلى أن استقطب خبراء للموسيقي الشعبية على مستوي عالمي لجمع ودراسة التراث المصري في جميع أنحاء الجمهورية، حفاظًا على قيمتها من الضياع، وخلال فترة توليه مسئولية وزارة الثقافة عام 1958 إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أنشأ كثيرا من الهيئات التي تعمل على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا مثل المجلس الأعلى للثقافة، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، والتي كانت تحوي في ذاك الوقت نحو نصف مليون مجلد من الكتب والمخطوطات القيمة، حيث حافظ على التراث المصري بداخله، أسس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني وفرق الموسيقي العربية، والسيرك القومي ومسرح العرائس.
كما أنشأ قاعة سيد درويش بالأكاديمية لعمل الحفلات بها، ووجه اهتمامه للآثار المصرية، حيث وضع الأساس لمجموعة متاحف هي من أعظم المتاحف المصرية للآن، كما بدأ تقديم عروض الصوت والضوء وذلك لانتشار الفنون في جميع الأروقة والمحافل الثقافية، كما كان له دور وطني بارز من خلال إقناع المؤسسات الدولية في العمل على إنقاذ معبدي فيلة وأبو سمبل والآثار المصرية في النوبة حفاظًا عليها من الضياع أثناء بناء السد العالي.

عين تسمع وأذن ترى

وقد اهتم بدور النشر، حيث أسس المكتبة الثقافية والتي كانت النبتة الأساسية لمشروع مكتبة الأسرة، حيث تقدم الكتب بأثمان زهيدة لتصبح في متناول الجميع، كما ألف العديد من الكتب والموسوعات الفنية، وأيضًا ما يقرب من 45 كتابًا مترجمًا يعكسون اهتمامه وعشقه للثقافة والفنون في شتي أشكالها وصورها من أشهرهم ترجمة للشاعر جبران خليل جبران، وأعمال الروماني أوفيد، كما يعتبر كتابه "مذكراتي في السياسة والثقافة" من أهم الكتب التي تعبر عن مصر فنيًا وثقافيًا وحضاريًا وطبقيًا، وأيضًا مجموعة كتب "العين تسمع والأذن ترى" بأجزائها المختلفة، والتي تعبر عن الفنون في عصورها المختلفة بمثابة موسوعة فنية متكاملة.

مخلص الآثار
منقذ معبدي أبي سنبل وفيلة، صانع الصوت والضوء في الهـرم والكرنك باني دار الكتب والمعهد العـالي للسـينما والمؤسسـة العـامة لفنون المسرح والموسـيقي، منشئ قاعة سيد درويش الباهرة، وواضع حجر أساس أكاديمية الفنون الجميلة، ومعاهدها والمعهد القومي العالي للموسيقي ومعهد الباليه والمعهد العالي للفنون المسرحية، ورغم أن مجموع سنوات عمله وزيرا للثقافة في فترتي تكليفه لا يتعدى 8 سنوات، ولكن تبدو إنجازاته وكأنها استغرقت دهرا استطاع فيها الربط في مشروعات الوزارة بين النظرة الإنسانية وبين النظرة القومية إلى الثقافة ورفع الحواجز بين طبقات المجتمع بتطوير الثقافة الإقليمية وإتاحة الفرصة للتفاعل بين طبقة العامة وبين الفن الرفيع المستوى، ثم تضمين الثقافة قيما عالمية وإنسانية خالدة، الأمر الذي كانت له انعكاساته على كل أنشطة الوزارة، وأخيرا إتاحة حرية الإبداع للفنان.

الثقافة على قارعة الطريق
بعلمه لتاريخ مصر وماضيها حاول أن يري المستقبل واحتياجات العصر، ويقرأ التيارات القادمة وألوانها سواء هادمة أو متفتحة، يميز التيارات السوداء كالحروب، أو البيضاء كالجهل وتفريغ العقول، إضافة إلى اهتمامات العصر واحتياجات البشر، لذا فإن أهم ما يميز ثروت عكاشة هي قدرته الكبيرة على إرشاد الثقافة المصرية، وكيف يقوم بتوجيه سفينتك وسط الأمواج المتلاطمة حتى تهدأ الرياح والعواصف وتواصل رحلتك في بحر الحياة.
لقد قام ثروت عكاشة بدور خطير للثقافة المصرية والعربية، ونزل بالثقافة بمفهومها الواسع إلى قارعة الطريق المصري وقلب الشارع العربي، ذلك المحافظ على تراث مصر وتراث أبنائها ومفكريها من العظماء، المنقذ لتراث وفكر الوطن من التيه والقلق والفراغ الفكري، والذي استرجع لمصر بهاء مصر ورونقها الثقافي وفكرها الخلاب لتصبح بحق منارة العالم وأم الدنيا.

