الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إلى الرجل الجالس أمام الكاميرا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المسافة بيننا وبين الجالس أمام الكاميرا أبعد من المسافة بين الكرامة والذل، بين الحرية والقهر، بين النزاهة والفساد، بين العدل والاستبداد، بين الصحة والمرض، بين الشبع والجوع، بين معنى الإحساس بامتلاك وطن وبين مَن سرقوا الإحساس والمعنى وأهانوا الوطن.
المسافة بيننا وبين الجالس أمام الكاميرا متأنقًا بأفخم الماركات العالمية وأكثرها شهرة، أبعد من المسافة بينه وبين مَن ترتعش أبدانهم من البرد وتصرخ بطونهم من الجوع وتلتهم الأمراض بقية عافية في أعمارهم.
إنه لم يتذكر قبل وأثناء وبعد جلوسه بين يدي مصفف الشعر استعدادًا للجلوس أمام الكاميرا أن في مصر شبابًا أصبح الانتحار وسيلتهم للتخلص من الحياة.. بعد أن سدّ هو والنظام الذي كان مجرد ترس في ماكينته ولم يفعل هذا النظام سوى سد أبواب الحياة وفتح بوابات المقابر أمام هؤلاء الشباب، الذين اختاروا الهروب من جحيم بلادهم إلى المجهول في سفن تحولت إلى مقابر جماعية في ظلمة البحر.. وبكل تأكيد لم يخطر على باله المقبورون في عبارات الموت الذين تجاوزوا الألف مصري بينما كان هو وأقرانه يصبغون شعورهم ويصففونها ويتطلعون لوجوههم بزهو فى المرايا، بينما صراع الغرقى مع الغرق ينتهي بهم طعامًا لأسماك البحر.
يقينًا أنه لم يتردد أمام اختيار رابطة العنق قبل أن يجلس أمام الكاميرا، فهو لن يضطر لبذل جهد فى الاختيار بين الماركات الإيطالية والفرنسية، فلديه من الأجراء المدفوع لهم رواتب شهرية مَن يختارون له، لذا وفى اللحظات الأخيرة التى سبقت التوجه لمكان التصوير هل هو وعصبة حزبه حادثة سقوط سبعة مصريين فى بئر للصرف الصحى فى الأردن التى وقعت في سنوات حكم الحزب الوطني السوداء؟ لا ننتظر إجابة فهو وهم لن يجهدوا أنفسهم بوقائع الحادث: "سقط الأول فى البئر وحاول الثانى إنقاذه فسقط وهكذا رجل خلف الآخر حتى وصل عددهم إلى سبعة"، كانت حرقة القلوب من فقدهم وفى بشاعة النهاية، وفى انتظار الأهل للجثامين لوضعها فى قبور معلومة ومعروف الطريق إليها فى مواسم الحزن وأعياد الموت.
قد يتذمر أو يعترض الجالس أمام الكاميرا، ولكن سوف يعود له هدوؤه بتأثير نفحة من عطره المفضل تمر أسفل فتحتي أنفه تحول بينه وبين رائحة الفقر في بيوت الفلاحين الذين طردوا من الأرض، والعمال الذين أغلقت مصانعهم ورأوها وهى تُباع في أسواق النخاسة الاقتصادية.
لا يدرك الجالس أمام الكاميرا أن المسافة شاسعة الاتساع بيننا وبين النظام الذي أفرزهـ فاتساع تفاصيل ما حدث وأوجاعه التي أسكنت الأجساد المرض بالطعام المسرطن وحرمت المريض من الصحة والعلاج في مستشفيات مملوكة لنا وتم تخريبها، وتم عرض أوجاع الفقراء للبيع وأصبح الحق في الصحة لمن يدفع ثمنها.
مهما اتسعت المسافة لن ننسى ولن نفرط في حق أهدر ولن نقبل اعتذارًا من رجل اسمه أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني، ومحتكر الحديد، وأحد ممثلي نظام مبارك في مجلس الشعب، والحائط الصد لمنع قوانين تحمى الصناعة الوطنية وتحاصر الفساد، وأحد الميسرين لسن قوانين تدمر ما انتزعه الشعب من هذا النظام.. هو الرجل الذي ومنذ أيام كان يجلس أمام الكاميرا.