ويرصد ثروت عكاشة حكايته مع الثقافة فيقول: قال لي عبد الناصر إن مهمتك هي تمهيد المناخ الثقافي لإعادة صياغة الوجدان المصري.. وتذكر أن بناء المصانع سهل.. ولكن بناء الإنسان صعب جدا !
لم يكد يحل مساء الثامن من أكتوبر 1958 حتى كنت في رفقة زوجتي نشغل مقعدين في الصفوف الأولى من دار الأوبرا بروما كي لا تفوتنا لفتة أو همسة تبدو من المغني الموهوب بوريس كريستوف الذي كان يقدم أوبرا دوريس جودفون.
وظلت الألحان تتردد في وجداننا بعد انتهاء العرض، حتى امتدت يدي إلى مفتاح جهاز الراديو لاستمع كالعادة إلى نشرة أخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة، فإذا بالخبر الأول الذي يحمل مفاجأة مذهلة، فقد كانت القاهرة تذيع قرار تشكيل حكومة جديدة تضم بين أعضائها اسمي وزيرا للثقافة والإرشاد القومي، بدلا من المنصب الذي كنت أشغله آنذاك وهو سفير مصر في روما.
انمحت صورة الحفل من فكري وخمدت ومضاته فجأة، وشملني قلق غامر، وشرد ذهني إلى ما ينتظرني من عمل في القاهرة. وبرغم إيماني بأهمية العمل الثقافي إلا أن منصب الوزير ذاته لا مفر من أن يدخلني في غمرة المشتغلين بالسياسة وهم في كل بلاد العالم وليس في مصر وحدها رجال ذوو استعداد طبيعي وطباع خاصة تمليها عليهم حرفة السياسة وأنا على طبع مغاير.
فحين انتميت إلى الضباط الأحرار كنت أحمل بين جوانحي شعورا عاما لتحرير الوطن والشعب دون تفكير في أن أزج بنفسي في غمرة السياسة.
لهذا وبعد نجاح الثورة تنازلت طواعية عن مكاني الذي عرضه علىَّ جمال عبد الناصر في مجلس قيادة الثورة لزميل فاضل، مبتعدا بنفسي عن تيارات السياسة واضعا نصب عيني أن أقدم لوطني ما تسمح به إمكاناتي.
وكان ظمئي إلى المعرفة يجعل الكتاب أقرب رفيق لي، وكان ولعي بالموسيقى يشدني إلى مواطن النغم، وهكذا كانت هواياتي الفنية تستحوذ على أوقات فراغي كلها وتثير في نفسى ضيقا وتبرما بجلسات الدردشة، وتصبغ خطواتي وتنقلاتي بطابع العجلة التي تترك في نفوس البعض شعورا بأن في نفسى تباعدا أو تعاليا، وإن لم تكن تلك حقيقة مشاعري، بل هي مجرد الرغبة الملحة في مطالعة كتاب جديد أو سماع لحن شجى.
مر في ذهني العديد من الخواطر والذكريات وأنا أتجول في غرفتي غدوا ورواحا بعد أن أرقني نبأ تعييني وزيرا فاستعصى على النوم بقدر ما غاب الهدوء عن وجداني، وأخذت أقارن بين رضائي يوم فوجئت بتعييني سفيرا لمصر في روما منذ ما ينيف عن سنة وبين البلبلة التي اعترتني لتعييني وزيرا.
ولم يكن الأمر عندي هو مقارنة بين السفارة والوزارة، فالسفير رغم مباهج عمله في عراقة عواصم أوربية كروما لا يعدو أن يكون موظفا محدود الاختصاصات ضيق الدائرة التي يتحرك فيها أو التي يمتد إليها نفوذه، في حين يملك الوزير صلاحيات كبرى ويستطيع التأثير في مجال ينفسح ليشمل الوطن كله، غير أن الأمر كما أتصور كان مناخ العمل هنا وهناك، فلقد كنت أحس وأنا سفير أنى بين مجموعة يسودها التواؤم والتوافق.
كلنا نعمل لهدف معين محدد، وكما أنا فارغ له هم الآخرون فارغون معي له، بينما الأمر سيكون في الوزارة كما كنت أتخيل على العكس من هذا، إذ ثمة أمور عامة يقتضيها منصب الوزير ستشغلني عن التفرغ لأمور الوزارة.
ولقد فكرت في هذا مليا إذ أن بعض هذه الأمور قد لا يتفق وميولي، وهذا مما كنت أراه من ضم الحقل السياسي لشلل وتجمعات همها ألا يزاحمها في سلطانها أحد، وكثيرا ما تنشأ معها المكائد والوشايات، وكان هذا مبعثا آخر لقلقي، إذ لابد لي من حذر واسع كي أدفع عن نفسى ما قد يحاك لي.

لقاء مع عبدالناصر
وكان أن انتهيت إلى أنه لابد لي من أن أعود إلى مصر قبل مرور أربع وعشرين ساعة، ومقابلة الرئيس راجيا إعفائي من شغل منصب الوزير، والحق أن جمال عبدالناصر أدرك منذ مصافحتي له كل ما أضمره، وكأنما كان يقرأ أعماقي، وأخذ يفيض في السؤال عن أسرتي وصحتهم وأحوالهم ليؤجل بضع لحظات بدء مناقشة يعرف أنها ستكون طويلة وشاقة، حتى إذا انتقلنا إلى جوهر الحديث وصارحته باضطراري إلى الاعتذار عن عدم قبول منصب الوزير الذي لم استشر في أمر إسناده إلىّ، لا تقاعسا عن عمل جاد، بل تحاشيا لوقوع صدام محتمل بيني وبين الشلل والتجمعات المتسلطة.
استمع عبد الناصر إلى حديثي مصغيا كل الإصغاء مقدرا مشاعري وأحاسيسي، ثم أخذ في إقناعي وهو يقول: إن منصبك الآن في وضع يعلو وضع بعض من لا تطمئن نفسك إليهم، كما أنك ستشغل مكانا بعيدا عن المكان الذي يعملون فيه، فوزارتك تقع في مبنى مستقل بقصر عابدين، في الوقت نفسه الذي ستكثر فيه لقاءاتنا معا بل وبشكل منتظم، كما أن هذا المنصب لن يغير شيئا من أنك تستطيع في أي لحظة أن تجد بابي مفتوحا لك أو أن تتصل برقم تليفوني المباشر.
وحين ذكرت له ثانية عزوفي عن المناصب التي تشوبها صراعات على السلطة والنفوذ وما يتبعها من مضيعة للوقت والجهد وأنى أنفر من الخوض في غمارها لأنها تستنفد طاقات مهدرة، أجابني قائلا: أصارحك بأنى لم أدعُك لشغل وظيفة شرفية، بل إنني أعرف أنك ستحمل عبئا لا يجرؤ على التصدي لحمله إلا قلة من الذين حملوا في قلوبهم وهج الثورة حتى أشعلوها، وأنت تعرف أن مصر الآن كالحقل البكر، وعلينا أن نعزق تربتها ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقها في الحياة والحرية والمساواة، "فهذا هو الغناء، وهذا هو العمل الجاد" على نحو ما ذكر فرجيل في إلياذة، وإنني اليوم أدعوك أن تقبل على هذا العناء وذاك العمل الجاد، وأن تشمر عن ساعد الجد وتشاركني في عزق الأرض القاحلة وإخصابها، إن مهمتك هي تمهيد المناخ اللازم لإعادة صياغة الوجدان المصري، واعترف أن هذه أشق المهام وأصعبها، وأن بناء آلاف المصانع أمر يهون إلى جانب الإسهام في بناء الإنسان نفسه، ولو أن سفيرا يستطيع أن يؤدى ثلاثين في المائة فقط مما قمت به أنت في روما فحسبي هذا. إن لك دورا تخدم به الوطن في الداخل أهم من دورك في الخارج، وأحب أن أبوح لك بأن على بابي هذا نحو عشرين متطلعا إلى منصبك هذا.
فعجلت بقولي: إذن فلتمنحه لأحدهم فإني غير راغب فيه، فضلا عن أنى لا آمن من تلك السهام الطائشة التي سوف توجه إلىّ من ذوى الأغراض.
فسائلنى بهدوئه العميق: ومن منا الذي يعمل آمنا من السهام المعادية؟ أولا تذكر أننا خرجنا ليلة 23 يوليو 1952 نحمل أرواحنا على أكفنا، وكل منا يضع في احتمالاته ألا يعود إلى أسرته سالما، إن عظم المسئولية جدير بأن يثير في نفسك ما عهدته فيك من إقدام، ثم ما الذي ستفعله في وزارة الثقافة غير تحقيق أحلامك التي طالما كنت ترويها على مسامعي قبل الثورة وبعدها.

ذكريات ما قبل الثورة
وأخذ الرئيس يذكرني بأنني لم أغادر القاهرة في مهمة سياسية خاصة إلا وأعود بحديث مقتضب عن المهمة تاركا التفاصيل للتقرير المكتوب، بينما كنت أطلب في الحديث عن النهضة الفنية في الخارج وعما شاهدت من عروض مسرحية وموسيقية وأوبرالية ومن معارض فنية تشكيلية وعن أحدث الإنشاءات الثقافية، وعن أمنيتي في أن تتحقق مثل هذه النهضة في مصر، وهنا صارحني الرئيس بقوله: لا أخفى عليك أن كل حديث كان يدور حول تنمية الثقافة والفنون كان يجعل صورتك تتراءى في خيالي.
وأذكر حديثنا قبل الثورة عن انحصار المتعة الثقافية خاصة الفنون الراقية في رقعة ضيقة لا تنفسح إلا للأثرياء، وكيف ينبغي أن تصبح الثقافة في متناول الجماهير العريضة وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتبلغ القرى والنجوع، فمن بين أبناء هذه القرى الغائرة في أعماق الريف بالدلتا والصعيد يمكن أن يبزغ عدد من الفنانين الذين يعكسون في إبداعهم أصالتهم الحضارية، ويبدو لي أن الأوان قد آن لتحقيق هذا المطمح، وقد كنت أنتظر هذه اللحظة لأسند إليك مهمة وزير الثقافة، ولا تتصور أنى كنت أوفدك في مهام مؤقتة إلى عواصم أوربا أو في مهام طويلة كعملك الدبلوماسي في باريس وروما دون أن أضع في اعتباري ما تتحه لك هذه الفرص من دراسة الأنشطة الثقافية والفنية في أهم عواصم الفنون والثقافة في العالم، وإنني أرى أنه ما زالت أمامك رحلات أخرى في عواصم أخرى تضيف إلى حصيلتك في هذا المجال زادا جديدا، لكنك ستقوم بهذه الرحلات بوصفك وزيرا للثقافة، وهو ما سيتيح لك فوائد أعظم وأنت تشيد أبنية الثقافة والفن في مصر.
وأحسست أن عبد الناصر كاد يضيق علىّ الحصار وأن يمس أوتار قلبي، وأن يوقظ في نفسى الأحلام والذكريات التي أخذت تلهب خواطري وتشعل في وجداني قلقا عصيا على الخمود.
فقلت له: أرجو أن تمنحني فرصة أعيد فيها النظر.
فقال لي مبتسما: حسبتك تريد فرصة تجرب فيها حظك في موقع وزير الثقافة، وعلى كل فليكن لك ما تريد، أخلد إلى عزلتك ليلة أو ليلتين، على أن تتذكر أن قرار رئيس الجمهورية لا يقبل التغيير السريع الذي توده أو الذي كنت توده.
وصافحني مودعا بعد ساعات أربع من النقاش الذي كان فيه بالغ الصبر، والذي اعترف أنى كنت فيه شديد العناد والتصلب، اتجهت إلى بيت المشير عامر الذي هنأني بتعييني وزيرا للثقافة وهو يقول لي: ها أنت الآن في الموقع المناسب لتكوينك وتحقيق أمنياتك القديمة لصالح الفن والثقافة.
وحين سردت عليه موجز ما حدث بيني وبين الرئيس قال رحمه الله: إن عبدالناصر يعتمد عليك فلا تخيب أمله فيك، ثم إنه أوحى لك بأن تأخذ فرصة في ممارسة مسئوليات هذا المنصب الجديد، فإذا مضت مدة ووجدت أن هناك عقبات فعلية في طريق إنجازك لمشروعاتك كان من حقك ساعتها أن تطلب من الرئيس إعفاءك من المنصب الوزاري. وساعتها سيوافق الرئيس دون أن يجد في ذلك ما يغضبه عليك أو يخيب أمله فيك، أما الآن فلا يجوز.
وقد اعتكفت في بيتي ليلتين كما أشار علىّ الرئيس، وفى صباح اليوم الثالث تلقيت مكالمة منه يسألني فيها عن رأيي الذي انتهيت إليه، فأجبته قائلا: أصارحك أنى حتى الآن لم أحس بالراحة لقبول هذا المنصب، فقال ضاحكا: هيا إلى مكتبك على بركة الله لا تهتم براحة النفس هذه فأنا كفيل بتحقيقها لك، ونظرت بعدها إلى رفيق السلاح يوسف السباعي الذي كان يزورني عندها، ولم أكد أكرر عليه قولة جمال عبدالناصر حتى انفجر ضاحكا وقال لي بمرحة المعهود الذي كان يتسرب إلى قلوب محدثيه: أسرع يا ثروت، فأنت لا تدرك مفهوم كلمة "الراحة" في لغة أهل الصعيد لأنها تعنى أحيانا "الراحة الأبدية" وما أظنك ترحب بها الآن.
دخلت إلى مكتبي راضيا بما قدر لي وقد انحسم الصراع الذي مزق نفسى أياما ثلاثة، وأخذت أوطد العزم على العمل رغم معرفتي بما قد يجابهني من عقبات، ورفعت سماعة التليفون لأبلغ الرئيس جمال أنى أحدثه من مكتبي بقصر عابدين، وأحسست بدفقة الحماسة في صوته وهو يطمئنني قائلا: تأكد أنى سأوليك كل الدعم والرعاية، فإني واثق أنك سوف تستطيع أن تشكل رباطا وثيقا بين حركة المثقفين وحركة الثورة لتخلق منهما وحدة فعالة، فنحن في حاجة إلى تعاون كل المفكرين المستنيرين في إحداث التنمية الاجتماعية المنشودة.
استمهلت الرئيس شهرين أو ثلاثة أقوم خلالها بدراسة مبدئية لأوضاع الوزارة وتفرعاتها حتى أضع تصوري الخاص للانطلاق الثقافي وأحدد الخطة التي يمكن أن تحقق هذا الهدف لأعرضها عليه بعد اكتمالها، فقال لي مشجعا: تلك هي البداية السليمة، فخذ الوقت الكافي للدراسة والتأمل قبل أن تصبح تصوراتك قرارات توضع موضع التنفيذ، وبدأت أغرق نفسى في العمل ليل نهار، وكأنما مرت يد سحرية على ذاكرتي فمحت منها تخوفاتي السابقة وترددي الذي صرت أندم على أنه حدث لي في فترة كانت تمثل نقطة تحول بين عملين كليهما له مسئولياته الكبرى.
ما من شك في أن حكومة الثورة قد اهتمت بالثقافة منذ بداياتها الأولى، فأصدرت في 25 يناير 1956 قانونا بإنشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في شكل هيئة مستقلة ألحقت بمجلس الوزراء، وأوكلت إليه تنسيق جهود الهيئات الحكومية وغير الحكومية العاملة في ميادين الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وربط هذه الجهود بعضها بالبعض وابتكار وسائل تشجيع العاملين في هذه الميادين والبحث عن الوسائل التي تؤدى إلى تنشئة أجيال من أهل الآداب والفنون يستشعرون الحاجة إلى إبراز الطابع القومي في الإنتاج الفكري المصري بشتى ألوانه ويعملون على التقارب في الثقافة والذوق الفني بين المواطنين، مما يتيح للأمة أن تسير موحدة في طريق التقدم محتفظة بشخصيتها وطابعها الحضاري المميز.
وقد عهد القانون برياسة المجلس إلى وزير التربية والتعليم، وتطورت تبعية المجلس على مدى الأيام إلى أن صار جزءا من وزارة الثقافة، وبعد ذلك أقامت حكومة الثورة وزارة الإرشاد القومي التي حملت بين مهامها بعض الشئون الثقافية المحدودة لاسيما في مجال الفنون، وفى عام 1958 نشأت أول وزارة للثقافة بمصر، وكان هذا الإنشاء إيذانا بإقدام الحكومة المنبثقة عن الثورة على بذل جهد واع ومخطط من أجل تنظيم العلاقة بين الدولة وجهود المثقفين واستثمارها في إثراء منجزاتها المالية والسياسية والاجتماعية بمنجزات ثقافية وفنية.

نواة وزارة الثقافة
وما إن أخذت أمضى في مهمتي حتى تبين لي من الدراسات الأولى أنه لم يكن ثمة جهاز ثقافي قائم له تقاليده العريقة بحكم امتداد عمره الطويل عبر التاريخ إلا في مجالين اثنين هما الكتاب والآثار، أعنى دار الكتب ومصلحة الآثار، أما ما عدا ذلك فلم يكن سوى نواتين إحداهما أدبية وأخرى فنية، أما النواة الأدبية فقد غرستها وزارة التربية والتعليم بإنشائها إدارة عامة للثقافة انضمت بعد بهيئاتها المختلفة إلى وزارة الثقافة، وأما النواة الفنية فهي مصلحة الفنون التي أنشأها سلفي "فتحي رضوان" كما قدمت لترعى فنون المسرح والسينما والفنون التشكيلية، واستحدث من هذه المصلحة الوليدة جهازا له من المرونة والقدرة على الانطلاق والتحرر من القيود النمطية المعتادة ما يتيح له الانفساح وسط الحقول الثقافية العريضة على النحو الذي يفي بتطلعات شعبنا وحاجاته.
وكان هذا مما مهد لي أن أمضى في أداء رسالتي عندما اضطلعت بأعباء الوزارة فوجدت بين يدى هاتين النواتين، وكان علىّ أن أرعاهما الرعاية الحقة وأن أطورهما حتى تصبح ثمارهما يانعة مظلة تعم الوطن المصري والعربي، هذا العبء الكبير كان يقتضى من الوزارة حينذاك لكى تحققه وتبلغ به المدى جهدا أي جهد، لذلك ارتبطت بالمثقفين لتفيد منهم أولا في إدارة أعمالها الثقافية، ثم لتربط ما بينها وبينهم حتى تهيئ لهم المجال الخاص لإنتاجهم فترعاه الوزارة وتكفله.
وإذا نظرنا إلى التاريخ الذي أنشئت فيه وزارة الثقافة وهو عام 1958 لعرفنا أنها لم تكن إلا في طور النشوء، بل لقد عاب هذا الطور في رأيي ارتباطها بما كان يسمى وزارة الإرشاد القومي التي تحولت فيما بعد إلى وزارة الإعلام سالخة معها دار الإذاعة وهيئة الاستعلامات، أي أن وزارة الثقافة لم تنشأ حاملة مهامها الذاتية إلا قبل تسلمي شئونها بثمانية شهور، وهى فترة ضئيلة لم يكن من الممكن أن تحقق أكثر مما حققته، والذي يعتبر بكل المقاييس إنجازا قيما ملحوظا، لهذا قر في وعيي أن على هذه الوزارة الوليدة أن تخلق وتنشئ في شتى المجالات قدر استطاعتها، واضطرت لهذا أن تتحمل عبء الإنشاء والإنتاج معا، وهو أمر تنوء به أي قدرة مهما عظمت إن لم تستعن بالمثقفين أنفسهم لأنهم أصحاب القضية، وكان لزاما عليها أن تجند أكبر عدد منهم وتسلم إليهم قيادات أجهزتها الثقافية، غير أن تلك القيادات كانت تقتضى من هؤلاء المثقفين أعمالا إدارية إلى جانب أعمالهم الثقافية، وهذان العملان معا كانا يستنفدان جهود هؤلاء المثقفين، الأمر الذي لم يترك لهم أحيانا فراغا كافيا يؤدون فيه أعمالهم الثقافية الخاصة، وكانت هذه تضحية منهم لها شأنها ولا معدل للوزارة عنها، فمن أولى بخدمة الثقافة من المثقفين ؟
ولحسن الحظ كان جمال عبدالناصر معنيا بمسائل الثقافة، حريصا على دعم المشروعات الثقافية، مؤمنا بأن ازدهار الثقافة يؤدى في مجال الفكر ما يؤديه التصنيع الثقيل في قطاع الصناعة، شغوفا بأن يرى للقلم رسالة في شحذ وجدان الأمة لا تقل عن رسالة المدفع في حماية حدود الوطن، وفى تعانقهما معا ما يتيح للأمة التطور والارتقاء، ولا ننسى أنه للمرة الأولى في التاريخ المصري قد أنشأ وزارة للثقافة وأخرى للبحث العلمي أثناء اضطلاع الوزارة بأعبائها.
وكان واضحا من بداية الأمر أن الهدف الذي ينبغي وضعه نصب أعيننا هو رعاية الوجدان القومي وتغذيته وتنميته، ومع ذلك فقد كان أمامنا طريقان لا مناص من أن نسلكهما معا وفى الوقت نفسه، أولهما قصير والآخر طويل. ويرمى الطريق القصير إلى إمتاع المواطنين بالثمار العاجلة للثقافة التي تتنوع بين مسرحية جيدة وفيلم ممتاز ولوحة أخاذة وكتاب ممتع وبحث لامع إلى غير ذلك من ثمار الثقافة، أما الطريق الطويل فيقصد إلى تنشئة جيل تنضج على يديه هذه الثمار، سواء خارج الوزارة أو داخلها بإنشاء المعاهد الفنية لتربية جيل جديد من الفنانين المبدعين، فمهمة الوزارة هي استكشاف المواهب في كل حقل ورعايتها وتيسير السبيل أمامها للخلق والإبداع، هذا إضافة إلى اضطلاعها بإقامة المشروعات الثقافية الكبرى التي لا يقوى لها الأفراد، بل إن هذا هو واجب الوزارة الأول.

السياسة الثقافية
وإذا كانت الإنجازات الثقافية لا تنشأ - كما سبق أن ذكرت - من فراغ، فكذلك لا يمكن انبثاق أي سياسة ثقافية من أفكار عشوائية أو نزوات فردية عابرة، بل لابد أن تكون منبثقة من مبادئ راسخة تحدد مسارها وترعاه كما تحدد أهدافها مرحليا وإستراتيجيا، والسؤال التقليدي الذي يطرح نفسه دائما عند مناقشة موضوع الثقافة هو ماهية الثقافة أو تعريفها، ولن أثقل على قارئ هذه السطور بالخوض في هذه التفاصيل لأن الحديث عن الثقافة اليوم تجاوز هذا السؤال التقليدي إلى سؤال آخر هو "السياسة الثقافية" أو الإطار العام للعمل الثقافي، وذلك بعد أن وجد الباحثون والمثقفون أن الوصول إلى تعريف محدد للثقافة ليس أمرا سهلا أو يسيرا أو متفقا عليه تماما، فطرقوا المشكلة بأسلوب أكثر كياسة وذكاء من خلال "السياسة الثقافية"، بل إن منظمة اليونسكو حين دعت إلى مناقشة من هذا القبيل لم تستطع أن تفترض أن هناك شيئا واحدا يمكن أن يسمى "السياسة الثقافية"، لأن هذه السياسة الثقافية تختلف من مكان إلى آخر، وعلى أساس هذا الاختلاف تصبح هناك مناهج أو سياسات ثقافية لا سياسة ثقافية عالمية واحدة يمكن أن توحد أو تعمم أو توضع في قالب قابل للنقل من مكان إلى مكان والتطبيق في مواقع متفرقة من الدنيا، فالسياسة الثقافية ليست قالبا تصب فيه الأشياء، ولا هي كيان مادى يمكن أن يقاس بالطول أو العرض أو العمق، وما هي بالمادة تحكمها الأرقام والإحصاءات أو تدل عليها الرسوم البيانية.
ومع ذلك كان علينا ونحن نضع تفاصيل الخطة التي تجسد سياستنا الثقافية المتوائمة مع السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة أن نلجأ إلى الأرقام والوسائل الرياضية، فلم يكن من الممكن تحديد تكاليف المشروعات الثقافية دون استخدام الأرقام مع إيماننا بأن العائد منها لا يمكن تحديده رقميا بل له معايير أخرى لتقييم جدواه، فليس من المنطقي قياس نتائج عرض مسرحية ذات مستوى فنى رفيع بما تحققه من دخل، ذلك أن المفروض ألا يقبل على مشاهدة مثل هذه المسرحية إلا عدد قليل من المثقفين، غير أنه من المؤكد أن هذا العدد القليل سينبض بشجنة فكرية وعاطفية عميقة التأثير إلى حد أنه يمكن أن تسفر مشاهدتها عن تغيير جذري في مفهوم من المفهومات الشائعة أو في عادة من العادات القائمة، وقد توحى إلى من شاهدها من كتاب ونقاد فنانين بإبداع أعمال أخرى أبعد أثرا منها لدى الجماهير وأوسع انتشارا بين صفوفهم، كذلك ثمة صعوبة أساسية في تحديد المستوى الثقافي سواء على الصعيد القومي أو على الصعيد العالمي، لأن قياس الرقى يقتضى دائما عقد المقارنة بين ما نصل إليه وما يصل إليه سوانا في مجال الثقافة، وهذه المقارنة تحتاج معيارا ثابتا نقيس به، فنحن إذا أخذنا الميزانيات المرصودة للثقافة معيارا لهذا القياس لاكتشفنا على الفور أنها لا تفي بالغرض كاملا.
فعندما نقول على سبيل المقارنة إن السويد وبولندا تخصصان 1% من الميزانية القومية للأعمال الثقافية بينما تخصص فرنسا 43% من ميزانيتها القومية للنشاط الثقافي، نكتشف أننا قد ارتكبنا خطأ مركبا، لأن الأرقام على هذا الوجه لا تصلح للمقارنة، فمقارنة أرقام البسط وحدها لا تدل على شيء، فضلا عن أن مفردات رقم البسط لا تضم الأنشطة نفسها في هذه البلاد كلها، فبينما تشتمل في فرنسا على جهاز الوثائق القومية مثلا ولا تشتمل عليها في بولندا، تضم الحرف الفنية في بولندا ولا تضمها في فرنسا. كذلك فإن رقم المقام متغير لأن مجمل الميزانية الثقافية في هذه البلاد ليس واحدا، وعلى هذا النحو نكتشف أننا قد اخترنا معيارا واحدا في مظهره، ولكنه متغير في تفصيله بما يؤدى إلى نتائج غير دقيقة.
على أن الشيء المحقق هو أن الاتجاه العالمي قد استقر على أن السياسة الثقافية يجب أن ترتبط بالخطة الشاملة للتنمية، أو بمعنى آخر ينبغي أن ترتبط السياسة الثقافية بالسياسة الاقتصادية للمجتمع وبالتطور العلمي والتكنولوجي فيه.

التكافؤ الوجداني

وهكذا بدأت وزارة الثقافة خطتها التالية انطلاقا من إيمان عميق بأن دورها لا ينبغي أن يكون قاصرا على تقديم المستوى الرفيع من المتع العقلية للطبقة القادرة على التمتع بها فحسب، بل يجب أن يكون لها دور فعال في تحقيق أكبر قدر من التكافؤ العقلاني والوجداني في آن معا، ولن يتحقق التكافؤ العقلاني إلا بأن يشاع بين فئات المجتمع بقدر الإمكان قسط متقارب من المعارف، كما لن يتحقق التكافؤ الوجداني إلا بأن يشاع بينهم قدر مشترك من تذوق الفنون واستشفاف أسرارها، وليس معنى ذلك بطبيعة الحال أن نهبط بالثقافة إلى مستوى الجماهير العريضة، وأن نقضى على مظاهر التفوق والإبداع حتى يكون كل شيء في قدرة المجموعات الواسعة من الناس، فالسياسة الثقافية ينبغي أن تكون من الحذق بحيث تدرك أنها لو فعلت ذلك لما حققت التكافؤ الثقافي، بل وقفت في وجه التطور فيصبح إنسان العصر متخلفا، فإن طبيعة الثقافة من ناحية وديمقراطيتها من ناحية أخرى تقتضيان التطور إلى الأمام، على أن تيسر للجمهور الحصول عليها دون عناء، وتلك مسئولية الدولة، فهي التي تتحمل عبء تطوير الإنتاج الثقافي من ناحية، وتيسيره للناس من ناحية أخرى، فتتحقق بذلك الركيزتان اللتان تستند إليهما الثقافة: التقدم المستمر في غير تراخ، وتحقيق التكافؤ العقلاني والوجداني في المجتمع، وهو ما يقتضى من الدولة التفكير في صيغ جديدة مبسطة تقدم من خلالها هذه المتع القيمة، ويصبح من واجب الفنانين والمثقفين أن يشاركوا الدولة في الوصول إلى صيغ ملائمة يقدمون بها ثمرات الفكر وزهور الفن على أوسع نطاق، وفى أرحب دائرة دون المساس بالمستويات ذات القيم الكبرى في الإبداع الثقافي إلا دفعا لها إلى مزيد من التفوق والإجادة.
على هذا النحو تصبح الثقافة عاملا فعالا ورئيسا في تكوين السياسة الشاملة للتنمية التي تتوقف إلى حد بعيد على قدرات الناس وتفوقهم ونموهم العقلي والعاطفي، وكلما زادت هذه القدرات زادت قدرة المجتمع على النمو الاقتصادي وكلما زادت درجة نمو المجتمع زادت حاجة أفراده إلى الثقافة.. وحلقة مفرغة تدور حول نفسها في انتظام مرتب لا يختل.
إذن فالسياسة الثقافية ينبغي أن تكون جزءا لا يتجزأ من سياسة التنمية الشاملة تتأثر بها وتؤثر فيها، كما أنها تتأثر بالتطور التكنولوجي للمجتمع وتؤثر فيه، وانطلاقا من هذا المنطلق واستلهاما لروح الثورة حاولنا حصر احتياجات مجتمعنا الثقافية وتبين ما لدينا من إمكانيات مادية وبشرية قادرة على العطاء، وهكذا وبعد دراسة متأنية تجلت لنا احتياجاتنا لاستكمال أجهزتنا الثقافية.
وكما قدمت فإن طبيعة الثقافة أنها كيان معنوي واسع وفسيح، وهى كذلك كيان حساس ودقيق، وطبيعة هذا شأنها قد ترفض الأرقام وتأبى التقيد بالإحصاءات، كذلك اعترف أن حصر احتياجات الفكر العام والوجدان القومي وإرادة الجماعة، بل حصر ذلك جميعه بالنسبة للفرد ليس من الأمور السهلة الهينة، كما أن حصر الإمكانات لا يقل عن ذلك صعوبة، ولهذا فطالما أن هذه هي العناصر الأساسية اللازمة لوضع سياسة ثقافية فسيظل وضع هذه السياسة مشكلة عسيرة الحل إذا أردنا لها تحديدا كاملا سليما، واعترف أيضا أن أي محاولة في هذا السبيل لا تعدو كونها محاولة، حسبها أن تحاط بكل الدراسات الممكنة، ففي هذه الساحة النفسية الشاسعة لعل أغنية أو نشيدا يكون له من السحر في توجيه المجتمع أضعاف ما لأفلام السينما والمسرحيات والكتب والمقالات، ولعل لوحة مصورة واحدة تدخل سجل الخلود لتضيف إلى الذوق العام عنصرا رائدا في الإحساس بالجمال، من يحكم هذا وكيف يحكمه ؟ تلك هي مشكلة الثقافة وصعوبة وضع السياسة الثقافية.

مؤتمرات المثقفين
على أنى لم أدع إيماني بضرورة التكافؤ الثقافي أن يظل حبيسا في نفسى فحسب، بل لقد حرصت الحرص كله على أن أشرك غيرى معي في الرأي، فمنذ اليوم الأول لتسلمي مهام وزارة الثقافة عام 1958 وجدتني ممتلئا رغبة في الاتصال بكبار المثقفين في مصر حتى لا تكون سياسة الوزارة سياسة فوقية، ورأيت في النهاية وبعد عدد من اللقاءات أن أنسب شكل أستطيع من خلاله التعرف على مشاكل المثقفين وأمانيهم، والصعوبات التي يلاقونها والحلول التي يتصورونها، والوضع الأفضل الذي يمكن أن تتشكل عليه وزارة الثقافة وأهم إداراتها وأجهزتها، وكل ما كان يشغل بال المثقفين وكل ما كان يشغل بالى أنا نفسى.. رأيت أن التعرف على هذا كله من أفضل طريق هو حشد أكبر عدد من الفنانين والكتاب والمثقفين وعشاق الثقافة والفنون والعاملين في مجالات بث الثقافة وتوزيعها ومتابعة أنشطتها في "مؤتمر عام" لم ألبث أن دعوت إليه في شهر مارس 1959 بدار الأوبرا، حيث تواصلت جلسات الحوار الجاد طيلة أسبوع كامل في اجتماعات عامة وأخرى متخصصة في لجان نوعية محدودة العدد، وكان من نتاج هذا المؤتمر الثقافي العام أن تكشفت لنا الرؤية الثقافية من مختلف الفئات.
وأرى أن هذه اللقاءات قد طمأنتني إلى صدق حدسي من خلال تجربتي الشخصية في تذوق ودراسة الأعمال الثقافية والفنية والتي طالت عدة أعوام أمضيتها في أنحاء أوربا جائلا أحيانا ومستقرا أحيانا أخرى، إذ كانت هذه التجربة قد رسخت في نفسى ألوانا من الاتجاهات التي أنارت أمامي السبيل الذي يتعين علىَّ أن أختطه من خلال مسئوليتي بالوزارة، وما من شك في أن كل مسئول في مكانه علت به المنزلة أو دنت، لابد من أن يكون له طابعه في مكانه وإلا ما استطاع أن يحقق شيئا له قيمة وتأتى في مقدمة هذه الاتجاهات النظرة إلى المثقف نظرة إنسانية مردها إلى إيمان بأن الثقافة حافز للبشر على التضامن من أجل الارتقاء بمستوى رفاهيتهم، وبهذا تكون الثقافة أعلى قيمة للمتعلمين وغير المتعلمين على السواء، فعلى حين يسعى المتعلم لحشد ذهنه بالمعلومات يسعى المثقف إلى الارتقاء بذوقه ومداركه بل وإلى تحسين مستوى أدائه حتى في عمله المتخصص، ما يكون له أثر في إحداث تغيير جوهري في المحيط الذي يعيش فيه، ولهذا تتحدد قيمة الثقافة بمدى مساهمتها في تغيير مجرى الحياة والرد على تحديات العصر ودفع الأحداث في اتجاه تحقيق أحلام البشرية.

الفجوة بين المثقفين والجمهور
لقد أكدت هذه التجارب وتجارب أخرى أن الفجوة بين المثقفين وغير المثقفين في مستوى التذوق الفني ليست على مثل هذا الاتساع الذي يصوره البعض إذا ما تعهدناه صادقين بالرعاية ومحاولة الارتفاع بذوقه، فالمشكلة الحقيقية التي تعترض إزالة الحواجز الثقافية في المجتمع ليست عجز الشعب عن تذوق الفن الرفيع بقدر ما هي عجز الفن الرفيع عن مس القيم الشعبية وتمثلها والتعبير عنها، ومن ثم كان لا سبيل إلى إزالة الحواجز الثقافية بين فئات الأمة إلا بإتاحة تفاعل صادق مستمر بينها وبين صور الفن الرفيع وهو تفاعل سيستفيد منه الشعب بلا جدال، ولكن الفنانين سيستفيدون أكثر لأنهم في تصوري سيجدون لدى الشعب مادة لعملهم أغزر من كل ما خطر بخيالهم وقيما أعمق من كل ما حلموا به.
ومعنى ذلك أن تطوير الثقافة الإقليمية لا يقل أهمية عن نقل ثقافة العاصمة إلى الأقاليم، وكان خير ما يمهد لهذا ويؤكده، ويوثقه هو إقامة القصور الثقافية بدءا من عام 1959 وبث قوافلها في مناحي الريف البعيد، وكانت هذه هي المرة الأولى التي شهدت فيها مصر القصور الثقافية والتي أصبحت بعد شيوعها في أنحاء الوطن كله مظهرا من المظاهرة الحضارية الواضحة المعالم، بل إني لأذهب إلى أبعد من ذلك حين أؤكد أنه لا سبيل إلى ارتقاء وجدان السواد الأعظم من الشعب إلا من خلال اجتذابه لمشاهدة الأعمال الفنية الرفيعة المستوى، وإلا فستظل الجماهير على نفس مستواها الحالي طالما حجبنا الفن الراقي عنها، وظللنا نلاحقهم بالأعمال المسفة الغثة التي تشبع نهم الغرائز الدنيا.
وإذا كان ارتباط الثقافة بعصرها لا ينفى احتواءها على قيم خالدة على مدى العصور، فإن ارتباطها بمجتمعها لا ينفى أيضا احتواءها على قيم عالمية وإنسانية شاملة تخاطب الإنسان أنى كان، بل الواقع أنه بقدر ما تتعمق جذور الثقافة في تربة مجتمعنا وبقدر ما تحمل طابع هذا المجتمع، تتأتى قدرتها على صدق تمثيل الإنسان بصفة عامة، فالتعبير المخلص عن الإنسان في وطن معين هو تعبير عن الإنسانية جمعاء، ويكفى دليلا على ذلك أن أعمال شكسبير الناطق بلسان الإنجليز والمعبرة عن عواطفهم تعد اليوم من أثمن ما يملك العالم من تراث الشعر والمسرح، وفى تاريخ القصة لم يتمتع بالعالمية حتى الآن أدب كأدب تولستوي ودستوفيسكى وتشيكوف، وقد كانت أعمالهم جميعا روسية ضاربة في أعماق التربة الروسية، فإن قومية الثقافة النقية الراقية هي في الواقع طريقها الوحيد الممهد إلى عالميتها، وأقصد بقومية الثقافة النقية أن تكون معبرة عن الخصائص الفريدة للشعب الذي تمخضت عنه، وناقلة أمينة عن تجاربه عبر التاريخ وامتدادا لتراثه القديم، وأن تكون ملامح الشعب منعكسة لا على مضمونها فقط، وإنما على أشكالها أيضا وأدواتها ووسائلها في التعبير.
ولا أعنى بذلك أن نحتفظ في عصرنا بكل ما في التراث من صور وأدوات للتعبير وأشكال في الصياغة فهذا ضد طبيعة الأشياء، لأن كل ما في الحياة من علاقات ونبض ووسائل قد تغير عبر القرون، ولهذا تتغير أدوات التعبير ويتغير الشكل والمضمون، ويصبح التمسك بتقليد التراث موقفا متخلفا في الأدب والفن بقدر ما يكون إهدار التراث ارتجالا وافتقارا إلى الأصالة، ومن ثم كان علينا إلى جوار استلهام روح الشعب وتراثه وملامح الوطن التي هي المنابع الثرية الزاخرة للفن، الحرص في الوقت نفسه على الاستفادة من تجارب الآخرين ومن التطور الذي حققوه، فإن عظمة تولستوي ودستوفيسكى تتأتى من أنهما استلهما أصالة الروح الروسية دون أن يتورطا في النقل عمن سبقهما، واستفادا مع ذلك من تطور الأدب الفرنسي في زمانهم ومن تراثه العريق، وزمرة الخمس الكبار في الموسيقى الروسية "كوتشكا بالاكريف وسيزار كويه وبورودين ورمسكى كورساكوف وموسورسكى" لم يقفوا عند حد الألحان الشعبية وإنما استقوا من الروح الأصيلة لوطنهم واستفادوا من التقدم الفني والعلمي والموسيقى الذي حققه آخرون من شتى دول العالم والمثــّال مختار في مصر لم ينسخ تماثيل المصريين القدماء وإنما استلهمها وطورها وجاء من بعده فنانون آخرون استمروا في التطوير والإبداع.
وفى هذا المجال أمامنا نماذج من روادنا في الثقافة والفنون من الذين حملوا لواءها منذ مطلع القرن التاسع عشر أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ومصطفى المنفلوطي ولطفى السيد وطه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود سعيد ويوسف كامل وراغب عياد بل وطلعت حرب وغيرهم كثر جعلوا التراث منطلقا لهم وأفادوا من التقدم الثقافي في العالم بأسره.
ولن يتسنى لنا أن نقيم ثقافة قومية على الوجه الصحيح إلا إذا أفدنا من كل ثقافات العالم وفنونه ومن تقدمه التكنولوجي والعلمي والإنساني، فنحن لم نر من قبل قط ظاهرة "عالمية الفن" تتجلى بمثل ما نراه حين نشاهد عبقرية شاعر مسرحي فذ مثل شكسبير الإنجليزي تجتمع معها مواهب موسيقى عملاق مثل فردى الإيطالي ليخلق منها أوبرا مثل "عطيل" يتضافر على العزف لها أوركسترا فرنسي يقوده مايسترو من اليابان، ويعكف على الأدوار الغنائية الرئيسية فيها مغنون من أمريكا وألمانيا وإيطاليا، ويقوم بالأدوار الراقصة "باليرينات" من السويد والدانمارك وراقصون من روسيا، بل ومن مصر.. أجل من مصر ومن خريجي معهد الباليه بأكاديمية الفنون المصرية بالجيزة، ويصمم مناظرها وثيابها فنان من إسبانيا، فتنبض قلوب المشاهدين غربا وشرقا بنفس الشجن والانبهار. إن الإنسانية لم تشهد من قبل أبدا مثل هذه الإمكانيات لتحقيق أحلام لم تكن لتتحقق إلا في الخيال الذي لا يعشش إلا في وجدان الطفولة النقية، فالجمال طليق لا يحده مكان ولا يحيط به زمان.
إن الدول لا تغزو المستقبل إلا إذا تجاوزت الإنجازات المادية، وكل غزو عملي في الحاضر مقضى عليه لأن الحاضر لا مناص من أن يتوقف ذات يوم، والدول الراسخة هي التي تدفع الحاضر إلى المستقبل، والمستقبل لا وجود له إلا في الثقافة، لأنه إذا أمكن لأمة ما أن تكون عظيمة بذاتها فلن يتسنى لها أن تشمخ بين الدول العظمى - شأنها شأن الناس - إلا إذا تجاوزت قيمتها الذاتية لتجعل منها إسهاما نزيها في القيم الإنسانية وفى القيم الكلية، والقيم الثقافية هي وحدها القيم الكلية لأن تحديدها معناه تحديد النقطة التي عندها تتخذ المعتقدات والأبحاث والاكتشافات التي يقوم بها الإنسان قيمة عند الجميع كما هي عند الذين أنشأوها، وليس ثم ميدان آخر غير الثقافة توجد فيه مثل هذه القيمة الكلية الشاملة، أعنى المستوى الكلى العالمي، وما أصدق الفنان روبنز حين قال "إني أعد العالم كله وطني".

تاريخ حياة
ثروت عكاشة من مواليد القاهرة بمصر عام 1921، كان وزيرا للثقافة نائب رئيس الوزراء المصري سابقا.
المؤهلات العلمية له: الكلية الحربية 1939، كلية أركان الحرب 1945 - 1948، دبلوم الصحافة كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول 1951، دكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس 1960، ضابط بالقوات المسلحة، رئيس تحرير مجلة التحرير 1952 – 1953.
ملحق عسكري بالسفارة المصرية في بون ثم باريس ومدريد 1953 - 1956، سفير مصر في روما 1957 -1958، وزير الثقافة والإرشاد القومي 1958 - 1962، رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية 1962 و1966 - 1970، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري 1962 - 1966، نائب رئيس الوزراء وزير الثقافة 1966 - 1967، وزير الثقافـة 1967 - 1970، نائب رئيس اللجنة الدولية لإنقاذ مدينة البندقية 1967 - 1977، مساعد رئيس الجمهورية للشئون الثقافية 1970 - 1972، أستاذ زائر بالكوليج دو فرانس بباريس (تاريخ الفن) 1973.
انتخب زميلا مراسلا بالأكاديمية البريطانية الملكية 1975.انتخب رئيسا للجنة الثقافة الاستشارية بمعهد العالم العربي بباريس 1990- 1993، عضو المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو بباريس 1962 - 1970، عضو مجلس الأمة 1964 - 1966، عضو عامل في المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية، مآب مؤسسة آل البيت 1994..

سجل حافل بالجوائز والأوسمـة
•الجائزة الأولى في مسابقة فاروق الأول العسكرية
•وسام الفنون والآداب الفرنسى، عام 1965
•وسام اللجيون دونير (وسام جوقه الشرف) الفرنسى بدرجة كوماندور، عام 1968.
•الميدالية الفضية لليونسكو تتويجا لإنقاذ معبدي أبو سمبل وآثار النوبة، عام 1968.
•الميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده من أجل إنقاذ معابد فيلة وآثار النوبة، عام 1970.
•جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1987.
•دكتوراه فخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عام 1995.
•جائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2002